مالي: تستغيث بموريتانيا لفك الحصار الخانق والحكومة ترفض تجويع الماليين

خميس, 20/01/2022 - 13:07

أوفدت جمهورية مالي الواقعة منذ أسبوع تحت حصار خانق فرضته عليها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا وقوبل بتأييد غربي واسع، أوفدت أمس إلى موريتانيا وفداً من خمسة وزراء ضمن خطوة استغاثة هدفها كسر الحصار.

ويرأس الوفد المالي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي عبدولاي ديوب، ويضم إلى جانبه وزراء: الإدارة الترابية واللامركزية والناطق باسم الحكومة، والنقل والبنى التحتية، والاقتصاد والمالية، والمعادن والطاقة والمياه.

وبدأ الوزراء الماليون أمس سلسلة مباحثات مع نظرائهم الموريتانيين للحصول على ما يمكن الحصول عليه لدى الحكومة الموريتانية من تسهيلات تساعد الحكومة الانتقالية في باماكو على كسر الحصار أو التخفيف منه.

والذي يتضح حتى الآن، هو أن موقف موريتانيا من حصار مالي سيكون، من ناحية، جامعاً بين إظهار التجاوب مع قرار الحصار مسايرةً للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي تعول موريتانيا كثيراً على الشراكة معها، ومن ناحية أخرى، متجاوباً مع مالي بشكل واسع في إطار المجالات غير المشمولة بالحصار، وهي المواد الطبية والمواد الأساسية الضرورية.

وكان وزير الثقافة متحدث الحكومة الموريتانية المختار ولد داهي، قد أكد خلال مؤتمر صحافي، الجمعة الماضية «أن موقف حكومة نواكشوط من الأزمة في مالي يتفق مع موقف «إيكواس» والمجموعة الدولية، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه يجب «أخذ الخصوصية الأمنية والسياسية والاجتماعية لدولة مالي بعين الاعتبار» داعياً «حكومة باماكو إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لطمأنة المجموعة الدولية وشركاء مالي، بالعودة السريعة للحياة الدستورية».

ولأهمية موقف موريتانيا في إنجاح الحصار على مالي، سارع نانا آكوفو آدو، رئيس جمهورية غانا، الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إلى مهاتفة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، حول القرارات التي اتخذتها المجموعة خلال قمتها الاستثنائية المنعقدة يوم الأحد قبل الماضي.

وأكد الرئيس الموريتاني خلال المكالمة «حرص موريتانيا على أن يتجاوز الأشقاء في مالي الصعوبات الحالية، بما يضمن الحفاظ على أمن ووحدة واستقرار بلدهم الشقيق» واتفق الرئيس الغزواني مع الرئيس الغاني على «مواصلة التشاور بشأن الملف المالي».

ومع أن الحكومة الانتقالية في مالي أظهرت تحديها لقرارات الحصار، فإن العقوبات المالية والاقتصادية ستكون، يوماً بعد يوم، في غاية الثقل لكونها تشمل تجميد الأصول المالية وإغلاق الحدود وإيقاف المبادلات مع مالي.

ولم تكد المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا تعلن عن عقوباتها ضد مالي حتى سارع كتاب وساسة ومدونون موريتانيون لإعلان تضامنهم مع مالي.

فإن الموقف الرسمي والشعبي لموريتانيا مما يجري في مالي يجب أن يتحدد وفقاً لمعطيات منها مصالح موريتانيا أولاً، ثم مصالح مالي ثانياً، وذلك بوصفها دولة شقيقة وجارة، وتشكل حدودنا معها واحدة من أطول الحدود التي تربط بين دولتين إفريقيتين».

وفقا للمصالح المشتركة تقتضي أن تظل الحدود مفتوحة بين البلدين، وأن تعمل بلادنا على استغلال هذه الأزمة في زيادة حجم تبادلها التجاري مع مالي من خلال ميناء نواكشوط المستقل، وميناء انجاكو الذي لم يشغل بعد، ثم إن موريتانيا بحاجة شديدة في هذا العام إلى المراعي والأعلاف نظراً لضعف تهاطل الأمطار، ولذا فإن إغلاق الحدود مع مالي ستتضرر منه مواشيها أيضاً».

ونحن حكومة وشعباً، لسنا معنيين بالتدخل في الشأن المالي، ويتأكد الأمر في ظل عدم خروج مظاهرات شعبية في مالي تندد بقرارات الحكومة الانتقالية أو تطالب بفرض حصار عليها، فلو أن شيئاً من ذلك قد حصل لكان بالإمكان التفكير في المشاركة في العقوبات المفروضة على مالي استجابة لنداء شعبها، أما وأنه لم يحدث شيء من ذلك، فلا مبرر في هذه الحالة لمشاركة بلادنا في تلك العقوبات». كما أنه يجب عدم نسيان موقف جاليتنا في مالي، والتي كانت قد أعلنت في بيان عن تضامنها الكامل مع مالي، والوقوف في هذا الظرف العصيب معها، وأنها تضع كل إمكانياتها المادية والمعنوية تحت تصرف الأشقاء في مالي». حكومة ونواكشوط لمحاولة التنسيق مع الشقيقة الجزائر من أجل لعب دور وسيط بين الحكومة المالية والدول التي قررت فرض حصار عليها، ويمكن لتنسيق من هذا النوع أن يعمل على وقف الحصار، وإعادة النظر من خلال التفاوض مع الحكومة المالية في مدة الفترة الانتقالية، وربما في حجم وشكل الوجود العسكري الروسي في مالي».

ولا شك أن المعادلة بالغة الصعوبة بالنسبة لبلد مثل مالي لا يتوفر على منفذ بحري، بلد معتمد كلياً على موانئ جيرانه، بلد تمثل التجارة 60% من ناتجه الداخلي الخام حسب أرقام البنك العالمي، بلد ممنوع من امتيازات «الأغيوا» التجارية الأمريكية الممنوحة لإفريقيا، بلد يئن تحت حصار تجاري ومالي مفروض عليه من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.

ومع إعلان الطغمة العسكرية الحاكمة في مالي أنها ستكسر الحصار اعتماداً على تعاون موريتانيا وغينيا والجزائر، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن تجد مالي نفسها منغمسة في أتون أزمة اقتصادية شديدة بسبب عقوبات لن تؤثر عليها وحدها، بل ستتحمل جارتاها ساحل العاج والسنغال شريكها التجاري الأساسي، تبعات ذلك الحصار.

ويضاف لهذا أن الميزان التجاري لجمهورية مالي يعاني من عجز كبير للغاية، كما أن صادراتها قد شهدت في عام 2020 هبوطاً بـ 16.8%، فيما سيكبح الحصار المالي المفروض حصول مالي على إعادة التمويل في الأسواق لكونه مرتبطاً بالاتحاد النقدي لغرب إفريقيا الذي جمد عضوية مالي.

ومن شأن هذا الوضع أن يؤدي لعجز الحكومة المالية في المديين المتوسط والبعيد، عن دفع رواتب العمال.

وتعول حكومة مالي على غينيا وموريتانيا والجزائر وعلى روسيا للحصول على انفتاح خارجي يمكنها من الحصول على التموينات الأساسية.

كل هذا يؤكد أن المنطقة توجد حالياً، بفعل تطورات الملف المالي، أمام إعادة تشكل جيو-سياسي قد يتمخض عن ظهور قطب جديد يجمع بين مالي وغينيا تحت إشراف روسيا التي أصبحت دركياً آخر في منطقة غرب إفريقيا