عذرا سيدي الرئيس......لا أستطيع  احترامك / د. سمير الددا

خميس, 17/01/2019 - 11:27

لن يحتاج الامرللكثير من الجهد لبيان ان الادارة الأمريكية تسير بعكس التيار الذي يسير فيه غالبية الشعب الأمريكي في الكثير من القضايا السياسية سواء الداخلية او الخارجية.
من ابرز هذه القضايا قضية الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني المحتل ونقل السفارة الامريكية اليها من تل ابيب, فغالبية الشعب الامريكي له رأي مغاير لقرار الادارة الامريكية حول القدس, فمثلا استطلاع للرأي قام به معهد بروكينجز بالتعاون مع جامعة ميريلاند على شريحة من المجتمع الامريكي أوضح ان 67% من الامريكان يعارضون نقل السفارة الامريكية في اسرائيل من تل ابيب الى القدس, ناهيك على ان وزارة الخارجية ووزيرها ركس تيلرسون وهيربرت ماك ماستر مستشار الامن القومي بالاضافة الى 9 سفراء امريكيين في اسرائيل سابقين كان لهم وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر البيت الابيض, وكذلك المؤسسة العسكرية الامريكية لم تتفق مع قرار ترامب مستندة الى معلومات استخبارية وصلتها من دوائر امنية وعسكرية اسرائيلية تحذر بشدة من التداعيات الامنية لمثل هذا القرار. 
صحيح أنه نفس الشعب الامريكي الذى أتى بترامب, ومن خلفه بطانته الصهيونية اليمينية المتطرفة الى البيت الأبيض , إلا إنه وبعد انكشاف وفضح سياساتهم المتهورة , أصبح الشعب الأمريكي الآن من أكثر المعارضين لهذه السياسات التي تتم باسمه, وانخفضت شعبية ترامب الى مستوى لم يسبقه اليه اي رئيس أمريكى في التاريخ, اذ انحدرت شعبيته الى مستوى متدني تاريخي و قياسي (32% فقط راضين عن اداء الرئيس) بحسب استطلاع للرأي على 1500 شخص امريكي بالغ اجراه مركز بيو للابحاث المتخصص في قياس توجهات الرأي العام, في حيت بين استطلاع اخر اجراه معهد غالوب لقياس الرأي العام ان 33% راضون عن اداء الرئيس خلال عامه الاول في البيت الابيض في حين ان الرئيس السابق بارك اوباما سجل في عامه الاولى نسبة 59% وبوش الابن 86% وكلينتون 55%. 
انعقدت أمس الخميس 21/12/2017 جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفقا للقرار رقم 377 لعام 1950 والمعروف عالميا "بند متحدون من اجل السلم", وصوت باغلبية ساحقة (128 صوت مؤيد, مقابل 9 اصوات معارضة وامتناع 35) على مشروع قرار يناقض قرار الرئيس الامريكي حول القدس ويؤكد على القرارات الدولية السابقة ذات الصلة والتمسك بها ويدعو الرئيس الامريكي الى التراجع عن قراره غير الشرعي كما يهيب بكافة الدول الاعضاء الامتناع عن مجاراته, وذلك بعد ان أبطل الفيتو الامريكي في مجلس الامن قرارا بهذا المعنى يوم الاثنين الماضي 18/12/2017.
تجدر الاشارة الى ان هذا القرار (متحدون من أجل السلم) كانت الولايات المتحدة الامريكية وراء اصداره في نوفمبر عام 1950, على اثر استعمال الاتحاد السوفيتي وقتئذ لحق النقض (الفيتو) في مجلس الامن وتعطيل صدور مشروع قرار حول الازمة في الكورية في حينه, فرأت الولايات المتحدة عندها ان مجلس الامن فشل في القيام بمهامه في حفظ السلم والامن الدوليين, فقامت بالتنسيق مع عدد من الدول باقتراح هذا القرار (رقم 377 لعام 1950-متحدون من اجل السلم), والذي بموجبه يتم نقل صلاحيات مجلس الامن (حول أزمة محددة تشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين والذي فشل مجلس الامن في اتخاذ قرار بصددها) الى الجمعية العامة للامم المتحدة للتصويت عليه, فاذا حقق التصويت اغلبية واضحة فيكون لهذا القرار قوة قرارات مجلس الامن من حيث الاثر القانوني وقوة الالزام كما يفيد الخبير في الامم المتحدة والاستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة روتغرز بولاية نيوجيرزي الدكتور عبد الحميد صيام (أمريكي من أصل فلسطيني), وهذا ما يفسر هالة الهلع التي افقدت الادارة الامريكية رشدها.
تكمن اهمية هذا القرار الاستثنائي اليوم اضافة الى قيمته القانونية المشار اليه اعلاه, انه جاء بهذه النتيجة الكبيرة رغم التهديدات الامريكية الفجة والمباشرة في ارهاب دبلوماسي فريد من نوعه وفي سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الامم المتحدة منذ انشائها عام 1945, والتي يبدو بوضوح انها جاءت بنتيجة مخيبة للامال لنيكي هيلي ورئيسها وحليفه الاسرائيلي, فكان التصويت المكثف بمثابة صفعة مدوية لهم جميعا, ودرس في السياسة والدبلوماسية, حيث انهم برهنوا انهم ينقصهم الكثير في هذين المجالين, ناهيك عن افتقارهم للياقة والاخلاق والاتيكيت الخاص بأصول التعامل مع دول اعضاء في محفل دولي بوزن الامم المتحدة.
لقد اوضحت هذه الازمة ان ترامب برهن على انه يفتقر للحنكة السياسية وتنقصه الدبلوماسية, فقد وضع نفسه وادارته في زاوية صعبة جره اليها (على حين غرة) اكثرالصهاينة تطرفا وعنصرية والذين لا يعطون بالا لما سيلحق بترامب وبلده من اذى في سبيل خداعه وانتزاع مواقف ومكاسب سياسية منه, رغم ادراكهم انها مخالفة لكافة القوانين والشرائع والاتفاقات الدولية وخروجا صارخا عن الاجماع العالمي, لقد اوقعوه في شرك محكم ليس من الهين الخروج منه ولن يسمح له اعتداده الكبير بنفسه بالتراجع قراره, وفي نفس الوقت اصبح المضي قدما في تنفيذه اصعب بكثير مما صوره له من حوله من الصهاينة المتطرفين وسيكون عليه دفع ثمنا باهظا جراء وقوفه في وجه اجماع دولي قوامه 14 صوتا من 15 في مجلس الامن و128 صوتا في الجمعية العامة و35 امتنعت عن التصويت علما بان معظم تلك الدول الممتنعة تدعم محتوى القرار بل تعتبر القدس الشرقية المحتلة عام 1967 عاصمة لدولة فلسطين كما افاد مندوبوها في جلسة الاستماع لمبررات امتناعهم بعيد الانتهاء من عملية التصويت, الرجل في وضع لا يحسد عليه, اذ تحدى كل دول العالم بالتهديد والوعيد وفي حرم الامم المتحدة, فاستفز دول العالم فكانت له بالمرصاد وانقلب السحر على الساحر كما يقال ولقنته تلك الدول درسا قاسيا وجرعته هزيمة دبلوماسية من الوزن الثقيل كانت الولايات المتحدة في غنى عنها, ولكن هذه نتيجة طبيعية للغطرسة والمكابرة والعنجهية والتعامل مع الاخرين بفوقية. 
لا يستطيع دونالد نرامب ان يتصور ان مواقف الدول السياسية لا تتخذ بالترهيب والتهديد بكتابة الاسماء, ولا تخضع للابتزاز وليس للبيع اوالشراء وكأنها صفقة تجارية, وانما مواقف الدول هي صدى لصوت شعوبها, وتعكس مباديء وقناعات وطنية راسخة و تكون انسجاما لمواقف تكتلات سياسية اقليمية ودولية كدول المجموعة العربية او المجموعة الافريقية او كتلة عدم الانحياز او دول منظمة التعاون الاسلامي وهكذا. 
المندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة داني دانون هو الاخر شارك في حفلة الاستهزاء بدول العالم الأعضاء بالامم المتحدة واصفا الذين صوتوا لصالح القرار بانهم مجرد دمى.
شخصيا لم يفاجئني هذا الاسلوب الابتزازي الرخيص في الخطاب الاسرائيلي, فالذي يسرق وطن بأكمله لا يتورع في الاساءة الى أمم, فالرجل يتكلم باللغة البذيئة التي لا يتقن غيرها ويتقنها اللوبي الذي قف خلفه جيدا , ولا يحتاج الامر الى جهد كبير لبيان انعكاس هذه اللغة (لغة الدمى) على الاخرق القابع في البيت الابيض والبائسة مندوبته في الامم المتحدة. 
الحقيقة ان هذه النتيجة كان بمثابة صفعة ثلاثية الابعاد لكل من ترامب ومندوبته بالاضافة الى اكثر حكومة تطرفا وعنصرية في تاريخ الكيان الاسرائيلي المحتل.
هذه الواقعة التي كشفت عن ضعف كبير في شخصيات رئيسية في الادارة الامريكية وخصوصا دونالد ترامب والمندوبة هيلي, اذ يلجأ رئيس القوى العظمى الرئيسية في العالم الى هذا الاسلوب الوضيع في التعامل السياسي مع دول العالم في اروقة الامم المتحدة, وكأنه لسان حاله يقول انه افلس سياسيا وانعدم أي قوة اخرى ناعمة او حتى غير ناعمة لتسويق مواقفه والتأثير على دول العالم الاخرى.
من المستهجن ان تقوم المندوبة الامريكية بكل فجاجة وباسلوب وضيع ينم عن نقص كبير في الخبرة الدبلوماسية وعدم دراية بتوزيع رسالة تهديد بانها ستكتب اسماء جميع الدول التي ستصوت مع القرار وسترسل تلك الاسماء للرئيس ترامب الذي سيتعامل مع هذا الامر كأمر شخصي.......!!!!!!!!!, والغريب ان الرئيس اثنى على هذا الاسلوب الوضيع الذي وصفه الكثير من المراقبين "بالبلطجة" ليفقد الكثير من رصيده الاخلاقي والكثير من الاحترام.
يا سيدة هيلي لا حاجة لكتابة الاسماء, فقد تم نشر التصويت على لوحة الكترونية نقلتها على الهواء مباشرة كل قتوات العالم الفضائية, اذ يكفي فتح اي قناة تلفزيونية ليرى ترامب نتيجة التصويت في بث حي ومباشر, مما سيوفر عليك يا سيدتي ورقة وقلم.......!!!! 
واليك ايضا يا سيدة هيلي ما قاله دبلوماسي اوروبي كبيرتعليقا على تهديداتكم "ان تهديدات دونالد ترامب ونيكي هيلي جعلت الاتحاد الاوروبي يتوحد ويتمسك بقرار التصويت لصالح فلسطين"...... وهذا ما حدث.
وفي هذا الاطار قال مسؤول الملف الدولي في القناة العاشرة الاسرائيلية براك رابيد ان تهديدات وضغوطات دونالد ترامب ومندوبته في الامم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على الدول الفقيرة في حال صوتت ضد الولايات المتحدة واسرائيل قد باءت الفشل بل نتج عنها نتائج عكسية حيث تسببت في توحيد موقف الاتحاد الاووربي كله ضد قرار ترامب بشان القدس واضاف رابيد: "ان سياسة ترامب الدولية وسياسة نتانياهو في الارض المحتلة وحّدت العالم كله ضد اسرائيل وضد ترامب".

وفي نفس السياق, وصف تلفزيون اسرائيل التهديدات الامريكية "كانت فارغة و لا قيمة لها" ، وتساءل : "ان الاردن ومصر قد صوتتا ضد قرار ترامب ، فهل سيجرؤ ترامب على فرض عقوبات اقتصادية على مصر والاردن" وتابع, بكل تأكيد لم ولن يستطيع, ,اضاف التلفزيون "كان التوصيت هزيمة سياسية كاسحة لامريكا ولاسرائيل من جانب دول العالم أجمع ، ويبدو ان باستثناء امريكا واسرائيل لا يوجد دولة في العالم ترضخ لتهديدات ترامب .!!!"
ومن جهة اخرى, ورداً على مزاعم مندوب إسرائيل في الأم المتحدة داني دانون، والتي أظهر خلال كلمة له اليوم في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على قرار بشأن القدس بعد ان اظهرها في اجتماع مجلس الامن يوم الاثنين الماضي، عملةً نقدية يقول إنها تثبت الحق التاريخي لليهود في فلسطين، أوضح حقيقة تلك العملة المعدنية الباحث الأكاديمي المختص في علم التاريخ والمسكوكات محمد الزرد فقال: " بعد ترجمتي للكتابة الآرامية لغة أهل فلسطين في تلك الفترة الموجودة على قطعة العملة التي يعرضها مندوب الاحتلال في الامم المتحدة بقصد تضليل العالم وتزييف الحقائق، وجدت أن الوجه يمثل ورقة وفرع شجرة عنب حولها مكتوب ما ترجمته (يوم حرث)، أما الظهر مكتوب ما ترجمته (سنة ستين)" ويضيف الباحث " أن القطعة سُكّت بمناسبة موسم زراعي، خاصة أن فلسطين تشتهر بأجود أنواع العنب، متسائلاً: "أين الوجود اليهودي في كل هذا؟

اخر الكلام:
مر عام تقريبا على دونالد ترامب في البيت الابيض وهذه اهم انجازاته التي ملات الافاق:
1- ملف برنامج كوريا الشمالية النووي,,,,,برنامج ترامب القضاء نهائيا على البرنامج,,,,,,,,الانجاز الفعلي اطلاق عدة صواريخ بالستية تسطيع توصيل رؤوس نووية للاراضي الامريكية ناهيك عن وقوع كل قواعد امريكا العسكرية وحلفائها في مرمى الصواريخ الكورية الاستراتيجية......رد فعل ترامب كان كلام في كلام واخيرا صمت لما رأى عين حمراء في بيونغ يانغ واستسلم للاصرار الكوري ولسان حاله يقول للكوريين الشماليين اهلا وسهلا بكم في النادي النووي (النتيجة صفر على عشرة)
2- ملف ايران النووي,,,,,,, برنامج ترامب الغاء الاتفاق نهائيا,,,,,,,,الانجازتصريحات جوفاء من هنا وهناك وتراجع امريكي مذل (النتيجة صفر من عشرة)
3- خطة منع السفر لدول اسلامية,,,,,,برنامج ترامب منع منسوبي 7 دول عربية من دخول الاراضي الامريكية,,,,,,,النتيجة ان ابطل قرارته التنفيذية التي اصدرها لتنفيذ وعده قاضي فيدرالي.
4- اختيار طاقمه في الادارة, راى الكثير من المراقبين ان هذه الادارة سجلت رقما قياسيا في الاستقالات وفشلا ملحوظا في اجتذاب كفاءات للمناصب الرئيسية.
5- ملف التدخل الروسي في الانتخابات التي جاءت بترامب الى البيت الابيض,,,,,,الحبل يضيق على عنقه, وفشل مريع في التعامل مع هذا الملف, ويتوقع الكثير من المحيطين به انه لن يكمل فترته الرئاسية تحت ضغط هذه الفضيحة, بل ذهب بعضهم انه لن يكمل نصفها, وذهب البعض الاخر الى ان صفقة القدس تاتي في هذا السياق اذ يرى هؤلاء ان قرار ترامب بمثابة رشوة للوبي الصهيوني النافذ في واشنطن لعله يستطيع ان ينقذه من المصير القاتم الذي ينتظره.
6- واخيرا وليس ملف الشرق الاوسط, وصفقة القرن, فاذا به يقع في مستنقع القدس, والنتيجة كما سلف ان اشرنا اليها في صلب المقال.
وبعد ان فشل سيادة الرئيس في تحقيق كل الوعود التي كانت ضمن برنامجه الانتخابي, ختمها سيادته باستعراض عضلاته ليهدد الدول الضعيفة التي تعتمد على المساعدات الدولية في لقمة عيشها وابتزازها بطريقة مقززة ووضيعة ومستفزة نفر منها المجتمع الدولي, حتى اقرب حلفاؤه استنكروا وادانوا هذا الاسلوب الرخيص والغير اخلاقي كما قال الكثير,,,,,عذرا,,,, من يكون هذه اخلاقه ليس جديرا بالاحترام.