فهوم الشفافية و المساءلة و دور الأجهزة العليا للرقابة

ثلاثاء, 04/08/2020 - 17:21

ومن هنا أدركت أغلب المجتمعات أن ظاهرة الفساد من أبرز المشكلات التي تواجه خطط التنمية ، وخاصة في المجتمعات والدول النامية ، واتفقت تقارير الخبراء والمتخصصين على ضرورة مكافحته وتطويقه للقضاء عليه حيث هناك اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته منظمة الشفافية الدولية على أنه : - كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة أي أن يستغل المسؤول منصبه وسلطته من أجل تحقيق منفعة شخصية ذاتية لنفسه أو لجماعته .

أن العولمة والثورة التقنية والمعلوماتية والاتصالات مع ما واكبها من انفتاح في الأنظمة والمواثيق لمست وأثرت في كل أنماط حياة الإنسان وذلك من خلال اعادة النظر للمفاهيم والقيم واعادة ترتيبها بما يتواكب مع متطلبات العصر المختلفة ، حيث برزت من ضمن هذه التغيرات وظاهرة الفساد والذي من البديهي أن يوجد ما يقابله ، مكافحة الفساد ، حيث ظهر ضمن سياقات هذا التطور والحداثة لغة ذات مفردات ومصطلحات جديدة نسبياً كالشفافية والمساءلة والحوكمة والحكم الصالح ، فلا يكاد يخلو مقام للحديث أو النقاش عن مكافحة الفساد سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا دون أن تكون كلمة الشفافية حاضرة فيه .

فما الشفافية ؟ .. وهل لها تعريف محدد ؟ .. وما هي سبل دعمها وتحسينها ؟ .. وهذا ما نحن بصدد تسليط الضوء عليه .

ماهية الشفافية ؟

كلمة الشفافية – لو بحثنا في متون الثقافات الإنسانية مصطلح الشفافية لما وجدنا معاني تقابلها أكثر قربا لها من كلمة الأمانة – الصدق – الإخلاص – العدالة ، والشفافية بمعناها المستعار في علم الفيزياء تعني المادة الشفافة وهي المادة الواضحة الزجاجية التي يمكن رؤية تصرفات الأطراف من خلالها .

 

ويمكن تعريف الشفافية بأنها : -

* يقصد بالشفافية مبدأ خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة وبشكل أكثر تحديد ومنهج توفير المعلومات وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب والانفتاح لكل الأطراف ذوي العلاقة .

 

* وتعرف هيئة الأمم المتحدة الشفافية بأنها حرية تدفق المعلومات معرفة بأوسع مفاهيمها ، أي توفير المعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم واتخاذ القرارات المناسبة ، واكتشاف الأخطاء .

ونستخلص مما سبق أن الشفافية هي نقيض الغموض أو السرية في العمل ، وتعني توفير المعلومات الكاملة عن الأنشطة العاملة للصحافة والرأي العام والمواطنين الراغبين في الإطلاع على أعمال الحكومة وما يتعلق بها من جوانب ايجابية أو سلبية على حد سواء دون أخفاء ، وكذلك يتضح أن الشفافية تتعلق بجانبين الأول يتعلق بوضوح الإجراءات وصحة مصداقية عرض المعلومات والبيانات الخاصة بالوحدات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة والعامة ووضوح العلاقات فيما بينها من حيث ( التخطيط – والتمويل – والتنفيذ ) للوصول للغايات والأهداف المعلنة مسبقاً ، في حين يتعلق الجانب الثاني بعلاقة ذوي العلاقة من الخدمات التي يقدمها الجانب الأول وحقهم في الحصول والوصول للمعلومات الصحيحة والحقيقة في الوقت المناسب .

 

الشفافية المالية :

تعني الشفافية توفير المعلومات الموثوقة والآتية المتعلقة بالنشاطات والإجراءات والقرارات والسياسات التي تتخذها المؤسسة وضمان الوصول إليها .

* المتطلبات الأساسية للشفافية المالية .

1- الالتزام بالانفتاح ، والشفافية ، والأمانة ، فيما يتعلق بالمؤسسة ورسالتها ، وسياستها ، ونشاطاتها على المستويات الإدارية كافة ، بشكل يسمح بمساءلة جادة للمؤسسة وللعاملين بها فيما يتعلق بمعاملاتها كافة ومع الأطراف ذات العلاقة .

 

2- العمل ، ضمن اجراءات واضحة ومعلنة ، على تبني مواقف ذات علاقة بسياسات المؤسسة المالية والتنموية ، ومواقفها من السياسات العامة ، ضمن سياسات اخلاقية صريحة توجه الخيارات الاستراتيجية .

 

3- الالتزام بسياسة واضحة للنشر تتضمن حفظ وتوثيق كل ما يتعلق ببناء المؤسسة وعملها ، من خلال إصدار قرارات مجلس إدارة أو لوائح واجراءات مصادق عليها واضحة فيما يتعلق بنشر المعلومات الشفوية والكتابية أو المخزنة الكترونيا .

 

4- التعهد بتوفير المعلومات الصحيحة للجمهور العام بأعلى مستوى من الدقة وذلك بتخصيص دائرة أو وحدة ، أو شخص على الأقل ، للقيام بهذه المهمة لتوفير قناة اتصال المؤسسة بالجمهور ، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلات والمعلومات التي تتعلق بعمل المؤسسة بما يضمن دقة المعلومات والأمانة وسهولة عملية عرض المعلومات وتحليلها وتقديمها لطالبيها وفق اجراءات واضحة ومنظمة .

 

5- التعهد بالمحافظة على سرية المعلومات الشخصية المتعلقة بشؤون الموظفين والعملاء ما لم يتنازل الأشخاص المعنيون عن هذا الحق أو يتطلب القانون كشف هذه البيانات .

 

6- تبني اجراءات مكتوبة ومعلنة تحمي المواد البشرية في المؤسسة ، من الممارسات غير المهنية ، بما فيها أسس التوظيف ، والتقييم والتدريب والترقيات وسلم الرواتب ، وآلية اختيار المستفيدين ، وشبكة علاقاتها .

 

7- التقيد بالمعايير المهنية والقواعد الخاصة بالشفافية المالية ، من خلال وضع اجراءات المراجعة المحاسبية والضبط الداخلي وآلياته .

 

8- ينبغي أن تتولى هيئة مراجعة أو منظمة أخرى في حكمها ، تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية باعداد وتقديم تقارير إلى السلطة التشريعية والجمهور في الوقت المناسب عن السلامة المالية لحسابات الحكومة ، وينبغي إنشاء مثل هذه الهيئة بمقتضى القانون ، كما ينبغي أن تكون هناك آليات لضمان اتخاذ اجراءات علاجية إزاء ما تكشف عن تقارير المراجعة من نتائج سلبية .

مبادئ الشفافية المالية .

 

يرتكز ميثاق الممارسات السليمة في مجال الشفافية المالية العامة على أربعة مبادئ عامة يقوم عليها الهيكل التنظيمي للميثاق وهي :

* المبدأ العام – وضوح الأدوات والمسؤوليات يعني بتحديد هيكل القطاع الحكومي ووظائفه والمسؤوليات داخل الحكومة ، والعلاقة بين القطاع الحكومي وباقي قطاعات الاقتصاد ، حيث يتعين على المؤسسات والقطاعات المالية ومؤسسات الأعمال العامة الأخرى مراعاة متطلبات الإفصاح والشفافية ، ومراعاة أخلاقيات الإدارة في القطاع العام .

 

* المبدأ العام الثاني – إتاحة المعلومات للجمهور : ويؤكد هذا المبدأ على أهمية نشر المعلومات المالية الشاملة عن المالية العامة في أوقات يتم تحديدها بوضوح ، حيث ينبغي أن تتضمن وثائق الميزانية عرضاً للتوقعات المالية العامة في الفترة المستقبلية ، وكذلك ينبغي الإفصاح عن الخصوم الاحتمالية في الميزانية السنوية ، ويعين عرض التكلفة التقديرية لجميع بنود النفقات ، وكذلك استيفاء متطلبات المعيار الخاص لنشر البيانات فيما يتعلق بتقديم المعلومات عن الدين العام والالتزامات السابقة .

 

* المبدأ العام الثالث - علانية اعداد الميزانية وتنفيذها والابلاغ بنتائجها ويشمل نوعية المعلومات التي تتاح للجمهور فيما يخص عملية الميزانية وذلك من خلال :

- عرض تقرير سابق عن الميزانية قبل تاريخ مناقشة واعتماد الميزانية السنوية وبوقت كافي ، مع بيان نوايا الحكومة الاقتصادية والمالية العامة في المدى المتوسط ، وإبراز مجموع الإيرادات ومجموع المصروفات والفائض أو العجز أو الدين العام ، وعرض مشروع الميزانية على السلطة التشريعية قبل بداية السنة المالية بثلاثة أشهر على الأقل واعتماد الميزانية قبل بداية السنة المالية .

 

* ينبغي أن يتاح للجمهور الإطلاع على الآثار المالية العامة التقديرية لجميع التشريعات المقترحة من الحكومة .

 

* ينبغي تصنيف المعاملات حسب الأنشطة أو المخرجات وحسب البرامج أو النتائج ، وينبغي أن تشمل وثائق الميزانية معلومات أداء تفصيلية مالية وغير مالية عن جميع المخرجات والأنشطة والبرامج على بيانات مقارنة عن سنوات سابقة .

 

* ينبغي عرض تقارير المصروفات والإيرادات الشهرية والربع والنصف سنوية في مواعيد محدد قانوناً على السلطة التشريعية .

 

* ينبغي إجراء مراجعة مستقلة للنتائج المتحققة بالقياس إلى جميع أهداف الأداء وعرضها على الجهات ذات الاختصاص في مواعيد محدد قانوناً .

 

* المبدأ العام الرابع : - ضمانات صحة المعلومات – يعني بجودة البيانات المالية العامة والحاجة إلى التدقيق المستقل لمعلومات المالية العامة .

 

* ينبغي وضع آليات تكفل علانية إرساء المعايير الخاصة بالمحاسبة الحكومية وإبلاغ المعلومات المالية ، كما تكفل استقلالها عن الحكومة .

 

* ينبغي أن تقوم الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة بمطابقة توقعات ونتائج المالية العامة وتحليل جميع الفروق الملحوظة وعرض تقريرها على السلطة التشريعية والجمهور بشأن جميع الأمور المتعلقة بسلامة سياسات المالية العامة وشفافيتها .

 

طرق دعم وتحسين الشفافية .

وهناك عدة أساليب وإجراءات لتحسين رفع مستوى الشفافية في أداء الوحدات والمؤسسات السياسية والاقتصادية في مجتمع ما طالما توافرت الإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك لدى الجهات المعنية ، ونبرز أهمها فيما يلي : -

1- دعم وتطوير النظام القانوني والجهاز القضائي بالمجتمع وذلك بتفعيل مواد القوانين الموجودة والعمل على القيام بالدراسات المقارنة والتوصيات بإصدار قوانين جديدة بشأن محاربة للفساد وتضمن المزيد من الشفافية وضرورة تطوير آليات واضحة يتم بمقتضاها تطبيق تلك القوانين من خلال الجهاز القضائي الفعال .

 

2- تكوين لجان للنزاهة في المؤسسات المختلفة ، وذلك من خلال تنمية الممارسات الإدارية الأخلاقية والالتزام بالقيم في أداء الوظائف المختلفة التي تقوم بها مؤسسات الدولة ، كما تهدف هذه اللجان إلى التغلب على المشاكل المالية والتصدي لها في حال حدوثها بالإضافة إلى معالجة الحالات التأديبية المختلفة ، وكذلك حالات سوء استخدام السلطة والفساد الإداري .

 

3- إنشاء وكالات لمحاربة الفساد وذلك بأن تكون قوانين الدولة تسمح بإنشاء وفتح الهيئات والمؤسسات والجمعيات الحكومية والأهلية المختصة في مكافحة الفساد ومنحها الصلاحيات التي تمكنها من القيام بمهامها أو على أن ينصب جوهر عمل هذه الوكالات في الحصول على المعلومات وإجراء التحريات اللازمة ، وإعطاء التوصيات الخاصة بتوجيه الاتهام للأفراد المسؤولين عن الفساد الإداري في المؤسسات فضلاً عن تقديم النصح لرؤساء الإدارات والأجهزة المختلفة فيما يتعلق بالتغيرات التي تطرأ على الأداء المؤسسي التي يمكن أن تساعد في القضاء على وقوع الفساد الإداري مستقبلاً .

 

4- تنمية القيم الدينية والتركيز على البعد الأخلاقي في محاربة الفساد وذلك لأن معظم حالات الفساد تتم بسرية وبطرق عالية المهارة فيكون من الصعب وضع تشريعات وقوانين تقضي على أنماط الفساد بصورة تامة في ظل هذه السرية واستغلال التقدم التقني في تغطية الفساد ، وبذلك يتضح جلياً دور القيام الدينية في مكافحة الفساد والقضاء عليه ، فلا شك أن القيم الدينية في جميع الديانات السماوية تدعو إلى الفضيلة والالتزام بالأخلاق في جميع نواحي السلوك البشري ، ويقوم جوهر تلك القيم على فرض رقابة ذاتية على الفرد في كل أعماله ، ففي حال التزام كل فرد بهذه الرقابة الذاتية والتي تقوم على الخوف من الله سبحانه وتعالى فأن ذلك يعد الأسلوب الأمثل لمنع حدوث الفساد بكل صوره وأنواعه .

 

5- تهيئة بيئة عمل صحية حيث تقوم بيئة العمل الصحية على ثلاثة محاور هي أرضاء العاملين المتابعة الموضوعية ، وبث روح الجماعة ، فلا شك أن الموظف الذي يتحقق له الرضاء الوظيفي سوف يكون أكثر حرصاً من غيره على الالتزام بالممارسات الإدارية السليمة والابتعاد عن الممارسات الفاسدة ، كما أن المتابعة المستمرة لأداء العاملين في المراحل المختلفة تساعد على اكتشاف الانحرافات أولاً بأول قبل تفاقم تلك الانحرافات ، وكذلك التزام العاملين داخل مؤسسة معينة بروح الجماعة والعمل معاً كفريق واحد يكون من الصعب معه انتشار الفساد فيما بينهم .

 

6- دراسة وتطبيق آليات المكاشفة والمصارحة من خلال التأكد على التزام موظفي القطاع الحكومي بمسؤولياتهم عن نشر المعلومات للمواطنين عبر آليات منظمة قانوناً والرد على استفساراتهم .

 

7- تنمية وعي موظفي القطاع العام والمتعاملين معه بمختلف أشكال الفساد ومعرفة الأدوات والأساليب اللازمة لمكافحة وأهمية بناء الشفافية في الأنظمة الإدارية والمالية وكذلك فوائد تطبيق قيم الشفافية والنزاهة ونظم المحاسبة في محاربة الفساد .

 

8- تبني برنامج لتنمية ثقافة حق المعرفة والإطلاع وحق الحصول على البيانات والمعلومات لدى الموظفين في كل ما يتعلق بمجتمعهم .

 

9- تمكين المستثمرين والمساهمين من الإحاطة الفورية بحركة الأسواق المالية والإطلاع على تقارير المراجعين في الوقت المناسب .

 

10 – تضييق ضرورات الأمن وأخطار الإفشاء لحجب المعلومات والبيانات التي قد تكون أهمية وصولها للمواطنين تفوق مخاطر إخفائها ، ونشر المعلومات والوثائق السرية بعد فترة معينة محددة قانوناً .

 

* المساءلة :

1- تمثل المساءلة مفهوماً آخر برز بوصفه جزءا من الاهتمام المتجدد بالإدارة بشكل عام وتحقيق مطلب الأمانة في الإدارة بشكل خاص ، وهذا المفهوم يعني في الواقع المحاسبة عن المخرجات أو النتائج المتوقعة من الأشخاص والأجهزة بل والحكومة ككل .

 

إن مبدأ المساءلة يمدنا بالحق في الاستفسار عن تصرفات الآخرين الإدارية كما يمنحهم أيضا في شرح وجهة نظرهم حول سلوكياتهم وتصرفاتهم المتعلقة بأداء أعمالهم ، ومن ناحية أخرى فإن مبدأ المساءلة في الإدارة يقتضي أن تكون لدى الشخص الصلاحيات التي تمكنه من أداء عمله ، والتي من الممكن على أساسها مساءلته عن عمله إن فكرة المساءلة فكرة قديمة في التراث البشري وأساس من أسس ترسيخ الأمانة في سلوك أفراد المجتمع ، فلقد بدأت مع الأفراد في مجتمعاتهم التقليدية البسيطة لتمتد فتشمل بعد ذلك مساءلة الجماعات فالمؤسسات التي تمثل اليوم سمة العصر الحديث فيما يتصل بنظام العمل وتقديم الخدمة أو المنتج للجمهور ، بل يمكن القول بأن مبدأ المساءلة لم يعد قاصراً على الأفراد والمؤسسات ، بل أمتد ليشمل الحكومات التي أصبحت تخضع للمساءلة كما يخضع لها الأفراد ، إننا من الممكن أن نتبين قدم فكرة المساءلة وأهميتها من خلال استعراض بعض المواقف التاريخية فلو عدنا بالذاكرة إلى التاريخ القديم هناك في روما القديمة حيث الجذور التأصيلية للقانون الذي أثر تأثيراً فعالاً في معظم القوانين المعاصرة ، حيث وجدت ثلاثة وظائف عامة هي الرقيبان – المحتسبان – المحققون وكانت طريقة التعيين بهذه الوظائف تتم بالانتخاب من قبل المجالس الشعبية لمدة محددة وخلافاً للقاعدة المعمول بها في روما ، فوظيفة الرقيبان : هي وظيفة رقابية حيث كانت تختص بمراقبة الآداب العامة وإدارة أراضي الدولة ، وعمل إحصاء للمواطنين الرومان وثرواتهم واختيار أعضاء مجلس الشيوخ ، أما وظيفة المحتسبان فهي وظيفة رقابية مالية تختص بمراقبة أسواق المدينة والأماكن العامة ، ولها اختصاص قضائي في الأمور المتعلقة ببيع الرقيق والحيوانات وقد كان يتولى هذه الوظيفة شخصان ، أما وظيفة المحققون فهي وظيفة تختص بالمسائل المالية والتحقيقات الجنائية ويشغل هذه الوظيفة أربعة أشخاص ينتخبون لمدة عام غير قابلة للتجديد ، وهذه الوظائف تعادل اليوم وظيفة أجهزة الرقابة المالية والإدارية ، ولقد كانت وظيفة الرقابة في تلك العصور ذات فعالية حيث كان الحرص شديد في المحافظة على ممتلكات الآلهة والإمبراطورية ، ووجدت المساءلة .

 

وفي التراث الإسلامي ، فقد روي عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل رجلا من بني أسد يقال له عبدالله بن اللتيبة على الصدقة ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا لكم وهذا لي ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول : هذا لك ، وهذا لي ؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه أيهدي له أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله في رقبته ، إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي أبطيه ، ألا هل بلغت ، ثلاثاً ، قال سفيان الزهري ، وزاد هشام ، عن أبيه عن أبي حميد قال : سمعته أُذناي وأبصرته عيناي وسلو زيد بن ثابت سمعه معي .

 

وبعد ذلك ظهر هذا التوجيه في تأصيل المساءلة في الإسلام واضحا في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله حيث أنشئت الدواوين ومنها ديوان الحسبة وهو وظيفة رقابية على الأسواق ونظافة الطرقات والبيع والشراء وجدت المسؤولية والمساءلة عن التصرفات والقصور فيها ، وكذلك أشتهر عنه بالإحاطة المباشرة بشؤون الرعية ومتابعة الولاة ، فقد أستحدث مبدأ " من أين لك هذا ؟ " ، كما عرف عن علي أبن أبي طالب رضي الله عنه محاسبته للولاة ، والتركيز على الحقوق العامة وحقوق الأفراد ، أما عمر بن عبدالعزيز فقد كان مثالاً حياً للحاكم العادل فيما بعد عصر النبوة والخلفاء الراشدين ، فقد كانت إدارته شاهداً على الإدارة الأمنية ، حيث عمد إلى رد المظالم إلى أهلها وتطبيق مبدأ " من أين لك هذا ؟ " كما كان شعاره " لا احتجاب على الناس لا مفاضلة بينهم ، بل مساواة قاطعة لا محسوبية وفي العصر الحديث فإن المساءلة تعتبر إحدى القيم المسيطرة في الإدارة العامة ، بل يمكن القول بأن مبدأ المساءلة في الإدارة العامة سوف يظل من الموضوعات التي تستحق الاهتمام المتجدد خلال موجات الإصلاح الإداري المستقبلية ، إن المساءلة في الواقع هي فكرة يمكن تطبيقها في جميع قطاعات المجتمع الحكومية والخاصة الربحية وغير الربحية ، وخاصة فيما يتصل بمحاسبة الموظفين من قبل الرؤساء السياسيين أو المديرين التنفيذيين أو أجهزة الرقابة والتحقيق ، من ناحية أخرى يؤكد الاتجاه الحديث في المساءلة على دور المواطنين بوصفه عميلاً ومستهلكاً في الوقت نفسه للسلع والخدمات التي تقدمها الحكومة ، لقد نتج عن ذلك ظهور البيئات الموجهة للعمل أو الحاجة لرضاء المواطن المستهلك للخدمات الحكومية .

تعريف المساءلة ..

 

يرجع مصطلح المساءلة إلى لفظ الحساب ، ويعني مضمون هذا اللفظ أن الشخص لا يعمل لنفسه فقط بل أنه مسؤول أمام الآخرين .

لوحظ من خلال البحث وجود العديد من التعاريف للمساءلة نذكر منها ما يلي : -

- تعرف المساءلة على أنها : مساءلة طرف من أطراف العقد أو الاتفاق للطرف الآخر ، وذلك بشأن نتائج أو مخرجات ذلك العقد ، والتي تم الاتفاق على شروطها من حيث النوع والتوقيت ومعايير الجودة .

- يقصد بالمساءلة تمكين المواطنين وذوي العلاقة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية من مراقبة ومحاسبة الموظفين العموميين والمسؤولين عموماً من خلال القنوات والأدوات الملائمة ، دون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل أو الإساءة إليه بغير سند .

- كذلك عرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على انها الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتعريف واجباتهم والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول ( بعض ) المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش .

إن ما يمكن استخلاصه من خلال التعريفات السابقة بشكل عام أن مفهوم المساءلة يدور حول حق ذوي العلاقة في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال المسؤولين فيما يتعلق بإدارة مصالحها ، ومطالبتهم بتقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وواجباتهم في إدارة مواردهم ، وكيفية تعامل المسؤولين مع الانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو الخداع أو الغش ، وذلك من أجل التأكد من مطابقة أعمال هؤلاء المسؤولين مع أسس الديمقراطية القائمة على الوضوح وحق ذوي العلاقة في المعرفة بأعمال المسؤولين والعدل والمساواة ومدى اتفاق أعمالهم مع قوانين وظائفهم ومهامهم حتى تصل لتطبيق مضمون النزاهة ليكتسب هؤلاء المسؤولين الشرعية والدعم المقدم من ذوي العلاة التي نضمن استمرارهم في أعمالهم وتمتعهم بحقوقهم .

الرقابة والمساءلة والعلاقة بينهما ..

 

لايوجد تعريف موحد للرقابة ، فقد عرفها البعض بأنها ( عملية تمارسها هيئة الرقابة على تصرفات أجهزة السلطة التنفيذية بالأموال العامة من خلال التدقيق والفحص والمراجعة والمتابعة والبحوث التقويمية لضمان صحة هذه التصرفات وتحسين كفاءتها سواء في مجال استخدام القوى البشرية أو الموارد المادية ومطابقة الانجازات المتحققة مع الأهداف المجتمعة المرسومة أو المرغوبة وبما يؤدي إلى صيانة هذه الأموال ) ، بينما عرفها آخرون بأنها ( المنهج العلمي الشامل الذي يجمع بشكل متكامل بين المفاهيم المحاسبية والإدارية والقانونية والاقتصادية بهدف التأكد من سلامة الأموال العامة والمحافظة عليها ، ورفع كفاءة استخدامها وتحقيق الفاعلية من النتائج المحققة ، أي فحص الأداء وتحليل أي انحرافات تظهر ، واعلام الإدارة المسؤولة بوجود هذه الانحرافات حتى تتخذ الإجراءات المناسبة لمعالجتها وتصحيحها في الوقت المناسب ) .

 

ومهما تعددت التعريفات واختلفت فإنها لا تخرج بالرقابة عن كونها نشاط تقييمي يهدف إلى التأكيد من مشروعية وسلامة التصرفات المالية بالدولة ، واستخدام الأموال بطريق تحقق الغايات المحددة سلفاً ، وعدم إساءة استعمال هذه الأموال والتقيد بالقوانين والنظم النافذة ، شريطة أن تكون هيئة الرقابة مستقلة لتتمكن من تكوين رأي محايد ونزيه ، وعلى ذلك يعتبر مفهوم الرقابة ذات عمومية وشمول بحيث أن التدقيق بأنواعه المختلفة جزء من هذه العملية ورقابة الأداء كذلك ، وتساهم جميعها لتعطي وحدة كلية وهي الرقابة الشاملة لتهدف في النهاية إلى تحسين وإصلاح الاقتصاد القومي من خلال خط الأموال العامة .

 

لقد تطورت الرقابة كنتيجة حتمية لاتساع دور الدولة ، ودر القطاع العام ، وندرة الموارد الاقتصادية ، واعتماد منهج التخطيط لتحقيق أهداف المجتمع وغاياته بشكل مرضي ، ويمكن الدولة من اللحاق بغيرها من الدول ، عن طريق رفع مستويات المعيشة ، وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي .

 

وهذا يعني أن تطورات الرقابة من حيث الأصل لاحقة على الدور الذي قامت به الدولة إذ أنها ضمان صحة المسار المالي والاقتصادي ، والأصل كذلك أن الدولة تدير مواردها وأموالها وأعمالها وبرامجها بغض النظر عن وجود رقابة أو مساءلة لأنها وجدت لتقديم خدمة ستظهر محسوسة على أرض الواقع من خلال مشاريعها وتصرفاتها ، وسيحكم الجمهور ما إذا أدت الدولة دورها أم لا ، وهو المعنى الأول بمساءلة الدولة عن ذلك ، مع ملاحظة وجود فوارق نتيجة ظروف متعددة في مدى فعالية أو عدم فاعلية هذه المساءلة .

 

ومعنى ذلك أن المساءلة موجودة سواء وجدت الرقابة أم لا توجد ، إلا أن الربط بين المساءلة والرقابة جاء لإضفاء الفاعلية على مضمون المساءلة من خلال الرقابة وحتى يصبح المسؤولين عرضة للاستجواب بشأن قيامهم بالمسؤوليات المخولة لهم .

 

تحسين ودعم المساءلة .

خصص لموضوع المساءلة جانباً هاماً من الاعلانات الدولية ، حيث جاء اعلان طوكيو مخصصاً للمبادئ والهيئات العليا للرقابة المالية في دعم المساءلة العامة وقد تضمن الاعلان جملة من المبادئ لدعم المساءلة العامة نجملها فيما يلي : -

1- تحديد ووضوح الأهداف والقواعد التي يمكن بواسطتها تقديم البرامج والاستثمارات ، لكي تؤدي إلى سهولة عملية التحليل والمراجعة لنتائجها وكذلك تطوير نظم المعلومات والرقابة والتقويم واعداد التقارير داخل القطاع العام .

 

2- وضع قواعد ومعايير مرضية لقياس الأداء من قبل السلطات المركزية أو المنظمات داخل الإدارة الحكومية وممارسة وظيفة المراجعة والاشراف على نطاق واسع .

 

3- ضمان الرقابة على السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالتنمية والبرامج المحددة لإنجاز الأهداف القومية ، وقد أعترف الاعلان بصعوبة هذا النوع من الرقابة لاصطدامه بمسائل تتعلق بالسياسة واختيار الاستراتيجيات .

 

4- تطوير مختلف معايير المساءلة المتعلقة بمستويات الاستقلال ، والرقابة وشكل العمل ، وخاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تديرها هيئات القطاع العام .

5- التعاون بين هيئات الرقابة والمخططين والمديرين ومساعدتهم ، وتقديم النصح لهم لدعم التغيير والصلاحيات التي تدعم المساءلة .

 

6- المحافظة على استقلال هيئات الرقابة وموضوعيتها ومصداقيتها وأن تمنح السلطة والمرونة الكافيتين في تقدير ميزانيتها وأوجه الانفاق وإدارة شؤون موظفيها ، حيث يعد استقلال الجهات التي تقوم بالمساءلة أمراً حيوياً لضمان فاعلية الدور تقوم به تلك الجهات .

ولقد حرصت منظمة الدول العربية على تبعية أجهزة المساءلة إلى سلطات أخرى غير السلطة التنفيذية ، وفي بعض الدول تكون تلك الأجهزة تابعة للسلطة التشريعية ، وفي البعض الآخر تكون تابعة للسلطة القضائية ، وتأكيداً لهذا الاستقلال فإن التشريعات المختلفة في الدول العربية تعطي الرؤساء ومديري تلك الأجهزة صلاحية إصدار القرارات والتعليمات اللازمة لتنظيم إدارات وأقسام تلك الأجهزة وتحديد اختصاصاتها وصلاحياتها ، وكذلك إنشاء فروع لتلك الأجهزة بالمناطق المختلفة حسب الحاجة .

 

رقابة الأداء كوسيلة من وسائل دعم المساءلة .

1- يبين الاعلان أن الهدف الأول لرقابة الأداء هو دعم المساءلة وذلك من خلال تقديم المعلومات إلى صانعي القرار في الإدارة الحكومية وإلى السلطة التشريعية وإلى الجمهور ، فرقابة الأداء تعتبير جزءاً مكملاً لرقابة المشروعية وليست بديلاً عنها ، وقصد بها تعريف السلطة التشريعية والجمهور بمدى نجاح الإدارة أو عدم نجاحها في الحصول على قيمة النقود التي صرفت للنفقات العامة والانتفاع بالموارد ، وكذلك التثبت من تحصيل جميع إيرادات الدولة ، وحتى يتم تحقيق هذا الهدف فإن جهاز الرقابة المالية يجب أن يتحقق من مستوى كفاءة تقارير رقابة الأداء وكيفيتها بحيث تكون آنية وحقيقية ، ومتوازنة ، ومعززة بالحجج والأدلة المقنعة ومتضمنة للنتائج التي حققها المشروع على ضوء الأهداف والغايات وأن تكون الرقابة قد شملت التكلفة وكفاءة وفاعلية الانتفاع بالموارد .

 

2- ضرورة أن يكون في الدولة قواعد ومعايير محاسبية مقبولة بصفة عامة ومعتمدة داخل الدولة من أجل كشف المخالفات واعداد التقارير المالية عنها .

 

3- إخضاع جميع نشاطات الدولة لرقابة ديوان المحاسبة وخاصة كفاءة وفاعلية برامجها بما فيها مراقبة جميع المشروعات العامة وأن يتم توفير الاختصاص القانوني الذي يساعد هذا الجهاز على أداء المهمات المطلوبة .

 

4- ضرورة وجود نظم وضمانات تكفل اتخاذ تدابير تصحيحية فورية وعدم التراخي في فرض الجزاء المناسب والإجراءات التأديبية عند التقصير والإهمال وإساءة استعمال الأموال وسوء التصرفات المالية والإدارية .

 

5- الاهتمام بالتقارير الرقابية وموضوعاتها وعلانيتها لأكبر فئة ممكنة واتصالها بالموضوع الذي تعالجه مباشرة ودقتها وتلبيتها للحاجات المطلوبة ومناقشتها في أعلى مستويات السلطة التشريعية في حينها .

 

دور الأجهزة العليا للرقابة في دعم الشفافية وتفعيل المساءلة .

بالنظر إلى ما للرقابة من دور هام في التنظيم الإداري خصوصاً بعد أن أتسع نشاط الدولة ، فقد اتجهت الدول إلى إيجاد أجهزة مستقلة للرقابة على نشاط الإدارة ووفرت لها من الضمانات والصلاحيات ما يكفل لها أداء مهمتها في الرقابة في جو من الحيدة للكاملة وبعيداً عن المؤثرات السلبية من أي نوع لضمان أعلى قدر ممكن من النزاهة والشفافية وحتى لا تتأثر توجيهاتها أو قراراتها بأي اعتبارات وبذلك يتسنى لها أن تقدم لذوي العلاقة صورة واضحة وصادقة عن التصرفات الإدارية والمالية بالدولة وأن تزودها بالمقترحات والتوصيات التي تمكنها من النهوض بالأجهزة الانتاجية والخدمية المختلفة بالدولة .

 

فأجهزة الرقابة بحكم إنها أجهزة متخصصة مهمتها المحافظة على المال العام وضمان حسن استخدامه والارتقاء بالأداء في المؤسسة الحكومية بما يخدم عملية التنمية الشاملة لتحقيق المصلحة العامة ، ولاشك أن نجاح خطط وبرامج التنمية يرتبط بالقضاء على الفساد وغرس قيم النزاهة ودعم الشفافية والمساءلة وهي أهداف أساسية تسعى الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة إلى تحقيقها ، وبذلك فهي تلعب دوراً هاماً في مكافحة الفساد ، وتولي الشفافية والمساءلة أهمية كبيرة وتعمل على دعمها من خلال تطوير الوسائل والأدوات والأساليب المستخدمة في بيئة العمل الرقابي ، ويتلخص دور الأجهزة العليا للرقابة في دعم الشفافية وتفعيل المساءلة بشكل عام من خلال الاهتمام بالنقاط الآتية : -

1- زيادة الدور الرقابي للأجهزة الرقابية قبل الصرف بالإضافة إلى دورها الرقابي أثناء وبعد الصرف ، ويتحقق ذلك من خلال قيام الأجهزة الرقابية بإلزام المؤسسات الحكومية بموافاتها بالوثائق الخاصة بعقود التوريد والتعهدات والأعمال والخدمات ، خاصة تلك الوثائق المتعلقة بالمنافسة المحدودة والعامة والتأمين المباشر ، ومشروع العقد قبل توقيعه من قبل الأطراف ، وذلك لتبدي الأجهزة الرقابية رأيها في هذه العقود والتعهدات ، على أن تنتهي الأجهزة الرقابية من أبداء تلك المهمة خلال مدة محددة.

 

2- التحديد الواضح لمهام الأجهزة الرقابية المختلفة ، بما في ذلك أجهزة الرقابة التابعة لبعض الوزارات وهيئات الرقابة والتحقيق ، وذلك لمنع حدوث تداخل في اختصاصات تلك الأجهزة والقضاء على محاولة بعض الأجهزة القيام ببعض الاختصاصات التي تتجاوز المنصوص عليها في نظام عمل تلك الأجهزة ، ويتحقق ذلك من خلال لجنة على مستوى عالٍ من ممثلي هذه الجهات الرقابية يتم فيها التحديد الدقيق واختصاصات كل جهة من تلك الجهات الرقابية .

 

3- دعم استقلالية أجهزة الرقابة ، وذلك فيما يتعلق باعداد مشروعات الميزانية الخاصة بتلك الأجهزة ، وكذلك اجراءات التعيين والترقية ، لحماية تلك الأجهزة من التبعية لأية جهة أخرى مما يؤثر على فاعلية دورها الرقابي المحايد .

 

4- زيادة مقدار الحوافز التي تمنح لموظفي تلك الأجهزة بشكل يتفق مع الطبيعة الخاصة لعملهم وضرورة العمل على الارتقاء بمؤهلاتهم بصفة مستمرة من خلال الدورات التدريبية والمحاضرات والندوات والمؤتمرات المتعلقة بالعمل الرقابي .

 

5- ضرورة تبني الأجهزة الرقابية للاتجاهات الحديثة في مجالات الرقابة ومثال ذلك الرقابة في ظل استخدام الحاسب الآلي والتطور التقني وأسلوب المراقبة الشاملة التي تتم بمقتضاها مراقبة جميع نظم الأداء ، مع مراعاة العلاقات المتشابكة بين تلك النظم ، والتي تزيد من قدرة تلك الأجهزة على تزويد متخذي القرارات بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات سليمة وفعالة .

 

6- العمل على تغيير صورة الأجهزة الرقابية لدى المسؤولين بالمؤسسات العامة واستبدال الأفكار السلبية بشأن دور تلك الأجهزة في تصيد الأخطاء وتضخيمها لتصبح صورة أكثر إيجابية تعكس استعداد تلك الأجهزة لتقديم المشورة والإرشاد للإدارات المختلفة في تلك المؤسسات ، ومما لا شك فيه أن هذه النظرة إلى دور تلك الأجهزة بصورة إيجابية سوف تجعل من السهل على تلك الأجهزة أن تحصل على المعلومات المطلوبة بسهولة ويسر .

 

7- مساهمة الأجهزة الرقابية بصورة فعالة في تصميم واعداد نظم الرقابة الداخلية والضبط الداخلي ، مما يساعد على تقليل فرص حدوث الأخطاء والانحرافات ويصبح من السهل اكتشافها فور حدوثها .

 

8- الحرص على التطبيق السليم للقوانين والأنظمة التي تنظم العمل بشفافية ونزاهة ، وإبراز الثغرات القانونية في قانون النظام الإداري والمالي للدولة والعمل على سدها من خلال تطوير واقتراح التشريعات والقوانين والأنظمة التي تكفل تقحيق الشافية والنزاهة والمساءلة .

 

9- التأكد من فاعلية لتطبيق السياسات والإجراءات على أرض الواقع بهدف تقليص الفجوة بين السياسات والممارسات الميدانية .

 

10 – الإعلان والإفصاح من قبل الهيئات والأجهزة الرقابية من حالات الفساد بشفافية ووضوح وعن طرق وسائل الاعلام المختلفة وتكثيف برامج مصممة ومدروسة بهدف التوعية والإرشاد والتقويم والردع .

 

11- التزام موظفي ومراجعي الحسابات بالأجهزة الرقابية بالعمل وفقاً لمعيار المراجعة الإقليمية ، ومعايير مراجعة الحسابات التي وضعتها المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبات ( إنتوساي ) وهي أربعة .

 

* الإفتراضات الأساسية : تصبح عملية المساءلة أكثر سهولة حين يتم وضع نظم ملائمة للاعلام والرقابة والتقييم والابلاغ داخل الحكومة ، وعلى السلطات المعنية أن تتأكد من إصدار معايير محاسبية مقبول لإبلاغ البيانات المالية باحتياجات الحكومة والإفصاح عنها ، كما يجب أن يقوم كل مكتب لمراجعة الحسابات بوضع سياسة عامة تحدد ما يعتزم التقيد به من معايير المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبات أو غيرها من المعايير ، حتى يضمن ارتفاع مستوى الجودة فيما يقوم به من أعمال .

 

* المعايير العامة : ينبغي أن يكون المراجعون المنفردون ومكتب المراجعة مستقلين عن السلطة التنفيذية وعن الهيئة التي يجري مراجعة حساباتها وأن يكونوا ، بمنأى عن أية تأثيرات سياسية ، ويجب أن يتمتع المراجع ومكتب المراجعة بالكفاءة المطلوبة ، وتوجيه العناية والاهتمام اللازمين للتقيد بمعايير مراجعة الحسابات التي حددتها منظمة إنتوساي .

 

* المعايير الميدانية : يقوم مراجع الحسابات بتصميم الإجراءات القانونية على نحو يضمن بدرجة معقولة رصد الأخطاء والتجاوزات والأعمال غير المشروعة التي قد تؤثر بشكل مباشر وفعلي على المبالغ التي تتضمنها البيانات المالية ، ويتولى المراجع تحديد درجة الموثوقية التي تتمتع بها الرقابة الداخلية ، وينبغي أن تتضمن أهداف المراجعة القانونية تقديم ما يؤكد اكتمال وصحة ميزانية الدولة وحساباتها.

 

* الإبلاغ : يقوم رئيس المراجعين ، بعد كل عمله مراجعة ، بإعداد تقييم أو تقرير خطي يستعرض فيه نتائج للمراجعة بأسلوب سهل الفهم مع الاكتفاء بالمعلومات المؤيدة بأدلة مسندة تستند إلى عملية المراجعة المتخصصة والوثيقة الصلة ، ويجب أن يتضح في تقارير المراجعة استقلال الرأي والموضوعية والإنصاف والإيجابية ( أي أن تتناول الإجراءات العلاجية الواجب اتخاذها في المستقبل ) .

 

12- نظراً لحجم الدور المناط بالأجهزة العليا للرقابة والمراجعة في برامج الإصلاح والتطوير والتنمية الإدارية باعتبارها أجهزة متخصصة في متابعة وتقييم كفاءة الأداء بمؤسسات الدولة ، يتعين عليها التركيز والعمل على نشر وغرس ثقافة ومفاهيم ومعايير إتباع الشفافية والمساءلة والنزاهة بين موظفيها والعاملين فيها وذلك من خلال توعيتهم بأهميتها وتوفيرها ليتمكنوا من الإطلاع عليها ، وإقامة الندوات واللقاءات التدريبية والعلمية والمؤتمرات وتشجيعهم على إعداد البحوث والدراسات والأوراق البحثية في مجال الشفافية والمساءلة والنزهات ، على مستوى القطر وعلى المستويات الإقليمية والدولية من خلال المنظمات والأجهزة والهيئات ذات العلاقة بالعمل الرقابي .

 

وفي نهاية هذا المقال يمكننا القول بأن الشفافية والمساءلة ليستا غاية في حد ذاتهما كما أنهما ليستا علاجاً شاملاً ومضمون بشكل مطلق لحل جميع المشاكل ، بل الهدف منهما هو المساعدة في رفع فاعلية الأداء السياسي والاقتصادي وتحسين وتطوير وتحديث الأداء الإداري بالمؤسسات العامة والخاصة ، وذلك من خلال تعظيم جودة اتخاذ القرار ومساهمة ومشاركة ذوي العلاقة في صنع القرار السليم والقضاء على الفساد بمختلف أشكاله ، فالشفافية ما هي إلا وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المساءلة والمحاسبة ، كما أن المساءلة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة دون ممارسة الشفافية وغرس قيمها ، وتظل الشفافية والمساءلة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وترسيخ قيمها بالمجتمع .

 

ويجب على مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، العامة والخاصة ، ومنظمات المجتمع المدني والأجهزة العليا للمراجعة والرقابة والمحاسبة من العمل وبشكل مخطط ومدروس ومتجانس ومتكامل ومتضامن من أجل محاربة ومكافحة الفساد وغرس قيم الشفافية والمساءلة والنزاهة بالمجتمع من خلال صياغة وتطبيق أعلى قيم ومبادئ الشفافية والمساءلة والنزاهة ودعم وتطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بها ، وتنمية الموارد البشرية ، وتبني خطط وسياسات واضحة ومعلنة للإصلاح الإداري وتطوير الأداء المؤسسي من خلال إعادة النظر في اللوائح الإدارية والتنظيمية والمالية وتحديث طرق وأساليب المحاسبة المالية المتبعة ، واستخدام تكنولوجيا المعلومات ، ودعم هيئات وأجهزة قياس الأداء المؤسسي التي تعمل على متابعة وتقييم وقياس أداء مؤسسات الدولة والعمل على استيعاب وتطبيق أحكام المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بمبادئ الشفافية والمساءلة والنزاهة ، لإتاحة المزيد من الشفافية والنزاهة ويقع العبء الأكبر في التنسيق والتنفيذ والوصول للأهداف المرجوة على عاتق السلطة التشريعية بالدول متى توافرت الإرادة السياسية الحقيقية لتحقيق ذل