هروب ومطاردة تنتهي باعتقاله ووفاته: غموض يلف قضية وفاة مسؤول ديني عراقي مدان بالفساد

أحد, 23/04/2023 - 10:18

لم يتضح بعد مصير الأموال التي جناها كمبش جراء عمليات «الفساد» الموثقة لدى السلطات الرقابية، كما لا يزال مصير المتورطين بقضية هروبه من السجن مجهولا أيضا.

لا يزال الغموض يلف قضية «الوفاة المفاجئة» لرئيس ديوان الوقف السني العراقي السابق، سعد كمبش، عقب مطاردته في إحدى مناطق الساحل الأيمن بمدينة الموصل، مركز محافظة نينوى الشمالية، كان قد لجأ إليها فور هروبه من سجن «كرادة مريم» في المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط العاصمة بغداد.

قصة كمبش بدأت في 21 آذار/مارس الماضي، بإعلان هيئة النزاهة الاتحادية تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن محكمة تحقيق الكرخ ببغداد، المختصة بقضايا النزاهة بحقه، جراء «مخالفات وخروقات مالية» ارتكبها أثناء توليه المنصب (شباط/ فبراير 2020 – آذار/ مارس 2022) تقدر بعشرات ملايين الدولارات.

وطبقا لبيان الهيئة حينها، فإن كمبش متورط بعقد شراء فندق بـ47 مليار دينار، أكثر من 35 مليون دولار، «وتأجيره للجهة المالكة» فضلا عن قضايا أخرى من بينها «المُغالاة» في أسعار تنفيذ مشروع مآذن حديدية للجوامع في عموم محافظة صلاح الدين، وصرف مبالغ كبيرة لها، ما تسبب بهدر أكثر من 1.5 مليار دينار (أكثر من مليون دولار) من المال العام، وكذلك المخالفات الإدارية والمالية التي شابت العقد المُبرم بين ديوان الوقف وإحدى الشركات اليابانية؛ لغرض بناء جامع نينوى الكبير في الموصل، بمبلغ قدره أكثر من 42 مليار دينار (نحو 32 مليون دولار) فضلا عن تهم تتعلق بهدر110 مليار دينار (أكثر من 83 مليون دولار) بشراء عقارين تبلغ مساحتهما 460 دونما بمبلغ 57 مليار دينار؛ بالرغم من كونهما يقعان خارج حدود البلدية في «أرض صحراوية».

وفي 11 نيسان/أبريل الجاري، أعلنت هيئة النزاهة في العراق، صدور «حكم حضوري بالحبس الشديد لأربع سنوات» بحق رئيس ديوان الوقف السني السابق سعد كمبش.

وعقب مرور أسبوع على قرار الحكم، هرب المسؤول العراقي السابق من السجن بعجلة «مدنية» كانت تنتظره خلف أسواره.

وفي التفاصيل التي ذكرها الناطق العسكري باسم رئيس الحكومة العراقية، فإنه «بعد زيارة النائبة اسماء حميد كمبش (القيادية في تحالف تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان) إلى مركز الشرطة وقت الإفطار ومغادرتها له، وعند الساعة 22:30 هرب المحكوم بمساعدة ثلاثة أشخاص من خلف المركز والوصول إلى عجلتين كانتا بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة». الحادثة دفعت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى عقد اجتماع أمني سريع بحضور وزير الداخلية، وقادة أمنيين كبار، قرر خلاله إقالة قائد الفرقة الخاصة المُكلفة بحماية «المنطقة الخضراء» الفريق حامد الزهيري، ومحاسبة جميع المقصرين ومعاقبتهم قانونيا، وإعادة تقييم أداء الأجهزة الأمنية.

كما وجه السوداني أيضا بغلق مركز التوقيف في مركز شرطة «كرادة مريم» داخل المنطقة الخضراء، الذي شهد عملية الهروب، ونقل المحكومين إلى سجون وزارة العدل، وإيداع من وصفهم «كبار الفاسدين» الموقوفين فيه في مراكز توقيف أخرى أسوة مع المطلوبين الآخرين، وإلغاء أية خصوصية في التعامل معهم مثلما كان معتادا.

وبعد مرور نحو 24 ساعة على فرار المسؤول العراقي المُدان بقضايا الفساد، تحدثت مصادر متطابقة (أمنية وصحافية) عن القبض عليه في مدينة الموصل، لكن سرعان ما تواردت أنباء أخرى أفادت بـ«وفاته» بظروف غامضة.

وزارة الداخلية العراقية روت في بيان صحافي تفاصيل عملية القبض على كمبش قائلة: «في لحظة هروب المحكوم سعد كمبش تم تشكيل فريق عمل مختص ميداني من وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية لملاحقة المحكوم، وبجهد فني وبإشراف وزير الداخلية ومتابعة القائد العام للقوات المسلحة، وبعد أن انتقل هذا المحكوم في عدد من المناطق، استقر في إحدى أحياء مدينة الموصل، حيث تمكنت القوة من تطويق مكان تواجده وأثناء عملية إلقاء القبض حاول الهرب، إذ باشرت القوة بمطاردته واصيب بالإعياء وتدهورت حالته الصحية، خلال ذلك نقل المحكوم إلى مستشفى الموصل العام ووصل متوفيا وتم تأكيد الوفاة سريريا».

وأضاف البيان، أنه «تم إحالة الجثة إلى الطب العدلي وتشكيل لجنة من ثلاثة أطباء اختصاص لغرض التشريح ومعرفة أسباب الوفاة» مشيرا إلى أنه «لا توجد آثار شدة خارجية على جسد المتوفي الذي كان يعاني من الأساس بعض الأمراض المزمنة».

وفي ساعة مبكرة من الجمعة الماضية، أصدرت وزارة الصحة العراقية، توضيحا جديدا يخص وفاة رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، مؤكدا أن التشريح السريري أثبت وجود «جلطة قديمة» في عضلة القلب مع تصلب في الشرايين.

وقالت الوزارة في بيانها إنه «إلحاقا بالبيان المشترك الصادر عن وزارتي الصحة والداخلية بخصوص وفاة المدعو سعد كمبش، تبين وزارة الصحة أن تقرير الطب العدلي الأولي يشير عادة إلى الفحص الظاهري للمشاهدات الأولية ومن ثم يتبعه تشريح لجوف وأعضاء الجسم وحسب السياقات الفنية المعمول بها».

وأضافت: «أظهر التشريح السريري وجود احتشاء (جلطة) قديم في عضلة القلب مع تصلب في شرايين القلب، وتم أخذ قطعة نسيجية من القلب وإرسالها للفحص النسيجي للتحري عن وجود أي ذبحة صدرية أو جلطة قلبية جديدة» مؤكدة أن «التشريح أظهر وجود توذم (تجمع للسوائل) في الرئتين».

 

ولفت بيان الصحة إلى أنه «تم إجراء التشريح العدلي للرأس ولم تظهر أي آثار لنزف في الدماغ أو كسر في الجمجمة».

وأردف البيان: «فيما يخص المشاهدات السطحية؛ السحجات السطحية الظاهرة ناتجة عن نقل الجثة وإجراءات الكادر الطبي والتمريضي في ردهة الطوارئ، حيث أنه يتم إجراء الإنعاش القلبي-الرئوي وإجراء التنفس الاصطناعي والضغط على منطقة الصدر لأي حالة وصول لشخص متوفي حديثا للمستشفى وضمن الفترة الزمنية المحددة حسب الدلائل الإرشادية المعتمدة في مثل هذه الحالات».

وتابع البيان: «يستخلص التقرير الطبي العدلي الأولي وجود احتشاء (جلطة) قلبية ووجود تصلب في شرايين القلب مع توذم في الرئتين، وتم أخذ نماذج من أحشاء الجسم وأرسلت للتحليل النسيجي، وتم أخذ نماذج أخرى من الجسم لإجراء فحص السموم في المختبرات المختصة في دائرة الطب العدلي في بغداد وحسب السياقات والضوابط المعمول بها».

الغموض في قضية هرب ووفاة رئيس ديوان الوقف السني السابق، دفع لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي إلى مطالبة رئيس الحكومة بتشكيل «لجنة تحقيقية مشتركة بين وزارتي الداخلية والصحة» لمعرفة الملابسات.

وذكرت اللجنة في بيان صحافي، أنه من واجبها الرقابي «سوف تشكل لجنة فرعية لمتابعة مجريات التحقيق بخصوص كيفية هروب المدان كمبش من مركز شرطة كرادة مريم» مشيرة إلى أنها «ستتابع عن كثب تقرير الطب الشرعي لكشف أسباب الوفاة».

وأكدت اللجنة، حسب البيان، على أنها «لن تسمح بأن يمر الموضوع بدون معرفة تفاصيله وتقديم توصيات ترفع إلى رئاسة مجلس النواب».

وتعليقا على الحادثة، طالب رئيس البرلمان الأسبق، سليم الجبوري، بالكشف عن ظروف وفاة سعد كمبش «بكل شفافية وحيادية» أمام الرأي العام العراقي، وفقا لـ«تدوينة» تعزية.

أما الكاتب والصحافي العراقي، فلاح المشعل، فرأى أهمية توحيد «الأوقاف الدينية» بوزارة واحدة تخضع لسلطة الحكومة الاتحادية، على خلفية قضية رئيس ديوان الوقف السني السابق.

وأضاف في «تدوينة» له، أن «هروب سعد كمبش وفضائح فساد دوائر الأوقاف، تستدعي إعادة النظر بموضوع الأوقاف عموما الشيعي والسني والمسيحي والإيزيدي والصابئة».

وأشار إلى إن «هناك إسرافا كبيرا للاهتمام بها (الأوقاف) وتخصيص الموازنات السنوية لها والحمايات والامتيازات بما يعادل ثلاث وزارات، وهي دوائر غير منتجة بل استهلاكية بامتياز، ينبغي دمجها جميعا بوزارة واحدة تخضع لمجلس الوزراء». ومضى إلى القول: «بلادنا تعاني التخلف والأمية والتراجع الثقافي وانعدام الثقافات الدينية التي تخدم العراق. لتكن التخصيصات المليارية الكبيرة توجه لخدمة هذا التخلف الثقافي والمعيشي عند الطبقات المسحوقة للعراقيين، وليس لمظاهر التدين الزائف» حسب قوله.

ولم يتضح بعد مصير الأموال التي جناها كمبش جراء عمليات «الفساد» الموثقة لدى السلطات الرقابية، كما لا يزال مصير المتورطين بقضية هروبه من السجن مجهولا أيضا