موقع بريطاني: الإمارات دعمت حميدتي في انقلابه على البرهان.. ومصر صممت على ضرب حليفها

خميس, 04/05/2023 - 12:39

ماذا لو خسر حميدتي الحرب التي بدأها؟  سؤال طرحه  ديفيد هيرست، محرر موقع “ميدل إيست آي” في لندن. وأضاف: “كيف تغير صورة مجرم حرب قامت ميليشياته في دار فور بدهس الرجال بشاحنات بيك آب واغتصاب النساء إلى بطل الثورة السودانية؟ حسناً، تحتاج المال”.

وقد وضعت شركة العلاقات العامة البريطانية أجرها المتوقع؛ ما بين 125.000 و 156.000 دولاراً في الشهر، والعميل هو محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً بحميدتي. وقدّرَ مبارك الفاضل، الذي حاول حميدتي اجتذابه، ثروته بـ 7 مليار دولار من تجارة الذهب التي يديرها بين السودان والإمارات وروسيا، بل وذكرالفاضل اسم المصرف الذي وضع فيه حميدتي أمواله بالإمارات.

الصحيفة: كي تغير صورة مجرم لا تحتاج إلى المال فقط،.. إلى جانب المال أنت تحتاج إلى الإنكار.

إلى جانب المال فأنت تحتاج إلى إنكار، فشركة العلاقات العامة وصفت نفسها بخجل أنها “بوتيك”، وهذا يعني أننا “نعمل بشكل خاص وبطريقة خفية، ولا نعلن عن عملائنا، لو بحثت عنا في غوغل، لصعب عليك اكتشاف قاعدة عملائنا، ولسنا شركة مكتتبة ولا نواجه ضغط سعر السهم أو نشاط المساهمين”.

 وواصلت الشركة قولها إن “دور الجيش في السودان يساء فهمه في الغرب والمفهوم العام للجيش هو “سلبي إلى محايد” مع أن الجيش هو الذي ساعد على التخلص من الرئيس السابق عمر حسن البشير، ولم يكن للسودان بداية جديدة لولا الجيش”، وأكثر من هذا فسوء الفهم ينسحب على عميلها حميدتي، حيث جاء في مقترحها: “عادة ما تميل الصحافة للتركيز على الماضي، مع أن دوره الحالي وفي المستقبل هو الأهم. ونود أن نعيد موازنة الفهم للجيش من محايد إلى إيجابي”.

كتب هذا الكلام قبل ثلاثة أعوام عندما كان الجنرال عبد الفتاح البرهان وحميدتي عضوين بارزين في مجلس السيادة، الذي شكل في آب/أغسطس 2019، وحتى الانقلاب الذي قاده البرهان، في تشرين الأول/اكتوبر 2021. في ذلك الوقت كان حميدتي يفكر بالخطوة التالية، ففي الوقت الذي كان فيه حادث إطلاق قوات الدعم السريع النار على النشطاء المطالبين بالديمقراطية في مذبحة الخرطوم، بحزيران/يونيو 2019، محفوراً في الذاكرة، كان حميدتي منشغلاً في إعادة اختراع نفسه كمقاتل حرية للصحافة الغربية الساذجة.

وكُتب مقترح شركة العلاقات العامة، قبل سبعة أشهر من تلك المذبحة، لكنه كان يتبع المثال الذي ضربته رموز الدبلوماسية الغربية، ففي نيسان/إبريل 2019 تدفق السفراء من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لمصافحة حميدتي مفضلين إياه على قائد الجيش البرهان، هو جنرال لا يعرف عنه الكثير. وعليه فالحرب التي اندلعت في 15 نيسان/إبريل لم تكن خلافاً عرضياً بين جنرالين لم يتّفقا على من يقود البلاد. ولو كانت الأدلة التي جمعها الموقع دقيقة، فقد كان الهجوم الأخير مخططاً له بعناية.

 

 وعندما أعاد حميدتي نشر الأسلحة المضادة للطائرات في الخرطوم، تساءل زملاؤه في الجيش عن السبب وضد من؟ وعندما اندلع القتال فقد بدأ في عدد من المواقع بشكل متتابع: حول مقر البرهان ومقر المخابرات والقيادة العامة للجيش، والتي تقع على مرمى حجر من مطار الخرطوم، وفي مطارات مروي والأبيض ومقر القيادة العامة في نيالا، في جنوب دار فور والفاشر، شمال دارفور وفي مدينة بورتسودان. وقتل حوالي 35 شخصاً، في محاولة إلقاء القبض أو قتل البرهان، حسبما قالت مصادر قريبة من القوات السودانية المسلحة للموقع.

 

وفي وقت كتابة المقال، لا تزال قوات “الدعم السريع” تحتفظ برهائن في مقرات الاستخبارات. ويوافق الفاضل على هذا التقييم بقوله: “لم يكن هذا الهجوم رداً على الخلاف بين حميدتي والبرهان بشأن دمج قوات “الدعم السريع” في القوات المسلحة، بل وكان جزءاً من خطة مكونة من ثلاث شعب للسيطرة على الحكم في السودان وبتشجيع من أجنبي”، كما كتب.

 

الصحيفة: عندما ضرب تنظيم “الدولة” قافلة للأقباط المصريين، لم تتردد مصر بتوجيه ضربات لما قالت إنها مواقع لتنظيم “الدولة” قرب درنة في ليبيا، أما اليوم فالصمت من مصر يصم الآذان.

 

لكن من هي القوى الأجنبية؟

 في أيلول/سبتمبر 2021، بدأت الإمارات العربية المتحدة بالتحول في السياسة الخارجية، حيث تقارب محمد بن زايد مع تركيا وقطر. وبدأت الإمارات تقييماً إستراتيجياً في سياستها من تمويل وتنظيم انقلابات، أو محاولتها في اليمن وسوريا ومصر وليبيا وتونس. وتساءلت عن المكاسب التي حصلت عليها منها، بالتأكيد لا شيء، وبخاصة من أمثال عبدالفتاح السيسي في مصر وخليفة حفتر في ليبيا، اللذين مثّلا خسارة كبيرة لداعميهم في الخليج. وفي هذا الوقت قالت إنها ستنشر تأثيرها عبر التجارة وليس عبر الانقلابات. لكن من النادر أن يغيّر النّمر بقع جلده، و”سألت مسؤولاً في الشرق الأوسط على معرفة وثيقة بطريقة عمل الأخوة الثلاثة، محمد وطحنون ومنصور بن زايد، فقال إنهم يغيّرون الأساليب. ويقول هيرست إنه كان يشكّ في تخلي الإمارات عن القوة الصلبة مقابل بدائل ناعمة، والسودان يثبت أنه ليس استثاء. فلا يعقل أن يكون حميدتي شن هجومه ضد البرهان من دون ضوء أخضر من الإمارات. ولسبب واحد فأمواله مقيدة هناك ومصرفه هناك وتعمل صفحته على فيسبوك من هناك. إلى جانب11 مصنعاً لتكرير الذهب في الإمارات التي تعتبر عصب تجارة حميدتي، حيث يتم صهر الذهب المسروق من السودان، ومن ثم تبييض الحديد الثمين وبيعه في الأسواق الدولية عبر سوق الذهب. وربما غامر منصور بن زايد، نائب الرئيس، بالكثير من مفاصل النفوذ على حميدتي لكي يقوم بإثارة استيائهم. وربما اعتبر محمد بن زايد أنه يستطيع التربح من الفوضى في السودان، سواء استطاع حميدتي الإطاحة بالبرهان أم لا.  وربما أقنع كما في حالة حفتر أن العملية ستكون سريعة وانقلاباً أبيض ينفذ في مدى ساعات، أين سمعنا هذه الكلمات من قبل! لكن حميدتي وحفتر كادا ينجحان. إلا أن الدعم الإماراتي لحميدتي وضع مصر في مأزق، فهي الجار القريب والمالك السابق لأكثر من قرن. وارتبط الجيش السوداني والمصري بنفس الوشيجة، وترتبط المؤسسات بطريقة توثقها بشدة. في الوقت الذي أعلن فيه حميدتي عن هجومه، كان هناك حوالي 250 عسكرياً مصرياً، بمن فيهم طيارون وطائرات في قاعدة مروي الجوية ومناطق أخرى في السودان. وكان الهدف من وجودهم إرسال رسالة إلى إثيوبيا بأن مصر والسودان متحدان في المعارضة لسد النهضة العظيم الذي يحرم النيل من الماء. ولم يشاركوا في القتال، وتم أسر بعضهم كرهائن على يد قوات “الدعم السريع” ودمرت طائراتهم.

 

ولم تقل مصر الكثير حول عدد الجنود الذين أفرج عنهم وعادوا إلى بلادهم. وقالت “الدعم السريع” إن 177 من “المحتجزين” المصريين عادوا إلى وطنهم على متن ثلاث طائرات. ولكنهم حذفوا لاحقاً كلمة “أسرى” سريعاً. وقالت مصادر عسكرية سودانية إن “الدعم السريع” لا تزال تحتفظ برهائن أجانب دون تقديم تفاصيل. وهناك حديث غامض حول لجوء عدد من القوات المصرية إلى سفارة القاهرة في الخرطوم مما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك أعداداً من المصريين لا زالت في السودان.

 وبحسب مصدرين خارجيين، لم تسارع مصر حالاً للدفاع عن القوات السودانية المسلحة. وتنفي مصادر مقربة من الجيش السوداني مشاركة الطيران المصري في الغارات ضد الدعم السريع. وقال مصدر: “لماذا نريدهم، لدينا طائراتنا وطيارونا”. إلا أن موقع “ميدل إيست آي” علم من مصادر موثوقة أن غارات شنها الطيران المصري على قوات الدعم السريع كانت في طريقها من بورتسودان لتعزيز مواقع الخرطوم وبعد أربعة أيام على الانقلاب. إلا أن مصر التزمت بالصمت، فهذه ليست ليبيا. ففي عام 2017، وعندما ضرب تنظيم الدولة قافلة للأقباط المصريين قرب دير في المنيا، لم تتردد مصر بتوجيه ضربات لما قالت إنها مواقع لتنظيم الدولة قرب درنة في ليبيا، أما اليوم فالصمت من مصر يصم الآذان. ودعت الطرفين لممارسة أقصى مستويات ضبط النفس و”حماية الأرواح والقدرات لأخواننا السودانيين والحرص على المصالح العليا للوطن”.

 قبل ثلاثة أيام من هجوم حميدتي ضد البرهان، وصل محمد بن زايد إلى القاهرة في زيارة غير معلنة، ويجب أن يكون السيسي قد التقاه. ويعاني اقتصاد مصر من انكماش، رغم جهود السعودية والإمارات والكويت دعمه، وثلاثة قروض من صندوق النقد الدولي. وتم تعويم العملة المصرية منذ آذار/مارس 2022. وفي الوقت الذي تكافح فيه مصر بيع أصولها لدعم عملتها، ذكرت “فايننشال تايمز” أن الصندوق السيادي لأبو ظبي قد علق مشاريعه في البلد. ولا يعرف ما ناقشه الرجلان، لكن من الواضح أن محمد بن زايد كانت لديه أوراق نفوذ على السيسي المفلس لمنع الجيش المصري من إغاثة القوات السودانية المسلحة. وزادت إهانة الجيش المصري عندما قام خليفة حفتر، الذي كان السيسي راغباً بدعمه، بإرسال الأسلحة والذخيرة والمقاتلين عبر الحدود الليبية- السودانية. وأثار رهان الإمارات على حميدتي مخاوف أبعد من القاهرة، وليس أقل من السعودية وولي العهد محمد بن سلمان. وقال عزيز الغشيان، الباحث المقيم في الرياض: “آخر ما تريده السعودية هي سوريا على البحر الأحمر” و”تريد السعودية سوداناً مستقراً، ولو لم يكن هناك استقرار في السودان، فلن تحقق المشاريع على البحر الأحمر إمكانياتها، وهناك قلق في الرياض الآن”.

 

 وأشار الكاتب هنا للتنافس بين السعودية والإمارات وكلفة حرب اليمن ومحاولة الرياض الخروج منها. ومرة أخرى كشفت الأسابيع الثلاثة الماضية عن كارثة دعم وتمويل الديكتاتوريين، كارثة يعاني بسببها ملايين المدنيين في السودان. وهذه المرة فالمشاكل تتخمر قريباً من الدولة الإماراتية التي تمشي بحذر في المنطقة والقارة الأفريقية. فأبو ظبي في أعلى درجات الازدهار المالي، وهي نقطة التقاء للأوليغارش والمنفيين على حد سواء. وتمرير الذهب لفاغنر هو تحد واضح للعقوبات الأمريكية ودعمها لانقلابات في دول مؤثرة مثل السودان وبعيداً عن شواطئها التي تؤدي لزعزعة استقرار الدول الجارة. وتقاربها من الصين وتجربة استخدام الدرهم كعملة صعبة في منافسة مع الدولار، كل هذا يجري في وقت واحد. ومستوى الاستقلال هذا يثير مخاوف في واشنطن، وهي تصنع أعداء في الرياض، التي أوقفت دخول الشاحنات من الإمارات إلى السعودية على الحدود وتخريب المنتجات. ولو خسر حميدتي الحرب التي بدأها فعلينا أن نتوقع تراجعاً واضحاً لمحمد بن زايد من المغامرات العسكرية في الخارج.