من هو العلامة الجليل بداه ولد البصيري?

ثلاثاء, 23/05/2023 - 16:03

ولد الشيخ بداه عام (1338هـ - 1919م)، في منطقة الترارزة في الجنوب الغربي الموريتاني، بعد أربعة أشهر من وفاة والده، وتولى تربيته جده لأمه العلامة محمد ولد حبيب الرحمن، الذي أشرف على رعايته وتعليمه.

بدأ حياته العملية بحفظ القرآن مبكرا وهو دون التاسعة من عمره، كما أخذ العلوم على جم كبير من العلماء من بينهم الشيخ أحمدو ولد أحمذيه الذي أخذ عليه علوم القرآن والتفسير، وظل إلى أيامه الأخيرة في الدنيا يثني عليه ويقول ’’ذلك شيخي أحمدو..من مثل أحمد في العلماء..’’ كمأ أخذ على الشيخ المختار ولد ابلول العلامة المصلح والداعية الشهير، كما أخذ على الشيخ محمد سالم ولد ألما والشيخ محمد عالي ولد عدود، والشيخ سيدي الفالي ولد محمودا، وعرف الشيخ منذ شبابه بالورع والصرامة في الحق والدفاع عن السنة والحرص على نشر الخير والدفاع عن الدعاة إلى الله. وفي سنة 1957 م نزل الشيخ بداه ولد البصيري أن ’’ ييسر الله له منزلا في الحضر يقرأ فيه كتبه ’’ ويروي تلاميذ الشيخ أنه في إحدى رحلات البدو بين روصو ونواكشوط نزل الشيخ في قرية لكصر التي كانت مساكن قليلة جدا، وأمام إلحاح من ساكنة لكصر وتهديدهم باللجوء إلى القضاء لثني الشيخ بداه عن الرحيل عنهم أقام الشيخ محظرته ومسجده لينطلق من بيت صغير من الطين إشعاع محظرة وتاريخ علم من أعلام الإسلام والمسلمين.

وانطلق الشيخ يدرس ويفتي ويصلح بين الناس، وكان يحب طلابه غاية الحب ويأسف كلما غادر أحد الطلاب المحظرة، قبل أن يستكمل النظام الدراسي القديم، كما حافظ على دروسه العامة وخصوصا درس التفسير الذي بدأه في مساجد البادية، عندما أجازه شيخه العلامة أحمدو ولد أحمذيه في التفسير والقرآن، وكان يولي درس التفسير عناية خاصة، ورغم موسوعيته الفائقة، فقد كان يقوم بالتحضير للدرس، وظل محافظا عليه إلى سنواته الأخيرة في نواكشوط قبل أن يقعده المرض. درس الشيخ كل فنون المعرفة الشرعية فقها وتفسيرا ولغة ومنطقا وبلاغة، وكان مدينة علم مسورة بالإيمان والإحسان وكان صورة طبق الأصل من الرعيل الأول، فيه تدفق مالك وموسوعيته ونحو ابن مالك وفصاحته وبلاغته، وفيه من البخاري ومسلم الصحيحان والمسانيد، وكان إمام الحرمين في الأصول والعز بن عبد السلام في الصدع بالحق.وكان الجنيدي وعبد الله بن المبارك في الموسوعية والعلم والعبادة والربانية وكان أب الدعاة إلى الله ومأواهم وإمامهم، فالشيخ فقيد الإسلام وفقيد الوطن ورحيله خسارة لمئات السنين من علم الشناقطة، وآلاف المجلدات من العلوم والفنون والمعارف.

وعرف عن الشيخ بداه صدعه بالحق ودفاعه عن المظلوم فيه ولايزال الجميع يتذكر خطبه الصادعة بالحق أيام طغيان العقيد معاوية ولد الطايع، ووقوفه الصريح في وجه كثير من المخططات التي تواجه هوية البلد ودينه والعمل الإسلامي بشكل عام.

ويتذكر الجميع مواقفه الصارمة ضد محاولات الأنظمة السياسية وبعض النخب الثقافية والسياسية في البلد لتمرير بعض المراسيم والنظم التي رأى فيها الشيخ بداه خطرا على الهوية الثقافية للبلد. ومن الأمثلة في ذلك وقوفه الصارم ضد دستور 1982 م المخالف للشريعة الإسلامية، حيث كان العلامة ضمن عدد من الأئمة والعلماء وقادة التيار الإسلامي حينها حجر العثرة الأبرز التي أدت إلى سقوط الدستور المذكور الذي يوصف بأنه دستور علماني جدا.

وبعد الإطاحة بولد هيدالة ووأد مشروع تطبيق الشريعة وظهور نظام سياسي جديد لم يخف الشيخ بداه عدم ارتياحه للنظام الجديد وخصوصا الإشارات التي بدأ ولد الطايع يصدرها تجاه قضايا اعتبرها الشيخ مركزية في صون هوية البلد وسمته العام ولم يكن الشيخ يخفي استياءه مما يعتبره وجها من أوجه العلمانية الصارخة في البلاد تمثله خطوات عديدة لولد الطايع، ورغم ذلك حافظ الشيخ على وسطيته وعلاقته الأبوية بالجميع، رافضا أن يكون طرفا في أي صراع أو أن يمرر النظام السياسي مواقفه من خلال منبر الشيخ أو مواقفه.

ووقف الشيخ بشكل صارم ضد احداث89 1989 م ،وأكد موقف الإسلام من الاقتتال بين المسلمين، داعيا إلى التوحد ونبذ الخلاف.

ولاحقا عندما شن النظام الطائعي حملته سنة 1994 م على الإسلاميين وقف الشيخ بداه وقفة صارمة ضد الاعتقالات مؤكدا ’’أن الإخوان المسلمين لايقتلون النفس التي حرم الله ولايزنون، وأنهم برآء من كل ما يرمون به’’ ولم تقف جهود الشيخ عند هذا الحد بل بذل النصح للنظام الطائعي وطالبه بإطلاق سراح الأئمة المعتقلين. ومع بداية التطبيع أحس الشيخ بداه بخطر كبير على الهوية الثقافية للبلد، وكان يؤكد لطلابه أنه لم يعد يطيق أرضا ترفرف فيها راية إسرائيل.

توفي العلامة الجليل يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الأولى ١٤٣٠للهجرة الموافق السابع من مايو ٢٠٠٩م،

فعلى ضريحه المبارك السلام والرحمة وعلى جدثه الطيب شآبيب الغفران ومامات من ترك وراءه ذكرا طيبا كالذي ترك الشيخ بداه ورحل إلى قمة عالية من الإيمان والإخلاص والإحسان كتلك التي قدم الشيخ بداه. وله ولمثله وهو قليل ينشد الدهر والناس والفقه والفقهاء

 

عدسة المواطن