التبابعة الملوك خبر الحلف بين كندة وربيعة بالتفضل من كندة على ربيعة

خميس, 08/06/2023 - 14:46

2 معن بن زائدة بن عبد الله بن مطر الشيباني من أجواد العرب وشجعانهم عاش في العصر الأموي في أواخره مكر (...)

1أما التبابع المتقدمون من ملوك اليمن فلا خلاف عند أهل العلم بالسير، وذوي الفهم والنظر، والمدونين للدول، والعارفين بآثار الأول، أنهم حووا أقطارالبلاد ملكاً وحوزاً وعلوا مصانع الأطواد رغباً وفوزاً، وإن لهم القول والفعال، ومنهم الجود والنوال، إذ كانوا ملوكاً سمادع وغررا سواطع، وسحايب هوامع، وجبالاً منيفة، وأشبالاً مخوفه، ذهبوا بحميد الخصال ففاتوا وانقرضوا بكرم الأفعال1 فانصاتوا، وبذلوا الإحسان وعجلوا الإمتنان وقادوا الخيل وركبوا، وساروا النهار والليل واسترغبوا، وأفاضوا الغيول واقتضوا فتفجرت لهم الأنهار وأثمرت لهم الأشجار وأنست بهم الأقطار وكانوا للظلام ضياءً، وللمجد سناءً، وللغمام سجوماً، وللأنام زمناً معلوما فماحِلهم من الخلق محول ومساجلهم من البرية مسجول، فعبروا بذلك ثلاثة آلاف سنة يضربون في الأرض شرقاً وغرباً ويتوارثون الملك أبا فأبا ويجودون بالديار والعقار وأحمال النضار ورمان العنبر والمسك الأذفر. ولم يكونوا يعرفون العدد كما ذكرنا من قومهم من ذلك أنه قد وفد إلى الملك [53] أسعد الكامل وفد من ربيعة بن نزار وذلك بعد أن تمكنت وطأته في العراق وفتح فارس وخراسان وملك كابل وسمرقند وجهز السرايا في الآفاق من الصين وغيرها فتلطفوا حتى مثلوا بين يديه وكانوا من السادات في قومهم وذوي الرئاسات في عشائرهم فسألوه أن يجيزهم بإحسانه ويعمهم بامتنانه ويسكنهم أجل أوطانه، فحباهم بما لا يعد كثرة ولا يعد وفرة من الإفضال والإجمال والإحسان والامتنان وسكنهم فيما يدنو من صنعاء وهم الفرقة التي ينتمي إليها معن بن زائدة الشيباني2 وفي أسعد يقول شاعرهم بكر بن عدس الشيباني:

 

لأسعد في الملوك يد ومجد          تقصر دون تلك وذا الثناء

سما وعلا فلولا الفضل منه          لقد ضاقت بنا الأرض الفضاء

همام يرتقي فلك المعالي          ويكنفه من العز العلاء

 

3 وهو في أكثر الاحتمالات أبو كرب أسعد المعروف لدينا من خلال النقوش الحميرية وقد حكم في الربع الأول م (...)

4 مَوْكَل بلدة في مخلاف صباح وأعمال رداع.

5 بَيْنُوْن حصن حميري شهير في مخلاف ثوبان من بلاد الحدا إلى الجنوب من صنعاء.

6 المَعَافِر بلاد واسعة من محافظة تعز منها اليوم بلاد الحجرية إلى الجنوب والغرب من تعز.

7 أبْيَن هي مدينة عدن وما والاها شرقاً فيما يعرف اليوم بدلتا أبين وهي بلاد خصبة زراعية من مدنها زنجب (...)

8 غَيْمَان حصن في بلاد بني بهلول قرب صنعاء إلى الشرق منها.

9 أيَلة ذكرها ياقوت بانها مدينة على ساحل البحر الأحمر هي آخر الحجاز وأول الشام سميت بأيلة بنت مدين ب (...)

10 كذا، ولم نتعرف عليه، وربما حصل تصحيف في اسم الموضع.

11 صَبِر جبل ضخم منيف واسع فيه قرى ومزارع وفي ربظة تقع مدينة تعز.

12 التَّعْكَر حصن شهير يقع إلى الجنوب من مدينة جبلة من بلاد إب.

13 الشَّام ويقصد به الشمال، وهو هنا من وجهة نظرنا شام ظَفَار عاصمة دولة حمير ويقصد به ما يسمى قاع قتا (...)

14 وهي شبام كوكبان من مغارب صنعاء وتسمى شبام أقيان.

15 هذا الملك الحميري معروف أيضا من خلال النقوش المسندية واسمه حسان يهأمن الذي حكم مع أبيه أبي كرب أسع (...)

16 سورة الدخان/آية 37.

2ولم يسمع في ملوك العرب والعجم أعظم من أسعد الكامل3 في ملكه وعلو همته وإنجابه في الأرض، ولد خمسة عشر عظيماً من ولده وولد ولده وهم أبرهه ذو المنار ملك موكل4، وعمرو ذو الأذعار ملك بينون5، وشمر ذو الجناح ملك السبق من المعافر6، وذو أصبح ملك أبين7، وذو دقيفان ملك غَيْمَان8 وذو نواس ملك أيلة9، وذو قَطن ملك يحير10، وذو المعافر ملك صَبِر11، وذو المثلة ملك التعكر12 وذو يحصُب ملك الشام13، وذو مقار ملك شِبَام14 فهؤلاء من ولد مرحب ذي كرب بن أسعد الكامل أبي كرب ومن ولد أسعد الكامل أيضاً التُّبَّع الأقرن وهو صاحب الظلمات والطالب [54] لعين الحياة فمات بين القفول والوصول، ومن ولده أذينة الملك وتبع الأعظم وهو التبع بن حسان بن أسعد الكامل15 وهما اللذان ضرب الله بهما المثل لقريش في سورة حم فقال عز من قائل: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾16 قال صاحب التفسير هم أذينة الملك وتبع الأعظم.

 

3وكان لأسعد الكامل من الأخبار والأسمار والنظر في خلق السموات والأرض مالم يكن لغيره.

 

17 كتب في الأصل: الجوّ.

18 ما بين القوسين لنا ليكتمل السياق.

19 مسند الإمام أحمد.

4وذكر محمد بن اسحاق في كتاب المبتدأ أن أسعد الكامل كان في بدء أمره لا يكتب كتاباً إلا كتب في أوله: (الحمد لله الذي خلق السموات وما فيهن والأرضين وما فيهن وأمسك الطير في الهواء17 إنه على كل شيء قدير). ولم يفعل ذلك من سبقه من ملوك قومه فرفع الله قدره وملكه أقطار (الأرض)18 فذكر في كتابه أنه أحد الملوك الأربعة الذين ملكوا الأرض جميعاً ذو القرنين وسليمان بن داود عليه السلام وشداد بن عاد وتبع الحميري. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا تُبَّعاً فإنه قد أسلم وحسن إسلامه) 19 وفي رواية أخرى (لا تسبوا تبعاً فإنه مات على دين الحنيفية) وذلك أنه أحد المبشرين برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول:

 

شهدتُ على أحمد أنه          رسول من الله باري النسم

له أمة سميت في الزبور          وأمة أحمد خير الأمم

فلو مد دهري إلى دهره          لكنت وزيراً له وابن عم

والزمت طاعته كل من          على الأرض من عرب وعجم

[55] وكنت عذاباً على المشركين          أسقيهم كأس هم وغم

 

5وذكر صاحب التفسير أنه قال هذه الأبيات عندما طاف بالبيت وكسا الكعبة ونحر البُدْن وهو أول من كسا ونحر فقال في ذلك:

 

وكسونا البيت الذي حرم الله          ملاءُ معضداً وبرودا

ونحرنا في الشعب تسعين ألفاً          فترى الناس حولهن ركودا

ثم طفنا بالبيت سبعاً وسبعاً          وجعلنا لبابه اقليدا

 

6وكانت التبابعة تدين لها الأعاجم أسودها وأبيضها ولم يكن أحد من التبابع يوالي ملكاً من العجم ولا يقبل منه ذلك اضطراراً وفي ذلك يقول الأفوه لأودي في يوم حراره حيث يقول:

 

مُلكُنا ملك لقاح أول          وأبونا من إب هود خيار

 

7اللقاح الذي لا يدين لغيره من الملوك. وأول المبشرين برسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث الرائش وإنما كان يريش العرب بجوده فسمي الرائش وهو الذي يقول:

 

أنا الملك الحقيق بملك قومي          جلبت الخيل من يمن وشام

لأغزو أعبدا جهلوا مكاني          بأرض الهند من أبناء حام

وأحكم في بلادهم بحكمي          بلا وهن عليّ ولا أثام

فإن أهلك ولم أرجع إليكم          فها كم بلغوا قومي كلامي

سيملك بعدنا ملك عظيم          نبي لا يرخص في الحرام

[56] ويملك بعده منا ملوك          يدينون البلاد بلا دوام

ويملك بعدهم منا ملوك          يصير الملك فيهم باقتسام

ويظهر بعدهم أيضاً نبي          زكي نعته خير الأنام

وأحمد اسمه بالبيت أنى          أوخر بعد مخرجه بعام

فأحبوه وأقصده بنصري          بكل مذحج وبكل رامي

متى يظهر فكونوا ناصريه          ومن يدركه يبلغه سلامي

 

8وروى جعال النهمي قدم على تبع أسعد الكامل وكان جعال عائفاً قائفاً لسناً فطيناً شاعراً خطيباً أديباً فلما مثل بين يديه قال له: اسلم أيها الملك الدهر الأبد في اثبات ملكك ودوام عزك وتلألؤ من نورك إن همدان قومي قد ولدتك مرراً من مكانين فأمك خير الأمهات من يسر بكيل وأم أبيك بنت المجالد بن عمير ذي الحاطة من حاشد ولن يكمل لملك شرفه أدت أخواله إليه الإتاوة ولن يكمل ملكه فألفها عن أخوالك تصل بإلقائها عنهم قرابتهم فإن أخوال المرء رهطه. قال له تبع: بلغني ما تقول من الأشعار مع قيافة وعيافة بلغتني عنك وصيانة فأحببت مسألتك فإن كنت على ما تدعيه وتنسب إليه طرحت عن قومك الأتاوه وإلا أضعفتها عليهم. قال له جعال: سل أيها الملك أجبك. قال: بل تنصرف اليوم وعد لذلك غدا. فعاد إليه كما أمره فلم توسط المجلس وقد كان تبع قال لوزرائه ليعد كل واحد منكم خبياً، فقال الملك خبياً جعال. قال جعال: بأبي أنت [57] وأمي قد حلف الغراب بالملك الوهاب أن ليس في كفك إلاّ تراب. فرمى به تبع من يده، وكان قد تناول تراباً من الأرض، قال تبع: فما خبأ لك مصاد. قال جعال: خبأ مصاد بالشمال إذ خبأ حبة بُرّ جُلبت مما خبأ قال تبع: فما خبأ لك المدارس. قال جعال: خبرني صور غراب ونعب أن الذي في كفه قرط ذهب. قال تبع: فما خبأ لك مخرمة. قال جعال: خبأ ورب الحل والإحرام من لؤلؤ قد كان في النظام بالأمس خمساً لبس بالتمام هل قلت حقاً يا أبا الغلام قال: أي وأبي لقد قلت حقاً هاهن ثم رماهن. قال تبع: فما خبأ لك جناب. قال جعال: جناب قد خبأت لي خبياً ظننته من علمنا خفيا شعره تيس ورد الطويا ذبحته فلم يمت ملياً لمستظيف طلب المضيا. قال تبع لجناب: أحق ما قال. نعم أيها الملك أخذت شعرة من تيس ذبحته لضيف أمس فوضعتها في شعري لأخفيه عليه. قال تبع: فما خبأ لك أبرهة. قال جعل: خبأ لي الهامة من جرادة ذات عترام عينها وقادة. قال تبع: فما خبأ لك عامر. قال جعال: لما رأيت الطير مر سانحاً خبرني أن قد خبأ لي واصحا في نفسه وقد سمعت ناصحاً خبأ لساناً كان مرما صالحا لسان عصفور يسر الذابحا. قال تبع: فما بعدها إلا السكوت عنك وأنا مفتشك في شيء آخر فاغد لي غداً فغدا إليه فلما توسط المجلس قال جعال: سل عما بدا لك أيها الملك. قال تبع:

22وكان تبع عاشقاً لابنة عم له تحت ابن عم له آخر وكان يكتم ذلك جهده وكان قد قال فيها:

.

23ثم إن تبعاً تنفس صعداء عندما وصف له جعال الروضة وتبين بعض ما كان يخفيه، قال: أسألك بالله يا جعال أعاشق أنت. قال: نعم أيها الملك. قال: لمن. قال: لابنة عم لي تحت ابن عم لي آخر في خدم الملك. قال: ومن هو. قال: فلان. فدعا به تبع قال: اختر مني إما أن أعلي كعبك وأكثر تبعك وأبلغ بك الشرف والحظوة عندي وإما أن أحطك وأضعك مع ما تستوجب عندي من الهلكة. قال: أيها الملك ما أستوجب ما وعدت من كرمك ما فعله [60] وما استوجب به الوجه الآخر فاجتنبه. قال: تطلق فلانة. قال: ما تزوجتها لعشق منزلتها ولا لصبابة إليها وإن النساء لكثير وإني عليهن لقدير وإني بطاعة الملك لجدير. قال: فإني قد خلعتها منك وزوجتها جعالا وأنا موف لك ما وعدتك. وكان ابن عم تبع حاضرا وقد كان وقع عنده الخبر فقال تبع: ظفرت يدك يا جعال. فقال ابن عم تبع: ما كملت مودتي إياك إن لم أؤثرك على نفسي وقد عرفت هواك فلا والذي يطيل سلطانك وينعم بالك ما قربت لي فراشاً منذ سنة فهذا أعظم فيها للنعمة. فطلقها وتزوجها تبع، وانصرف جعال وقد زوجه امرأة ابن عمه التي كان يهواها ورفع عن قومه الاتاوة وأكرمه وحباه. ثم أن جعالا ملك وكان من كبار الملوك باليمن فأتته جُذَام في حمالات20 كانت بينهم فسألوه أن يحملها عنهم. قال: وكم مبلغ ما جئتم تسألون. قالوا: نسألك ألفي ناقة وأربعمائة ناقة فدفعها إليهم وقال في ذلك:

24وذكر يعقوب بن السكيت21 النسابة في كتاب المساند والمحامد أن عمراً [61] ذا الأذعار كان في حمير ملكاً كبيراً كريماً أديباً حليماً نجيباً خطيباً أريباً وأنه كان يسكن بينون …22 وكان حسناً للوفود ونداه هنياً عند القصود لا يُحجب زواره ولا يذم مزاره ولا تُخمد ناره ولا يُجحد فخاره، وكان من شيمته إذا ركب في المواكب وخرج بين المقانب وظهر بين الكتائب يقتل من وجد من تكبره. وإنما سمي ذا الأذعار لأنه أتى من بلاد النسناس بالوجوه المشوهة، فكان من نظر إليهم ذعر منهم فلذلك سمي ذا الأذعار، وكانت العرب والعجم تذعر من ركوبه فرقاً وتهرب من ظهوره مزقاً فصادفه ذات يوم عصابة من طيء فخافوا فعله فتشرفوا إلى الوصول إليه فما شعر بهم إلا سجدوا بين يديه فأمر باجلاسهم وكانوا عشرة رجال فلما استقر بهم المجلس قام من أوسطهم القلمس بن عمرو جد أبي تمام حبيب بن أوس الطائي فقال: أيها الملك إني إذا امتدحت أُغرق فأنطلق أم أطرق. قال له عمرو: بل تقول وتنطلق. فقال: نحن ايها الملك أبقاك الله وفدة برك وحشدة شكرك وحفدة أمرك عبيدك طيء أحلاس الخيل في الصدام ونبراس الليل في الظلام وهوادي العز المنيف وجماجم الحزر لخصيف ودعائم الخطب المنهال، وقوائم الخصب المنثال، درج بنا اليك أيها الملك حصر دعبج، وسفر منعج، وصدر لجلج، تتوقف ربا الصوادح، وتبتدر هول قلا الصحاصح ثقة بوفائك في الآجل، ومقه لعطائك في العاجل، قد قرت أعيننا بطلعتك، وثلجت صدرونا برؤيتك، خماص [62] البطون من الصفر، شخاص العيون من العبر، ترفعنا دهناء قفقف متطاول، ويخفضنا بوغاء هائل، لو جيف الرمل والإيغال، ورشيف الوشك والارقال، فوصلنا ومالنا كوع نمسك به ولا كرسوع نعتمد على عصبه من تقطيع القرّ لنا بصرده، وتنصع الحر بجرده، على عوج عناجيج وهوج سماجيج، فطولنا بأمرك وقولنا بإذنك. فقال لهم عمرو ذو الأذعار: ان جسرتم فاسلكوا وإن جهلتم فأمسكوا. ثم قام القلمس فقال شعراً هو:

 

نطول بعمرو في المكارم والعلى          ونغرق في غاياته في المدائح

همام مليك أريحي سميدع          مليك ملوك من ملوك شرامح

يسرك في هجهاجة الحرب سابحاً          إلى سابح من فوق أجرد سابح

ويغضي على العوراء إغضاء صالح          ويفرط في العلياء افراط طالح

 

23 نوع من الملابس المصنوعة في اليمن.

25قال فلما فرغ القلمس من شعره أمر لهم بالجوائز الفاخرة والمواهب المتكاثرة؛ وأمر لكل واحد منهم بعد ذلك بفرس عتيق ودرع وسيف وكرش مملؤة ذهباً ورمانتين من العنبر وعشر قطع من العصب23 فقال أبو تمام يفتخر بجده القلمس بن عمرو الطائي:

 

ومن أدد تسمو بنا العرب الأولى          فخارا نصاباه القلمس أو عمرو

بهاليل في الغُمَّا مصاليت في الوغى          إذا انطقوا في مجلس خرس الدهر

فما في بني طيء فتى ذو تميمة          من الفخر إلا من يقر له الفخر

أقل مراقينا المكارم والعلى          وأدنى مساعينا البلاغة والشعر

علينا لذي الأذعار عمرو صنائع          يقصر عن ادراكها البحث والنشر

 

24 المقاول كما ذكرناه جمع (قيل) ويقصد به بلغات أهل اليمن القديمة أفراد ينتمون إلى بيت رئاسة القبيلة.

25 كذا في الأصل، والصواب (يصطنع) بمعنى يتخذ.

26 من بين الأذواء المذكورة في النقوش المسندية: ذو يزن، ذو جدن، ذو رعين وأما بقية الأذواء المذكورة هنا (...)

27 المقصود هنا بقصر غُمدان المذكور في النقوش المسندية والذي شيده ملوك سبأ في حوالي القرن الثاني الميل (...)

28 سيف عدن يقصد به ساحل البحر من بلاد عدن.

29 خاو قرية من بلاد يريم تقع إلى الجنوب من مدينة يريم وكانت المنطقة المجاورة لها كلها قديماً تسمى بلا (...)

30 المصانع جمع مصنعة وهو عبارة عن مرتفع من الأرض على هيئة جبل حصين يتخذ حصناً أو قلعة، وبلاد المصانع (...)

وذكر محمد بن اسحاق في (كتاب مآثر الأوائل ومفاخر المقاول)24 إن ذا رُعَيْن كان في حمير ملكاً عظيماً سيداً كريماً قرماً حُلاَحلاً قيلاً متأصلاً واسمه في كتب الملاحم مفجر الأنهار وهو أبو اليغوثيين واليسعين وعبد كلال أبو المرفدين ومليك واليافعين وهيسع واليحصبين وترخم وذا الرمحين وكان يصنع25 من المصانع ظفاراً وبها دار مملكته ومضجع تربته ولد التبابع السبعة والسمادع التسعة والأملاك المثامنة والأقيال الفراعنة فجملة التبابع من ولده سبعة وهم اليسع الكبير واليسع الصغير ويغوث الكبير ويغوث الصغير وعريب الأعلم وعريب الأفقم وشَمَّر الأجبه فهؤلاء التبابع السبعة من ولده، لأن حميراً تسمي الملك الكبير منها تُبَّعاً والصغير قِيْلاً، وأما السمادع من ولده فهم الأذواء26 وهم ذو يزن ملك غمدان27 وذو جدن ملك السّيف من عدن28، وذو تَرْخَم ملك خَاو،29 وذو الرمحين ملك المصانع30، وحمير تسمي الأذواء ممن تقدم وتأخر سمادع ومن ولد ذي رعين، والأقيال الفراعنة وهم أربعة منهم هيسع فاتح الصين، وجناب فاتح الهند والسند، وشرحبيل فاتح أرض العرب، وحصين فاتح أرض الخزر.

 

27وكان ذو رعين كما ذكره محمد بن إسحاق في (كتاب مآثر الأوائل ومفاخر المقاول) عظيم المناقب جسيماً شره في النوائب أجرى ألف سيل وأفاض ألف غيل وولد ألف قيل، فوفدته ذات يوم عصبة من مضر فلما وصلوا إلى بابه استؤذن لهم فدخلوا عليه فلما مثلوا بين يديه واستقر بهم المجلس لديه قام متكلمهم وهو خداش بن قحطبة القيسي [64] وكان شاعراً قادراً فاستأذن الملك ذَا رُعَيْن فأذن له أن يقول ما بدا له فقام وقال: نحن أيها الملك وفودك من مضر وعبيدك أهل الوبر لا الحضر، ساقتنا إليك مواضي الهمم دعوا إلى الشيم ودواعي الكرم، وقدمنا إلى جودك نبتدر الفيافي لا تعلوا بنا إلى أرضك أجراف القف من البيد، وأوهاف الخف من الصراخيد، بين رمال وهوابط وجبال شواحط فأتينا ونحن عرات إلى جود راحتيك وعاث من ناي بسطتك، نتد لمس ظلم الليل المدلهم ونتبرنس وهج القيض المطلخم، على خوف آجل ووجل ورجاء ظن وأمل فإن تعط الجزيل فعن قوة كرم، وإن تمنع فعن قدرة معتزم، ثم اندفع فأنشـد قصيدته التي يقول فيها:

 

31 ظفار يريم أو ظفار حمير ورد ذكرها في النقوش المسندية في بداية العهد الميلادي، واتخذها الحميريون عاص (...)

إلى ظفار31 قطعنا كل سبسبة          وسبسب من ربا البيد الدياميم

سوى ورود مغاني ذي رعين على          خوف قصار الخطا قص الحيازيم

قد لوحتنا جراجيج المطي ونى          مما يجشمها وطيء الخراطيم

حتى وردنا لأوفى حمير حسبا          غدا من المجد فَعْماً غير مذموم

فنال قاصرنا أقصى لبانته          وطال طائلنا زهر المراحيم

 

32 السيد الحميري واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري شاعر متقدم مطبوع وله شعر كثير (...)

28قال ابن اسحاق فكانت العصبة خمسين رجلا؛ فأمر لكل واحد منهم بخمسين جملاً موقرة من الذهب والعقيان والوشي والألوان والعُصب والأفنان. ففي ذلك يقول السيد الحميري32 مفتخرا بذي رعين:

 

لي منزلان بِلَحْج منزل وسط          منها ولي منزل بالعرّ من عدن

يحتل من ذي رعين الملك ذو ذود          في ذي عريب وذي عكرٍ وذي جدن

[65] وذو يغوث وذي الرمحين صاحبه          وذي العلا ترخم فخرا وذي يزن

مفاخرا لو تقاس الشامخات بها          خفت له هضبات الشم من يمن

أيام عمّ أبونا من بني مضر          خمسين مسترفداً بالجود والمنن

 

29وذكر محمد بن اسحاق في كتاب (تقنين المذاهب وتفسير المناقب) أن سيف بن ذي يزن كان في حمير ملكا عظيما متقدماً حليماً مكرما، وكان قد درس من الكتب السالفة والسير الآنفة والعلوم المكتوبة والرسوم المنسوبة ما لم يَفُقْه من قبله ولم يلحقه من بعده وكان ملكه وملك أبيه في غُمدان تأتيه فيها المقاول والأشراف ويطيف به فيها الزوار والأضياف فيحبوهم بأجل الحباء من فضله ويعمهم بما يجزل العطاء من بذله، فوفد عليه بغمدان عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس وخويلد بن عبد العزى وعبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة المخزومي، وابنا عبد المطلب أبو لهب وأبو طالب في ناس من قومهم، ومعهم أمية بن أبي الصلت الثقفي وكان شاعراً قادراً فلما مثلوا بين يديه استأذنه عبد المطلب في الكلام. فقال: إن كنت ممن تجيد الكلام بين يدي الملوك فتكلم فقد أذنا لك. فقام عبد المطلب بعد مؤامرة من أصحابه فقال: أيها الملك إن لله أحلك محلاً صعباً شامخاً منيفاً باذخاً طالت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه بأكرم موطن وأفضل معدن فأنت رأس العرب الذي إليه تنقاد ومعقلها الذي إليه تساق، سلفك خير سلف وأنت منهم في خير خلف، فلن يهلك [66] من أنت ستره ولن يخمل من أنت ذكره، ونحن أهل حرم الله وسدنة بيته الحرام وجيران الحجر والمقام قدمنا إليك للسلام عليك حيث أجهدنا الجدب في أوطاننا وقل بنا الخصب في أموالنا

30وتعتعنا الفقر وضعضعنا الدهر فأتيناك أيها الملك مغبرة من القلة سرابيلنا، مصفرة من الذلة جلودنا، فنحن لا نملك من الأرض عقاراً ولا نحوز من العَرَض درهماً ولا دينارا،ً فتذكرنا الملك الذي نعرف من كرمه الجلاجل، وجوده الفاضل، ونحن حفدة الكعبة العظمى وعبدة اللات والعزى، فينا الكريم النصاب، ومنا العظيم الأحساب، فإن يفعل الملك فينا جميلاً شكرناه، وإن يعطنا جزيلاً حمدناه، وإن يؤلنا قليلا عذرناه. قال الملك: وأيهم أنت المتكلم. قال: أنا عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن أختنا. قال: نعم ابن أختكم. قال الجاحظ: فالتفت إليهم سيف بن ذي يزن معجباً بهم فقال: مرحباً وأهلاً وسهلاً وناقةً ورحلا وحملا ومهلا وظلا وملكا ربخلا تعطى عطاءً جزلاً ؛ قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وحفظ وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنهار لكم الكرامة ما أقمتم، ولكم الحباء إذا ظعنتم، فلله من عصبة كرم وذؤابة همم وضيافة قمم في الرحب والسعة والقرب والدعة والمنزل الخصب والموطن الرحب والحباء المبذول والعطاء المحمول.

 

31ثم أمر بهم إلى دار الضيافة فأقاموا عنده شهرين لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم بالإنصراف، ثم انتبه لهم الملك انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فقدم إليه فقال له: يا عبد المطلب إني مفوض إليك من سر علمي ما لك فيه البشرى ولو أن عندي [67] بطوناً من العرب لم أبح به إلى أحد ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك طلعه فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله به. ثم قال سيف: إني لأجد في الكتاب المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واختصصنا به دون غيرنا خطراً جسيماً وعلماً عظيماً فيه شرف لحياة وفضيلة الوفاة لك خاصة ولرهطك عامة وللناس كافة؛ وذلك أنه يولد بتهامة مولود يكون معتدل القامة مدور الهامة ساطع العرنين قصير الشعر رقيق الثنايا جزيل العطايا في أحد منكبيه علامة وبين كتفية شامة يموت أبوه وأمه، يكفله جده وعمه ويخذله منكم الأقارب وينصره منا الأباعد. قال: فخر عبد المطلب بين يديه ساجداً. فقال سيف: ارفع رأسك فقد ثلج صدرك وعلا كعبك هل أحسست من أمره شيئاً. قال: نعم أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجباً عليه رفيقاً يقال له عبد الله فلما بلغ مبلغ الرجال زوجته كريمة من كرائم قومي يقال لها آمنة بنت وهب الزهرية فولدت له غلاماً سميته محمداً مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه وبين كتفيه شامة وفيه كلما ذكر الملك من علامة. قال سيف: والبيت والحجب والعلامات على النصب إنك لجده يا عبد المطلب غير الكذب فاطو ما ذكرت لك دون هؤلاء النفر الذين معك فإني أخشى أن تدخلهم النفاسة من أن تكون لك الرئاسة فيعملون لك الغوائل وينصبون لك الحبائل وهم فاعلون ذلك وأولادهم واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا.

 

33 كتب فوقها: الدهر.

32ثم أن سيفاً أمر لكل واحد منهم بعشرة عبيد وعشر إماء وعشرة أفراس وكرشتين مملوئتين عنبراً وكرش [68] مملؤة ذهباً وورقاً وعشر قطع من عصب اليمن. وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك فكانوا يغبطونه على حباء الملك فقال: يا قوم لا يغبطيني أحد منكم على ما أتاني الملك ولكن يغبطيني على ما يبقى لي فخره وذكره إلى آخر الدهر33. فإذا قالوا له وماذاك. قال: ستعلمن نبأه ولو بعد حين. وذكروا أن سيفاً قال لعبد المطلب إئتني بخبره وما يكون من أمره في رأس الحول فمات سيف من قبل أن يحول الحول. وفي ذلك يقول أمية بن أبي الصلت الثقفي:

 

اشرب هنياً عليك التاج معتصباً          في رأس غمدان داراً منك محلالا

ثم أطل بالمسك اذ شالت نعامتهم          وأسبل اليوم في برديك اسبالا

تلك المكارم لا قعبان من لبن          شيب بماء فصارا بعد أبوالا

 

33فهذه أخبارٌ لبعض التبابعة والمقاول تدل على حسن مذاهب الكل من لدن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر؛ ولا يحيط بفضائلهم إلا لله سبحانه. فأول ما كثرت وانتشرت النزارية في وقت أسعد الكامل وكانت تحل البراري والقفار ولم يكن لها امتناع ولا عزة لأنه ذكرهم في شعره وأخباره ولم يذكرهم أحد من الملوك الذين من قبله من التبابع وسنذكر ابتداء ولايتهم في ذكر قصة النبي ابراهيم صلى الله عليه في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

 

34 حجر بن عمرو الكندي ملك كندة، المعروف في المصادر العربية بآكل المرار، والذي كان يحكم في أواسط شبه ج (...)

34وكانت النزارية في وقت الملك أسعد الكامل رعية للملك حجر بن عمرو الكندي34 وذلك أن الملك أسعد الكامل لما وصل الحيرة متوجهاً إلى بلاد الروم وكان ذا معرفة ونظر في النجوم رأى أن يقيم في الحيرة ثمانية [69] وعشرين يوماً فأرسل إلى الملك حجر بن عمرو الكندي وقال له: إني قد عزمت على أن لا أأمر ولا أنهى مدة أيام وقد عهدت إليك أن تقوم في عسكري بالحزم والتدبير ومجانبة التقصير فعليك بذلك. ففرق حجر بن عمرو ومن معه من قبائل معد في خدمه العسكر وأمرهم بالقيام بكل ما يحتاجون إليه، فأمر كنانة أن تقوم بتهيئة النبل وعمل حديدها وبري قداحها، وأمر دودان بن يشكر بجمع السلب وفتله، وأمر كاهلاً وبقية بني أسد بالحلب والذبائح، وأمر مزينة أن تكون لها عوناً لغسل البرام وأمر عكلاً أن تجمع الحطب وأمر هذيلا وثقيفاً أن تكون تدبغ الجلود وتعمل اليلْب وحذو النعال، وأمر تميماً أن تسقي الخيل والبغال والحمير، وأمر الرباب وضبه بالحل والرحيل وضرب القباب، وأمر قيساً وإيلاً بنسج العباء الأوعية، وفي ذلك يقول أسعد الكامل عند خروجه من هذه الأيام ونهوضه بعدها فقال في ذلك:

 

أرقت وما ذاك بي من طرب          ولكن تذكر ما قد ذهب

تذكر ما فات مما مضى          وهل يطرب الباتر المعتضب

أموراً هممت بإمضائها منير          لدى الري ما تنشعب

حباءً من الله توفيقنا          فهو المليك ومنه السبب

حبانا وملكنا أرضه          نطير على الأرض لا نغتصب

نعمُّ البلاد ونعلو النجاد          ضخام الدسائع لا نغتلب

وقد رمت أمراً فأمضيتها          ومثلي أذا رام أمراً صلب

[70]بعثت جنوداً فأمضيها          وفي العز همي وذاكم أرب

وعسكرت في بلد جوده تحير          في وصفها ذو الأدب

أقمنا بها كل أيامنا ومعزيه          شأنها قد حسب

عمدت إلى حُجُر بالجيوش          فصرنا بكل إلى ما طلب

كنانة منها لبري القداح          وسجد النصال ورصف القطب

ومن أسد عصبة جُعلت لجمع          الحبال وفتل السلب

وجل قبائلها موقفون          لوقت ذبائحها والحلب

مزينة هي لغسل البرام          وعُكلاً أعدهم للحطب

ثقيف عليها دباغ الجلود          وحذو النعال وصنع اليلب

تميماً أُعد لسقي الدواب          ومتح الدِّلاءِ وحمل القرب

أعد الرَّبَاب لضرب القباب          وأخواتها ضبة للقتب

وقيساً أعد لنسج العباء          سوى أنها شغلت بحرب

رحلنا وكلهم هكذا          وكلهم راغم مغتصب

فلما اعتزمنا لغزو العلوج          بعزم قضاء وأمر وجب

جعلنا ربيعة تهدي الطريق          تدبر عليها إذا ما انشعب

فسرت بجيش كثير الزهاء          كثير الخيول شديد اللجب

بأبناء قحطان من حمير          بها ليل أسدٍ كرام الحسب

كرام الجدود طوال الحدود          لهم منصب باسق منتصب

[71]قضاعة منا ملوك البلاد          وفي غيرنا الدار والمغترب

وكندة تعدو إلينا بهم          خيول عراب ونزل نجب

لهم صولة لا يُرى مثلها          شهابهم هو يعشي الشهب

هم أخوة وهم عدة          إذا ما نأت وإذا تقترب

وفيها سكاسكها والسكون          وهمدان منا وطيء العُصب

وسعد العشيرة والأشعرون          وخالد عنس سراة نجب

وحي مراد كبزل الجمال          وأحيا ألهان تنفي الكرب

وفي وصفنا الأزد من كل فج          كرام الأصول طوال النصب

فأولنا نازل بالعراق          وآخرنا خارج من علب

فزرت الأعاجم في أرضها          فأعطوا القياد وخلوا السلب

وجالت ببابل آجالهم          بيوم عليهم شديد التعب

وأتبعهم شمر ذو الجناح          بسير حثيث سريع الطلب

فأصبح قيصر مجلندحاً          صريعاً وأوداجه تضطرب

وثنيت بالصين لي بُغيةٌ          جبال اللُّجين وكنز الذهب

ووجهت عمراً وهوداً          بهم بداهيه مثلها لم يهب

وفي السغد والترك لي عسكر          وبالروم حقا تركت العجب

وفي الهند والسند لي قائد          يدوس ويضربهم بالخشب

وفارس عذبتهم بالجنان          وكانوا علوجاً شرار الحسب

[72]وساسان الجمتهم باللجام          فشال كشول مشيل الذنب

يعاثر عذبته بالحدا          وأدخلته داخلاً في السرب

وترجان أوكفته كالحمار          وألبتُّه صاغراً في اللبب

فمن ذا من الناس لم نغزه          ومن يخطه الذل يلقى الخرب

فدان لنا الناس في كل أرض          مشارقه دُسْتُ والمغترب

كما كان تفعل أباؤنا          توارثهم عن أب بعد أب

لنا ملكنا اليوم نقضي به          وتنفذ في الناس منا الكتب

علينا المغافر والسابغات          سلبنا الأنام ولا نستلب

 

35 طسم وجديس من قبائل العرب البائدة وكانت مساكن هاتين القبيلتين في البحرين وذكر ابن عساكر في كتاب الت (...)

36 سورة الدخان/آية 37.

37 كانت قرية الفاو في القرن الأول الميلادي حاضرة مملكة قحطان ومذحج وكان ملكهم يحمل اسم معاوية بن ربيع (...)

38 تم هذا الحلف في أكثر الاحتمالات في القرن الخامس الميلادي في عهد أبي كرب أسعد، ملك سبأ وذي ريدان وح (...)

35وكانت هذه حالتهم في ذلك الزمان فلم يزالوا على ذلك حتى هلك الملك أسعد الكامل وملك بعده ابنه حسان وانقطعت المغازي في وقته من بلاد الأعاجم وغيرها سوى ما كان منه في طسم وجديس35 ولهم خبر طويل يستغنى به هذا الموضع، ثم هلك الملك حسان وملك بعده أخوه عمرو فكانت أيامه كأيام أخيه لم يكن يغزو بلداً حتى هلك وذلك أنه عمل في قتل أخيه حسان فسلط الله عليه السهر حتى هلك، وملك بعده ابن أخيه التبع بن حسان فكان زمانه كزمان جده أسعد الكامل في عظم ملكه وتجبره ونظره في النجوم وتخريجه العساكر في الآفاق وهو التبع الأعظم الذي ضرب الله به المثل لقريش فقال جل وعز من قائل: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾36 وفي أيامه جرى الحلف بين كندة37 وربيعة بن نزار عند معاوية الملك38 بن الحارث الكندي وكان الحلف [73] بينهم بالحيرة، وكان سبب ذلك على ما رواه الهيثم بن عدي الطائي عن عبيد بن شرية الجرهمي أن معاوية الكندي كان له ابن مسترضع في أحياء مضر وأنه أرسل إلى مرضعة ابنه فأتته به وهو ابن خمس سنين وكان يقال له ذُهُل بن معاوية فحباها وأحسن إليها ثم خرجت راجعة إلى أهلها ولحق معها الغلام ولم يشعر به أبواه ولا أحد من قومه ولا شعرت المرأة به فلم يزل يتبعها حتى توارت عنه وعطف راجعاً إلى أبيه فأخطأ الطريق عند الرجوع وغفل عنه فانضم إلى بعض الشجر حتى أصبح. وفقده أبوه فوجه في طلبه ودعا رجلاً من ربيعة يقال له صبرة بن عامر بن لدول بن نسر بن أفصى بن امرئ القيس بن أفصى بن غني بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار فأمره إلى الموضع الذي ارتحل عنه فمضى فوجد الصبي فضمه إليه حتى أتى به إلى ابني عم له يقال لأحدهما يشكر بن وائل بن قاسط بن ضبة بن أفصى بن غني والآخر الحارث بن الدول بن الصباح بن عبيد بن سالم بن عامر بن أسد.

 

36بن ربيعة فقال لهما: إني وجدت ابن الملك الذي كان مسترضعاً عند ابن عمنا فما تريان قالا: نمضي به إلى الملك وتمضي معنا لعلنا نصيب خيراً. فمضوا به إلى الملك فلما انتهوا إليه وجدوه قد تغير لونه واشتد غمه فلما دنوا منه سألوه البشارة؛ فقال لهم: ليمد كل رجل منكم أمله وليطلب أمنيته. فقال له صبرة بن عامر: أنا الذي وجدته أيها الملك ولي الفضل. قال: ذلك لك فقل ما شئت. قال: يهب لي الملك عشر نوق بأولادها. فقال الملك: بخست نفسك يا أخا ربيعة وضيقت على صاحبيك. قال يشكر بن بكر: [74] صدقت أيها الملك ولقد كان ضاق ذرع صاحبيه حتى دللناه رشده. فقال الملك: يتقدم أسنكم ولا بد من تفضيل صبرة عليكم. فتقدم الحارث بن الدول فقال: أيها الملك إن مسألتي إياك على قدرك. قال: قل ما شئت. قال: إن رأى الملك أن يعفي ربيعة من الإتاوة ويقبل منها الهدية ويجعلها جنداً ليستعين بها على ملكه فعل. قال الملك: ذلك لك يا حارث. ثم تقدم يشكر بن بكر فقال: إن الملك من قوم إذا وعدوا لم يخلفوا ومسألتي عريضة لست أدري كيف يكون قبول الملك لها فإن أذن لي أقول قلت. قال: قل ما شئت. والملك يظن أنه يطلب الفائدة، قال يشكر: أن يجعل بين كندة وربيعة حلفاً يكون في الأعقاب، وتكون ربيعة من معد فوق الرقاب. فتبسم الملك معاوية وقال: أعرضت يا يشكر المسألة غير أنا قوم لا نرجع فيما قلنا وسيأتي بشارك فيما طلبت سوى أنا قد وعدنا صبرة بالتفضيل ولسنا نعلم شيئاً أجزل مما طلبت فماذا ترى يا صبرة. قال صبرة: أنا أيها الملك شريك في المسألتين جميعاً وتكون الثالثة خالصة لي. فقال: وماذاك. قال صبرة: يأمر لي الملك بخمسين ناقة بأولادها قال: ذلك لك يا صبرة.

 

37وذكروا أن معاوية بن الحارث أمر أن يحضر من ذوي الأسنان منها أربعة عشر رجلاً وأمر من ربيعة بمثل ذلك. فلما حضروا بين يديه دعا بطشت من ذهب فقطر فيه من دمه ثم أمر مشائخ كندة وربيعة ففعلوا مثل ذلك ثم صيروا عليه الخمر ثم أمر من يسقيهم جميعاً ثم أخذ من شعره وأظفار يديه ورجليه [75] وأمرهم بمثل ذلك ثم أمر بجميعه وجعل في قصبة من ذهب ثم أمرهم جميعاً يمضون حتى يأتو خليجاً من البحر فيدفنوا تلك القصبة بعد أن كتبوا فيما بينهم كتاباً هذه نسخته. (هذا ما احتلف عليه كندة وربيعة من التناصر والإخاء ما احتذى رجل حذاء وراح موج أو غدا حلفا محفوظا يرثه الأبناء عن الآباء لا غش بينهم ولا خذلان ولا هوادة لأحد عندهم من كان خلطوا العيال بالعيال والأموال بالأموال ما اختلف الأيام والليال شهد عليهم بذلك ملكهم وبما جعلوا بينهم على أنفسهم وهو الكفيل لبعضهم على بعض). فلما انصرفوا التقى الحارث بن دول ويشكر بن بكر وصبرة بن عامر فقالوا: لو رجعنا إلى الملك فسألناه أن يختصنا بشيء نتشرف به على قومنا فمضوا حتى أتوا باب الملك وبعثوا إلى ذُهُل بغزلان صغار وطوائر حسان أهدوها له، فبلغ ذلك إلى الملك معاوية فأمر أن يقبل منهم ما أتوا به ويدخلوا على ذُهُل، ثم استأذنوا إلى الملك فأذن لهم وفي نفس كل واحد منهم شيء قد أسره عن صاحبه يريد أن يطلبه من الملك فلما وقفوا بين يديه قالوا: أيها الملك إن رأيت أن تجعل لنا أمراً نتشرف به على قومنا فعلت. قال لهم الملك: وماذاك. قال الحارث بن دول: يحرم الملك على معد أن تمصر ثيابها، وتصفر لحاها وتجعل ذلك لي ولمن أحببت من أهل بيتي. قال معاوية: لك ذلك يا حارث. ثم تقدم يشكر بن بكر فقال: تأذن لي أيها الملك أن اتخذ عُقَابا كَعُقَاب كندة يكون لي فيه ما كان له. قال: ذلك لك. ثم تقدم صبرة بن عامر فقال: يجعل لي الملك أن من [76] نازعني من معد شتمته، ومن شتمني ضربته، ومن ضربني قتلته. قال: ذلك لك. فكان هؤلاء الثلاثة على هذه الحال وأولادهم من بعدهم، ثم إن معاوية أمر لكل واحد منهم بثمانين راحلة وفضل صبرة بثمانين أخرى فقال الحارث بن الدول في ذلك:

 

معاوي قد أفضلت نعمة مفضل          علينا بهذا الحلف دون نزار

فضلنا عليهم إذ خلطت دمائنا          بقطر دم من بعض كندة جاري

فنحن لهم رهط وحلف وجيرة          فيا لك من حلف لنا وجوار

وحذرتها أن لا تصفر لحية          نزار وعن تمصير كل إزار

سواي وقومي أهل بيتي فإنه          لنا خالص ما لاح ضوء نهار

فخرنا معدا إذ رفعت محلنا          فهم بعدنا في مستقر صغار

فمن مثلنا في حلفنا وجوارنا          فخرنا الورى في كل يوم فخار

 

38وقال يشكر بن وائل:

 

مننت أبيت اللعن منك بمنة          وأنعمت نعمى لا يقوم بها الشكر

خلطت دماء الحي كندة منعما          بأدمائنا جمعاً فسيلت به الخمر

فأسقيتناها تؤكد الحلف بيننا          لأولنا والحلف ما بقى الدهر

فنحن لهم حلف فمن ذا الذي له          كمفخرنا إنا لنا الفضل والفخر

وكندة أرباب الملوك أولو الحجى          هم الصيد والغر القماقمة الزهر

هم ملكوا الأرض العريضة كلها          لهم شرقها والغرب والسهل والوعر

[77]وحازوا بلاد لله فاستوسقت لهم          إتاوتها المرجان والدر والتبر

وأعطيتني ما في العُقاب فقد بدا          علي من العسر الذي سلفت يسر

فأضحت معد لا ترد حكومتي          وإن جِرْتُ لم أدفع وكان لي الأمر

فأعطاك رب الناس خير جزائه          فقد طاب عنا في مهابتنا الذكر

 

39وقال صبرة بن عامر:

 

أبيت اللعن انك رب صدق          تسوس الناس عن كرم وفهم

وأنك قد نزلت بنا محلاً          رفيعاً فوق مجرى كل نجم

جعلت لنا ملوك الناس حلفاً          وتلك قرابة من غير رحم

فأصبحنا نطول على معد          ونفلج إن فخرنا كل خصم

لأن ملوك كندة أهل فخر          وتسويد ومكرمة وحلم

وأرباب الملوك بغير شك          وخير الناس من عرب وعجم

وأنت مليكهم حزت المعالي          أبيت اللعن عن جد وعم

وقد اجريت حظي في معد          فنلت الفخر إذ نوهت باسم

وأخذي ضاربي عزا وقهراً          فأقتله بسيفي أو بسهم

 

39 هو صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب والجوهرتين.

40وإنما كان طلب ربيعة لحلف كندة واغتنام ذلك عن إمكان الفرصة من الملك الكندى خوفا لما كان نزل بهم وبغيرهم من بوادر الملوك فأمنوا بهذا الحلف. هذه رواية الهيثم بن عدي الطائي. فأما رواية الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني39 فإنه يروي عن عبيد بن شرية الجرهمي أن التبع بن حسان بن أسعد [78] الكامل الذي عقد الحلف بين ربيعة واليمن يوم وجه كندة إلى أرض نجد، وملك الحارث بن عمرو على أرض معد فجعلهم يداً واحدة وذلك لرؤيا رآها رجل من ربيعة فألقى في قلب تبع له رحمة حتى قبل قوله.

 

40 يقصد عبيد بن شرية الجرهمي.

41 نصر بن سيار بن رافع الكناني، كان أمير مضر بخراسان وكان شجاعاً داهياً ولي إمرة خراسان سنة 120 هجرية (...)

41قال الهيثم وقيل عن عبيد40 ما لم يقل عند معاوية وفتعل عليه ما لم يأت به، والرواية الصحيحة ما حكي عن الهيثم بن عدي في خبر الحلف، وأنه رواه عن عبيد وغيره فكانت ربيعة يداً مع كندة إلى ان جاء الله بالإسلام، ثم استمروا معهم في الإسلام فكانوا معهم على حرب مضر بالبصرة وخراسان وغير ذلك حتى قال نصر بن سيار الليثي41 وكان أمير نزار في العصبية بخراسان في زمان مروان بن محمد لما رأى من شدة عصبية ربيعة مع كندة فقال يهجو ربيعة:

 

إنا وهذا الحي من يمن معاً          عند الفخار أعزة أكفاء

قوم لهم فينا دماء جمة          ولنا لديهم أحنة ودماء

وربيعة الأذناب فيما بيننا          ما إن هم سلم ولا أعداء

متيمنون مذبذبون وتاره          متنزرون وتارة حلفاء

إن ينصرونا لا نعز بنصرهم          أو يخذلونا فالسماء سماء

 

42فلم يزالوا يداً في جميع المواطن ما كان بينهم حلف ولا فرقة سوى ميل شرحبيل بن الحارث إلى مضر، وذلك أن الملك الحارث بن عمرو المقصور الكندي لما مات ونشأ النعمان بن المنذر بن ماء السماء بن معدي كرب وسلمة بن الحارث بن عمرو وكان قدم إليهم معزيا بالحارث بن عمرو وهو متزوج ابنته [79] هند بنت الحارث بن عمرو ليشغل بعضهم في بعض عنه ويفوز بالملك فقال لمعدي كرب: أنت أكبر ولد أبيك فما منعك أن تكون مكان أبيك ويسمع لك أخواك ويطيعان أمرك. قال: لأنني أنا أحقهم بذلك. ثم قال لشرحبيل: إنك فارس ولد أبيك وسيدهم فما يمنعك أن تكون ملكاً مكان أبيك. ثم أتى سلمة فقال له مثل ذلك، فكتب بعضهم إلى بعض يطلب كل واحد منهم أن يكون مكان أبيه فيأبى عليه الآخر، فوقعت الحرب بينهم، فسار معدي كرب إلى شرحبيل في بكر وتغلب، وسار شرحبيل في تميم وضبة والرباب فالتقوا على ماء لبني تميم يقال له الكلاب فنادى منادي شرحبيل: من جاء برأس معدي كرب فله مائة من الإبل. فالتقى الفريقان فاقتتلوا قتالاً شديداً وشد حجر بن معدي كرب على عمه شرحبيل فطعنه طعنة أذراه عن فرسه قتيلا، فنزل رجل يقال له أبو حنش واسمه عصم بن النعمان بن مالك بن عتاب التغلبي إلى شرحبيل وهو صريع فاحتز رسه وأتى به معدي كرب أخاه فضرب به بين يديه، فلما رآه معدي كرب شق ذلك عليه فطار الدم على وجهه. وروى عن بن الأجلح أنه قال سمعت الحي يقولون أن معدي كرب قال لأبي حنش ألا وضعته وضعاً رفيقاً فقال أبو حنش قتلي إياه كان أشد من طرحي له. قال وعرف أبو حنش الشر في وجهه فخافه على نفسه وهرب منه، وقد كان معدي كرب قال لأبي حنش: أغد إلي غداً لحبائك. فحذره أبو حنش وخرج وهو يقول: رب هبة قتلت صاحبها. [80] وبلغ معدي كرب أنه هرب فكتب إليه وهو يقول:

 

ألا أبلغ أبا حنش رسولا          فمالك لا تجيب إلى الثواب

أتعلم أن خير الناس طراً          قتيلا بين أحجار الكُلاب

تداعت حوله جُشم بن بكر          فاسلمه جعاسيس الرباب

 

43فأجابه أبو حنش:

 

أخاف بأن أجيبك ثم أُحبي          حباء أبيك يوم الضَّبُعَات

وكانت فعلة شنعاء قدما          تقلدها أبوك إلى الممات

 

44كان سبب الضَّبُعَات أن الحارث بن عمرو كان له سبعة من الولد أصغرهم يقال له عبد الله كان مسترضعاً في بني تميم، وكانت زوجة التميمي من بني بكر بن وائل فمات عبد الله عندهم وذكروا أن حية نهشته، فأرسل الحارث على مائة رجل من ساداتهم خمسين من تميم وخمسين من بكر فقتلهم بموضع يقال له الضَّبُعَات وهو الذي ذكره أبو حنش، وبسبب هذا الحلف لم تدخل كندة مع اليمانية في حرب ربيعة الحادثة بعد تبع ولا يوجد لهم فيها أثر ولا يوقف لهم منها على خبر. وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة يفتخر بحلف كندة ويمدح قيس بن معدي كرب الكندي فقال في ذلك:

 

فمن مبلغ خبراً وائلاً          واعني بذلك بكراً جهارا

فدونكم ربكم حالفوه أخا          الملك طاهر قوم طهارا

قفوا حيث أرست محافيره          وطيروا معاً حلفة حيث طارا

[81] خذوا نفسه واقنعوا          به مُنْعِمَاً وحليفاً وجارا

فإن الإله حباكم به          إذا اقتسم الناس أمراً كبارا

وكان لكم قربه عزة          فوسطكم ملكه واستنارا

 

45وقال أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم:

 

وكندة إذ هم بالحصاب عشية          يجيز بهم حجاج بكر بن وائل

حليفان سدا عقد ما احتلفا له          وردا عليه عاطفات الوسائل

 

46فلم تزل ربيعة حافظة لحلف كندة في الجاهلية والإسلام حتى غدر معن بن زائدة الشيباني بعمرو بن الحارث الملك الحضرمي، وقيل بالمعافر وحضرموت، من قتله غدراً، فخرج عقبة بن سالم الهنابي من الأزد فولي البحرين واليمامة للمنصور ففعل في ربيعة مثل ما فعل معن باليمن قتل وغدر وسجن وقال: غدرة بغدرة يا معاشر ربيعة لو وفيتم لوفينا والبادئ أظلم.

 

42 في الأصل (المصراه) والصواب ما أثبتناه.

47ولما انقطعت المغازي بعد ملك أسعد الكامل في أيام ولديه حسان وعمرو انتفضت الفرس وغيرها من الأعاجم وامتنعوا من أداء الخراج، فلما ملك تبع بن حسان عظم ملكه وكان في زمن الملك الحارث بن عمرو المقصور الملك الكندي، وكانت أم الحارث بنت حسان بن أسعد الكامل أخت تبع الملك، فعاث الحارث في بلاد الأعاجم واستولى على كثير منه، وكان ملك الفرس قباذ فأرسل قباذ إلى الحارث يصالحه على أن للحارث ما دون البصرة42 ولفارس ما وراءها، وأعطاه ما دون البصرة إلى عمان إلى البحرين إلى الشام فلم يقبل الحارث ذلك، فزاده قباذ [82] من سقي الفرات ستة طساسيج فقبل وقفل رجعاً عن بلاد فارس وكتب إلى خاله تبع بن حسان وهو بقصر الملك باليمن إني قد طمعت بملك الأعاجم وأن ليس لي دون ملكهم مانع فاقبل إليّ. يجمعك فإن عليهم ملكاً زنديقاً لا يأكل اللحم ولا يريق الدم. فجمع تبع الجموع وأقبل حتى نزل بالحيرة ثم تحول إلى الفرات فآذاه البعوض فأمر الحارث له بنهر فسيق إلى النجف وهو نهر الحيرة فنزل على النجف، ثم بعث إلى قباذ جموعاً فقتلوه، ثم قفل راجعاً إلى اليمن فأقام الحارث ملكا هنالك حتى هلك. وذلك أن الملوك من ولد كهلان في علو شأنها وعظم ملكها لا تقدم ولا تحجم إلا عن رأي الملوك من حمير إخوتها على ما جرت به العادة والشرط من مجلس عبد شمس سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فهم على ذلك إلى أن انقرض ملك حمير.

 

43 مَسْحُلاَن ذكره النابغة في شعره حيث قال: سأربط كلبي أن يريبك نباحه           وإن كنت أرعى مسحلان و (...)

48وكان سبب موت الحارث الملك الكندي أنه خرج حتى نزل مُسْحُلاَن43 وطرد عانة من الظباء وانفرد منها تيس فألظ به فأعجزه فآلى يميناً ألا يأكل إلاّ من كبده. فطلبته الخيل حتى أتوا به بعد ثالثة وقد كاد الحارث أن يموت جوعاً فذبح التيس ثم طرحت كبده على النار فتناول منه وهي حارة فأكلها فمات فدفن بمسحلان، وفيه يقول امرؤ القيس بن حجر الكندي:

 

سقى الله قبراً بالثوبة ثاوياً          وقبراً بهيث حيث أمسى وأصبحا

وقبراً على مسحلان محله          وقبراً سقى صوب الغمام بمرجحا

أولئك أبناء الملوك رزيتهم          فعيني سجال دمعها ثم مسفحا

 

49[83] وبعد ذهاب الحارث تأثل الملك لآل المنذر وعظم وتناقص ملك حمير بعد تبع بن حسان فاستبدت ملوك كهلان بأماكنها، وحينئذ انتشرت بنو عدنان وعظمت شوكتها وامتنع بعضها عن آداء الخراج.

 

NOTES

1 كتب فوقها في الأصل: الفعال.

 

2 معن بن زائدة بن عبد الله بن مطر الشيباني من أجواد العرب وشجعانهم عاش في العصر الأموي في أواخره مكرماً فلما آل الأمر إلى بني العباس استتر ثم قاتل بين يدي المنصور أهل خراسان فجعله من خواصه، ثم ولاه اليمن فبطش بأهلها، ثم ولي سجستان فتبعه بعض من له ثأر من أهل اليمن فقتلوه هنالك وذلك سنة 151 هجرية. ترجم له الجندي والخزرجي والجعدي وغيرهم من أهل اليمن كما أن أخباره مبسوطة في كتب التاريخ الاسلامي.

 

3 وهو في أكثر الاحتمالات أبو كرب أسعد المعروف لدينا من خلال النقوش الحميرية وقد حكم في الربع الأول من القرن الخامس الميلادي وقام بحملات عسكرية في أواسط شبه جزيرة العرب وترك لنا نقوشا في وادي مأسل – المملكة العربية السعودية.

 

4 مَوْكَل بلدة في مخلاف صباح وأعمال رداع.

 

5 بَيْنُوْن حصن حميري شهير في مخلاف ثوبان من بلاد الحدا إلى الجنوب من صنعاء.

 

6 المَعَافِر بلاد واسعة من محافظة تعز منها اليوم بلاد الحجرية إلى الجنوب والغرب من تعز.

 

7 أبْيَن هي مدينة عدن وما والاها شرقاً فيما يعرف اليوم بدلتا أبين وهي بلاد خصبة زراعية من مدنها زنجبار.

 

8 غَيْمَان حصن في بلاد بني بهلول قرب صنعاء إلى الشرق منها.

 

9 أيَلة ذكرها ياقوت بانها مدينة على ساحل البحر الأحمر هي آخر الحجاز وأول الشام سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه السلام. راجع(ياقوت الحموي، معجم البلدان، م1، ص202).

 

10 كذا، ولم نتعرف عليه، وربما حصل تصحيف في اسم الموضع.

 

11 صَبِر جبل ضخم منيف واسع فيه قرى ومزارع وفي ربظة تقع مدينة تعز.

 

12 التَّعْكَر حصن شهير يقع إلى الجنوب من مدينة جبلة من بلاد إب.

 

13 الشَّام ويقصد به الشمال، وهو هنا من وجهة نظرنا شام ظَفَار عاصمة دولة حمير ويقصد به ما يسمى قاع قتاب أو قاع الحقل الذي يقع إلى الغرب من ظفار وليس إلى الشمال، وهو حقل يحصب سمي باسم الملك ذو يحصب هذا.

 

14 وهي شبام كوكبان من مغارب صنعاء وتسمى شبام أقيان.

 

15 هذا الملك الحميري معروف أيضا من خلال النقوش المسندية واسمه حسان يهأمن الذي حكم مع أبيه أبي كرب أسعد، المعروف بأسعد الكامل في المصادر العربية. ولدينا ملك حميري آخر يحمل نفس الاسم ومن عائلة أبي كرب أسعد، ولكنه حكم في الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي، وهو حسان ملك كرب يهأمن، وكلهم حملوا اللقب الطويل ”ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعراب طود وتهامة“.

 

16 سورة الدخان/آية 37.

 

17 كتب في الأصل: الجوّ.

 

18 ما بين القوسين لنا ليكتمل السياق.

 

19 مسند الإمام أحمد.

 

20 ديات قتلى.

 

21 هو يعقوب بن إسحاق المعروف ب (ابن السكيت) إمام في اللغة والأدب والأنساب، أصله من خوزستان ودرس ببغداد، وعهد إليه بتأديب أولاد المتوكل العباسي وجعله في ندمائه ثم غضب عليه فقتله وقيل أن سبب قتله كما روى صاحب الأغاني أنه قال للمتوكل أن قنبراً خادم علي خير منك ومن ابنيك. وذلك عندما سأله المتوكل عن المفاضلة بين ولديه والحسن والحسين، مات سنة 244 هجرية ببغداد. تناوله كثيراً صاحب الأغاني والمرزباني في معجم الشعراء والزبيدي في طبقات النحويين وله عدد كبير من المؤلفات منها إصلاح المنطق، والألفاظ والأضداد والقلب والأبدال، وشرح ديوان عروة بن الورد وقيس بن الخطيم، والأجناس، وسرقات الشعراء، والحشرات، والأمثال، وشرح في عدد من المؤلفات المنفصلة شعر: الأخطل، وأبي نواس، والأعشى، وزهير، وعمر بن أبي ربيعة، والمعلقات، وله كتاب غريب القرآن، والنبات والشجر، والنوادر، والوحوش، ومعاني الشعر. وقد عدد مؤلفاته الزركلي في الأعلام ولم يذكر من بينها كتاب المساند والمحامد المذكور هنا. راجع الأغاني، ج 2، ص 471-478.

 

22 كلمة غير واضحة.

 

23 نوع من الملابس المصنوعة في اليمن.

 

24 المقاول كما ذكرناه جمع (قيل) ويقصد به بلغات أهل اليمن القديمة أفراد ينتمون إلى بيت رئاسة القبيلة.

 

25 كذا في الأصل، والصواب (يصطنع) بمعنى يتخذ.

 

26 من بين الأذواء المذكورة في النقوش المسندية: ذو يزن، ذو جدن، ذو رعين وأما بقية الأذواء المذكورة هنا فغير معروفة في النقوش القديمة.

 

27 المقصود هنا بقصر غُمدان المذكور في النقوش المسندية والذي شيده ملوك سبأ في حوالي القرن الثاني الميلادي في مدينة صنعاء عندما أصبحت العاصمة الثانية لمملكة سبأ.

 

28 سيف عدن يقصد به ساحل البحر من بلاد عدن.

 

29 خاو قرية من بلاد يريم تقع إلى الجنوب من مدينة يريم وكانت المنطقة المجاورة لها كلها قديماً تسمى بلاد التراخم.

 

30 المصانع جمع مصنعة وهو عبارة عن مرتفع من الأرض على هيئة جبل حصين يتخذ حصناً أو قلعة، وبلاد المصانع الحميرية هي بلاد كوكبان الواقعة إلى الشمال الغربي من صنعاء.

 

31 ظفار يريم أو ظفار حمير ورد ذكرها في النقوش المسندية في بداية العهد الميلادي، واتخذها الحميريون عاصمة لهم منذ بداية القرن الأول الميلادي وحتى سقوط امبراطورية حمير في القرن السادس الميلادي.

 

32 السيد الحميري واسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري شاعر متقدم مطبوع وله شعر كثير وذكر صاحب الأغاني في أخباره أن شعره هجره الناس لأنه كان يفرط في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه في شعره ويستعمله في قذفهم والطعن عليهم، وكان أبواه أباضيين فلما تشيع هما بقلته فأجاره عقبة بن سلم الهنائي، وقد مدح الأصمعي شعره وكذلك أبو عبيدة الذي قال فيه: أشعر المحدثين السيد الحميري وبشار. وقد أفرد له الأصفهاني من كتابه من الجزء الثاني قدرا وافرا من الصفحات، توفي ببغداد سنة 173 هجرية وله ديوان شعر جمعه وحققه شاكر هادي شكر كما ذكر الزركلي. راجع الأغاني، ج 2، ص 286، 292.

 

33 كتب فوقها: الدهر.

 

34 حجر بن عمرو الكندي ملك كندة، المعروف في المصادر العربية بآكل المرار، والذي كان يحكم في أواسط شبه جزيرة العرب، وهو معروف لدينا اليوم من خلال نقش مسندي تم العثور عليه في منطقة نجران، على بعد 25 كم جنوب غرب جبال كوكب، وقد حكم في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي.

 

35 طسم وجديس من قبائل العرب البائدة وكانت مساكن هاتين القبيلتين في البحرين وذكر ابن عساكر في كتاب التهذيب ووهب بن منبه في التيجان أن الملك حسان بن أسعد قضى على قبائل جديس باليمامة بعد طغيانهم على طسم. وذكرت بعض مصادر الإخباريين أن طسم تنتسب إلى لاوذ بن إرم وكانت مساكنهم في الأحقاف بين عمان وحضرموت وآخرين ذهبوا إلى أن طسم أقاموا مع جديس في أراضي بابل وعند غزو الفرس لها انتقلوا إلى اليمامة.

 

36 سورة الدخان/آية 37.

 

37 كانت قرية الفاو في القرن الأول الميلادي حاضرة مملكة قحطان ومذحج وكان ملكهم يحمل اسم معاوية بن ربيعة، وفي القرن الثالث الميلادي أصبحت عاصمة مملكة كندة وقحطان وكان ملكها ربيعة ذي آل ثور.

 

38 تم هذا الحلف في أكثر الاحتمالات في القرن الخامس الميلادي في عهد أبي كرب أسعد، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم طود وتهامة.

 

39 هو صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب والجوهرتين.

 

40 يقصد عبيد بن شرية الجرهمي.

 

41 نصر بن سيار بن رافع الكناني، كان أمير مضر بخراسان وكان شجاعاً داهياً ولي إمرة خراسان سنة 120 هجرية وغزا بلاد ما وراء النهر وقويت في أيامة الدعوة العباسية فكتب إلى بني مروان يحذرهم منها فلم يأبهوا لكلامه وبعد فترة تغلب أبو مسلم على خراسان فخرج نصر من مرو ورحل إلى نيسابور فسير أبو مسلم إليه جيشا بقيادة قحطبة بن شبيب فاستنجد بالمروانيين وقادتهم و أخذ يتنقل ثم مرض في صحراء بين الري وهمذان وتوفي بساوة سنة 131 هجرية. (الزركلي، الأعلام، ج 8، 23).

 

42 في الأصل (المصراه) والصواب ما أثبتناه.

 

43 مَسْحُلاَن ذكره النابغة في شعره حيث قال: سأربط كلبي أن يريبك نباحه           وإن كنت أرعى مسحلان وحامرا

وقال ابن السكيت في شرحه مسحلان وحامر واديان بالشام. ويبدو أنه الموضع الذي كانت فيه المعركة بين العرب التي سميت بيوم مسحلان. راجع ما ذكره عنه ياقوت في معجمه في مادة الميم.