نحو خطاب عقلاني للرد على جريمة حرق المصحف الشريف

سبت, 22/07/2023 - 11:36

تتوالى ردود الأفعال الرسمية والشعبية في دول العالم -ولا سيما العالمين الإسلامي والعربي- على جريمة حرق المصحف الشريف في السويد، وإن كانت هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها متطرفون في ذلك البلد بحرق كتاب الله، فمنذ أشهر وتحديدا في يناير/كانون الثاني الماضي قام أحد الساسة المتطرفين بحرق المصحف أمام السفارة التركية، لكن توقيت القيام بهذه الجريمة النكراء في أول أيام عيد الأضحى المبارك يعتبر في حد ذاته جريمة أخرى.

ويبدو أن انتهاك المقدسات الإسلامية وجد في الآونة الأخيرة أرضا خصبة في العالم الغربي، وذلك نظرا لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية قد تتباين في الدافع نوعا ما إلا أنها تتحد في الإساءة.

وعلى الجانب الآخر في العالم الإسلامي يبدو أن ردود الأفعال عفوية تتراوح بين المظاهرات الشعبية والتنديدات الرسمية في حدها الأدنى وبين دعوات المقاطعة والمواقف الدبلوماسية في حدها الأقصى، وهو ما ينذر بالتكيف اللاشعوري مع هذه الأحداث المتكررة، مما يولّد تبلدا في المشاعر وقبولا بالأمر الواقع في العقل الجمعي لدى الشعوب الإسلامية، وهو ما قد يترتب عليه مزيد من الانتهاكات والتجاوزات.

وعليه، ينبغي اتخاذ خطوات إجرائية وعملية للتصدي لهذه الجريمة الشنعاء، وفي تقديري أن أولى هذه الخطوات هي انتهاج خطاب عقلاني يخاطب به المجتمع الغربي جماهيريا ورسميا، وهذا الخطاب ينطلق من أرضية مشتركة ألا وهي القيم الإنسانية والمواثيق الدولية وتفسيرات النصوص القانونية، مع الوضع في الاعتبار أن الخطاب ينبغي أن يكون خطابا حضاريا يشمل كل المقدسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية، وذلك تماهيا مع قيم الإسلام التي كفلت قبل المواثيق الدولية حرية الاعتقاد وحفظ المقدسات وصونها، ويمكن سرد الأسس التي يقوم عليها الخطاب على النحو التالي:

إن الاعتداء على المقدسات الدينية (الإسلامية وغير الإسلامية) عمل مناقض لميثاق الأمم المتحدة، إذ يدعو للكراهية والتمييز العنصري، وهو ما يتناقض مع الفقرة (3) في المادة (1) من نص الميثاق الذي يدعو إلى تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، وكذلك يتناقض مع الفقرة (3) من المادة (55) من الفصل (19) التي نصت على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعليا، وهو ما يستوجب على المجلس الاقتصادي والاجتماعي القيام بدوره في ضمان احترام الحقوق، إذ تنص الفقرة (2) من المادة (62) في الفصل (10) على أن للمجلس أن يقدم توصيات في ما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها.

إن حرية التعبير ينبغي أن تحترم حقوق الآخرين، ومن ثم فإن الاعتداء على المقدسات الدينية يعتبر انتهاكا صريحا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث اشترط الإعلان في مادته (29) الفقرة (2) على أنه على كل فرد أن يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته للقيود التي يقررها القانون الذي يهدف إلى ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء العادل بمقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاهية الجميع في مجتمع ديمقراطي.

إن الاعتداء على المقدسات الدينية كذلك يهدد السلم والأمن الدوليين، إذ يسهم بشكل مباشر في نشر التطرف والإرهاب، ويعد مبررا غير مشروع للجماعات المتشددة في استخدام العنف وانتهاك القانون، وتهديد السلم والأمن الاجتماعي، وقد نص ميثاق الأمم المتحددة في مادته الأولى على أن مقصده الأول حفظ السلم والأمن الدوليين.

وترجع أهمية هذا الخطاب المستند إلى المواثيق الدولية والحجاج القانوني إلى كسب الرأي العام العالمي أولا، والضغط المشروع على الحكومات والمؤسسات الدولية لسن تشريعات تجرم المساس بالمقدسات الدينية، وتكفل عدم تكرار الإساءة لمقدساتنا، والظروف العالمية حاليا مهيأة لتبني هذه التشريعات، وقد أسفرت من قبل جهود منظمة التعاون الإسلامي عن صدور قرار أممي من الأمم المتحدة باتخاذ 15 مارس/آذار يوما عالميا لمكافحة "كراهية الإسلام" (الإسلاموفوبيا).

 

وختاما، لا يفوتنا التأكيد على أمرين: أولهما أن هذا الخطاب العقلاني موجه بالدرجة الأولى إلى المجتمعات الغربية التي يناسبها الحوار بالحسنى والمجادلة بالعقل والمنطق، ولا تأبه للخطاب العاطفي والردود العفوية، والأمر الآخر أن هذا الخطاب لا يعد بديلا عن ردود الأفعال المشروعة التي تقوم بها الشعوب الإسلامية نحو المظاهرات السلمية والمقاطعة الاقتصادية، فهو خطاب مكمل يستهدف شريحة مختلفة فكريا ومتباينة حضاريا ومتنوعة ثقافيا، ويستثمر مسارا مؤثرا يمكن أن يضع حدا فاصلا لهذه الانتهاكات