صحيفة (اندبندنت ) موريتانيا تواجه تحدي توفير الفرص لـ"جيش" العاطلين عن العمل

اثنين, 07/08/2023 - 20:32

سيدخل أكثر من 50 ألف شاب وفتاة موريتانيين خلال أيام مسابقة حكومية لاختيار أقل من 400 موظف وموظفة. حجم أعداد الطامحين بالحصول على وظيفة حكومية يشي بعمق أزمة البطالة في بلد تقدر مؤشرات التنمية أن نسبة العاطلين من العمل فيه بلغت 31 في المئة.

وتطرح مشكلة البطالة تحدياً سياسياً واجتماعياً وتنموياً أمام الحكومة الموريتانية، وتسعى السياسات العمومية في مجال التشغيل إلى تخفيف أعداد العاطلين من العمل، باستحداث مشاريع وتغيير نظرة بعض الشباب إلى الأعمال الحرة التي يعتبرها غير لائقة، إضافة إلى تشجيع آلاف الشبان الموريتانيين للتوجه إلى ريادة الأعمال والتكوين المهني الذي تحتاج إليها سوق العمل الموريتانية.

تعددت الأسباب

يعيش عبدالله السعد منذ أربع سنوات في بطالة تامة، منذ أن تخرج في قسم الرياضيات البحتة بكلية العلوم في جامعة نواكشوط. وعن أسباب عدم حصوله على فرصة عمل يقول عبدالله إن "هناك سبباً سياسياً، فالحكومة لا تريد الاستقلال المالي للشباب لأن ذلك سيمنحهم حرية في الأفكار بعيداً من التبعية للدولة. وبطبيعة الشباب المتحرر والتواق للوقوف مع القضايا العادلة سيعارض الحكومة وهذا ما تخشاه". ويتفق معظم الشباب الموريتاني على أن البطالة تتفشى بينهم، بينما يختلفون في تفسير الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الواقع.

وأضاف عبدالله أن "هناك سبباً آخر، وهو سرعة تغيير الوزراء المعنيين بقطاع التشغيل في البلد، ولذلك تختلف الرؤى والاستراتيجيات التي يضعها كل وزير ولا يعطى الوقت لتنفيذها، كما أن طبيعة الاقتصاد الموريتاني الذي لا يتوفر على صناعة تحويلية يجعل مواردنا تصدر بشكل خام، بالتالي لا توجد مصانع لتشغيل جيوش العاطلين من العمل".

من جهة أخرى، أفاد الباحث الاقتصادي الحسين محمد عمر بأن "قياس معدل البطالة في موريتانيا يخضع لعملية جدلية قديمة، فالحكومة تقدم معدلات من خلال الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديموغرافي والاقتصادي والتي تشير إلى نسبة بطالة بلغت 12.2 في المئة لعام 2019، في حين يرفض بعض الشباب هذا المعدل، إذ يرون أنه يتجاوز 30 في المئة".

ورأى سيد المختار سيدي، المتابع لسياسات التشغيل في موريتانيا، أن "ظاهرة ارتفاع عدد المتقدمين لمسابقات الوظيفة العمومية هي انعكاس لتفشي البطالة في صفوف الشباب من الخريجين وحاملي الشهادات، الذين تم تكوين معظمهم في مجالات لا تتلاءم مع سوق العمل، بالتالي يبحثون عن فرصة عند كل إعلان للتوظيف، علاوة على أن الاكتتابات في الوظائف العمومية قليلة".

 

سيدات موريتانيات يطرزن خيما تلاقي إقبالا كبيرا وتحديات أكبر

تلافي المشكلة

واستحدثت الحكومة الموريتانية قبل سنوات حزمة مشاريع موجهة لتشغيل الشباب، ممولة من الدولة أو من شركاء موريتانيا في التنمية، ومن أهم تلك المبادرات الحكومية "مشروعي مستقبلي" الذي يهدف إلى تمويل مشاريع مدرة للدخل ومواكبة الشباب الراغبين في دخول مجال ريادة الأعمال والمقاولات.

وبحسب السالك زيد المسؤول الإعلامي لـ"مشروعي مستقبلي"، فقد مولت هذه المبادرة التي تتبع لوزارة التشغيل والتكوين المهني، 482 مشروعاً في النسخة الأولى منها وفي النسخة الثانية تخطى عدد الشباب المستفيدين من التمويلات الـ603 أصحاب مشروع، وفي نسختها الحالية وهي الثالثة على التوالي، بلغ العدد 1713 مستفيداً، مما خلق فرص تشغيل مباشرة لـ8355 شاباً وفتاة.

ويحظى المشروع الذي هو ثمرة شراكة مع وكالة التنمية الفرنسية باهتمام آلاف الشباب الموريتانيين الراغبين في تمويل مبادرات فردية تخرجهم من دائرة البطالة.

وبحسب السالك "يملأ الراغبون في الحصول على تمويل من المشروع لمبادراتهم استمارات يقدمون فيها نقاط موجزة عن أفكار مشاريعهم. ويشترط للقبول ألا يكون المتقدم يعمل في الوظيفة العمومية".

ويشترط في أي مشروع توفير ثلاثة فرص عمل لشباب.

ويقول السالك "استفاد شباب من طبقات هشة لم يكن لهم أن يجدوا فرص تمويل لمشاريعهم من قبل المؤسسات المالية بسبب شروطها القاسية، بينما يتم تمويل مشاريعهم من قبل المشروع بقروض ميسرة تراعي وضعياتهم وتتم مواكبتهم بالتكوين والتأطير من البداية من أجل استمرارية مشاريعهم".

أحد المشاريع التي نالت تمويلاً من مشروع يدعم مبادرات الشباب العاطل عن العمل (اندبندنت عربية)​​

عقبة العقليات

من ناحية ثانية، تقف العقليات الاجتماعية عائقاً في وجه اندماج الشباب الموريتاني في المهن الحرة التي يعزف معظمهم عن ممارساتها.

وذكر الباحث الاقتصادي الحسين محمد عمر أن هناك "شباباً يرفضون أن يكونوا بنائين أو لحامين أو عمال استقبال أو تنظيف في فندق، لأن المجتمع يعيب صاحب هذه المهن، فهو مجتمع غير عملي، بل اتكالي إلى أبعد الحدود، والدليل على تأثير مسلكيات المجتمع، أن من يرفض مهناً معينة في موريتانيا يمارسها حين يكون في سوق عمل حقيقية لأن سلطة المجتمع غائبة".

كذلك، أفاد سيدي المختار سيدي بأن "هناك نظرة مجتمعية ما زالت سائدة تنظر بنوع من الدونية إلى بعض الأعمال وتحول دون ممارستها من طرف الشباب العاطلين من العمل، كما أن البيئة الاجتماعية عموماً لا تشجع كثيراً على الإنتاجية والتوفير وخلق المشاريع الصغيرة وتطويرها".

ولا تقف عقبات تشغيل الشباب عند النظرة الاجتماعية فقط، بل تتعداها إلى عوامل عدة أخرى، من بينها ما ذكره سيدي المختار قائلاً إن "آلية التوظيف العمومي التقليدية ليست قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من حملة الشهادات الذين يزدادون سنوياً، كما أنه لا توجد سياسات فعالة لخلق وظائف كثيرة في القطاع الخاص المصنف، ولذا ينتهي الأمر بكثيرين إلى العمل في القطاع الخاص غير المصنف أو البقاء كعاطلين من العمل، وبخاصة في أوساط النساء