صحوة متأخرة للدعاة المأ مورية الثالثة وصناع النفاق السياسي ... فاتكم القطار.....

ثلاثاء, 01/01/2019 - 17:31

ينطوى النفاق السياسى على مبالغات فاضحة، يكون لها وقع صاخب على الآذان، رغم أن الجذر اللغوى لكلمة «نفاق» أقل بكثير من أن يمنح هذا الضجيج، نظرا لخسة المنافق ونزوعه إلى الهروب والتزلف والانزلاق والمراوغة، بما يجعل من الطبيعى ألا يمتلك صوتا عاليا، وصل إلى حد أن يطلق عليه البعض اسم «التطبيل" كمايجري الأن في موريتانيا.

فالمبالغة فى تصوير الحاكم، جسدا وعزيمة وفهما وإرادة وتصرفا وانحيازا لمقتضيات مهمته، تصنع بمرور الوقت مفارقة ساخرة، فإن قال عنه منافقوه، لاسيما إن كانوا قد صاروا مشهورين بين الناس بهذه الخصلة الممقوتة، إنه عظيم رآه المحكومون ضئيلا، وإن قالوا عنه فهيما رآوه معطوب الذهن، وإن قالوا محبا لشعبه، رأوه على النقيض، وإن قالوا طيب النية، بان سيئ الطوية.

ويصنع كلام المنافقين أفكارا كانت غائبة عن الحاكم فالمبالغات السياسية التى ترد على ألسنة العموم، مثل ريئس الفقراء  «أزهى عصور الديمقراطية» و«عهد الإنجازات الهائلة» و«الرئيس الضرورة» و«الزعيم الأوحد» و«القيادة التاريخية» إلا أنها عبارات جوفاء، تزيد من جعل الواقع أكثر قبحا وجهامة...

والمبالغات المصاحبة للنفاق الزاعق المتجاوز للأخلاق والأعراف، أو المناقض التام للواقع، تؤدى إلى عكس ما يريده الحاكم الممدوح، أو المتزلف إليه. والذروة فى هذا ربما تكون ما جاء على لسان ريئس الحزب الحاكم الناطق بسم الحكومة حاليا ولد محم.في مدينة بتلميت حين وصف ولد عبد العزيز بأنه يؤمن من خوف ويطعم من جوع, هذا المتزلف لم يلقي بالا لكلماته التي أضرت كثيرا بالمتزلف وبالريئس.وهذا الصنف من النفاق ليس جديدا علي العرب.حيث قال لالشاعر ابن هانئ الأندلسى، الذى أطلق عليه لقب متنبى المغرب العربى، فى مدح الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى، الذى كان أتباعه ينظرون إليه على أنه ظل الله على الأرض أو الحاكم باسم السماء، حيث قال له:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبى محمد.. وكأنما أنصارك كالأنصار

أنت الذى كانت تبشرنا به.. فى كتبها الأحبار والأخبار

ورغم أن المبالغة تراجعت مع البيت الثانى ثم الثالث، حيث أنزل الحاكم من مقام الله إلى مقام النبوة، أو من اللاهوت إلى الناسوت، فإن صورة هذه المبالغة ظلت متجاوزة إلى أبعد حد الواقع، فأساءت إلى الحاكم، فى وقت قولها ، بلوغ النفاق حدا لا يطاق، تجاوز قول شاعر آخر فى الرشيد «كأنك من بعد الرسول رسول» أو وصف الخليفة العباسى المتوكل «ظل الله الممدود بينه وبين خلقه»، وكل أبيات النفاق التى أنشدت فى مدح ملوك بنى أمية.

ومقارنة بهذا يظل بيت النابغة الذبيانى الذى مدح به النعمان أبو قابوس ملك الحيرة، عاديا، رغم ما انطوى عليه من مبالغة سياسية، حيث قال له:

ألم تر أن الله أعطاك سورة.. ترى كل ملك دونها متذبذب

فإنك شمس والملوك كواكب.. إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وإذا كان بعض الشعراء من من رسخ ثقافة النفاق فى التاريخ العربي ، فإن منتجى النفاق فى موريتانيا موزعون على مسؤلين كبار وبرلمانيين وشيوخ قبائل ومثقفين وموظفين و كتاب صحفيين ومذيعى تليفزيون ة وسياسيين وفنانين وتجار وكبار موظفين وأصحاب أموال وأعمال ويصل الأمر إلى بعض العوام، ممن يرجون من نفاقهم نفعا أو يتقون به شرا.

ويغرق خطاب المنافقين فى مجازات سياسية، كثير منها عابر ومستهلك ومكرور، فما يقوله المنافق التاريخى لحاكم اليوم، سبق أن قاله لحاكم الأمس، الذى ما إن ترك الحكم، ميتا أو مقتولا أو معزولا، حتى هجاه، أو تنصل منه، بعد أن تحين اللحظة المناسبة للقفز من سفينته الغارقة. وتزداد مبالغات المنافقين فى اللحظات السياسية الفارقة، أو المراحل الحاسمة والظروف الاستثنائية المعقدة التى يكون فيها المجتمع غير مهيأ بصورة غير عادية لتقبّل ما يبثه المنافقون من دعايات كاذبة ومقولات تضليل مريبة وإشاعات لتزييف الحقائق، ومنها لحظة تولى الحاكم، أو إن كان الصراع بينه وبين غيره على الحكم قد بلغ مداه، أو فى وقت الانتخابات، التى يمتد فيها النفاق السياسى من مداهنة الحاكم إلى محاولة استرضاء الرأى العام بمجاملته على حساب الحقيقة الواقعية، بما يؤدى إلى الإضرار بالسوية الاجتماعية، وإذكاء الخلافات، وإثارة النعرات، وتوسيع دوائر الفساد.

وصارت المناسبة الأخيرة فرصة متكررة لممارسة النفاق السياسى حتى».

وهذا اللون من المبالغات المتناقضة يتماشى إلى حد بعيد مع ذلك التناقض فى أداء المنافق وتصرفاته التى عبر عنها حديث منسوب إلى الرسول (ص) يصف فيه المنافق بأنه: «إذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان». وهذا التناقض، وذلك الإفراط فى المبالغة ربما يشكل عبئا على صاحبه، لأنه يدرك أنه يكذب جبنا أو طمعا، وهو ما يعبر عنه على بن أبى طالب رضى الله عنه بقوله: «إن من النفاق ما هو أصعب احتمالا على أصحابه من الصراحة»، كما أنه صعب على الحاكم إن كان يدرك عواقبه، حيث يضر بصورته أمام شعبه، إذ إن النفاق السياسى كان، ولا يزال، السمة المميزة للقادة الغارقين حتى آذانهم فى المؤامرات السياسية ويؤكدون بمنتهى الاستهانة بالعقول أنهم أبعد الناس عن المطامع السياسية.

وهو ما يعبر عنه عبد الرحمن الكواكبى بقوله: «الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان.. فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر وتارك حقه مطيع، والمشتكى المتظلم مفسد، والنبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين. وقد اتبع الناس فى تسميته النصح فضولاً، والغيرة عداوة، والشهامة عتّواً، والحميّة حماقة، والرحمة مرضاً، كما جاروه على اعتبار النفاق سياسة، والتحيل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة».

وكالة الإعلامي