تحقيق حصري " لوكالة الإعلامي" بائعات الشاي..في الأسواق تجرعنا كأس المهانة والذل والوقوع في نارالمعاناة بسبب رسوم وغرامات باهظة تفرضها اللبلدية.

سبت, 19/01/2019 - 18:01

الغرامة ثلاثة آلاف يموميا لمن تخالف القوانين

سلمي: هناك تناقض بين أقوال وأفعال المسؤولين في البلدية

حتى نتمكن من تقصي واقع مهنة بائعات الشاي في الأسواق ، كان علينا امتهان ذات المهنة في أسواق ومواقع مختلفة، نستطيع التأكيد على أن التجربة كانت حافلة بالحقائق والمعلومات التي تستحق التدوين والتوثيق لجهة أن العاملات في هذا المجال يواجهن معاناة غير خافية تلمسناها بل تجرعنا كأسها، ونحن نجلس خلف الموقد ونتعامل مع زبائن مختلفي الأمزجة والاتجاهات.

نقطة البداية

اخترنا أن تكون البداية بالسوق الشعبي في السبخة المكتظ ببائعات الشاي وبالزبائن، شابة في العقد الثالث من عمرها رتبت لنا موقعاً مميزًا واستعانت بأدوات إحدى زميلاتها التي غابت في ذلك اليوم عن العمل لظروف خاصة، إذاً فقد نجحنا في الحصول على الموقع والأدوات المطلوبة وكذا المقاعد التي يجلس عليها الزبائن، جلسنا فترة من الزمن في موقع يقع وسط السوق وتحديداً بالقرب من معارض الأثاثات المنزلية، جلسنا لأكثر من ثلاث ساعات، ولكن كان الإقبال ضعيفاً، ولم تبع إلا لثلاثة زبائن كانوا في عجالة من أمرهم، وحينما بلغ بنا الملل مبلغاً عظيماً في ظل ضعف القوة الشرائية، هممنا بالمغادرة، إلا أن "نعمة" وهي بائعة الشاي التي استضافتنا طالبتنا بالانتظار وعدم التعجل، وقالت لنا: "مهنة بيع الشاي لابد لها من صبر"، وأشارت إلى أن ضعف الإقبال على احتساء الشاي والقهوة وغيرهما من مشروبات جعلها تفكر في الاتجاه للعمل في بيع الأطعمة، وجأرت بالشكوى من الواقع الاقتصادي وعدم قدرتها على توفير احتياجات أطفالها، غير أنها أشارت إلي أن متوسط دخل بائعات الشاي في اليوم لا يقل عن 3000أوقية وقد يرتفع إلى 4000، ولكنها قطعت بأن هذا المبلغ غير كافٍ لمواجهة متطلبات الحياة، بعد ذلك حضر أكثر من زبون لتناول الشاي، واحد منهم كأنما شك في أمرنا، وقال "شكلكن أول مرة تشتغلن شاي"، لم نشأ الرد عليه، في هذا المكان فإن الزبائن كانوا ودودين فقد تعاملوا معنا باحترام وأريحية.

في اليوم الثاني من جولاتنا، توجهنا ناحية سوق السبخة العام وفي الطريق المؤدي إلى حي اخترتنا موقعاً يكتظ ببائعات الشاي وضجيج ورش إصلاح السيارات بجانب والحدادة ، جلسنا بالقرب من بائعات الشاي لتلمس كيفية تعاملهن مع الزبائن، اخترنا أن نعرفهن بأنفسنا ورغبتنا في العمل في بيع الشاي بالقرب منهن، ولم نكشف عن هويتنا الصحفية، فكان أن وجدنا رفضاً من بعضهن، فيما وافقت آخريات يبدو أنهن قد أخذتهن الرأفة بنا، وبالفعل في اليوم الثاني أحضرنا المعدات المطلوبة، وجلسنا وسطهن ولم نشعر بالرغبة في وجودنا، ولكن من أجل إنجاز مهمتنا لم نعرهن اهتماماً.

الحقائق تتكشف

من خلال تواجدنا اكتشفنا حقائق تبدو غريبة بعض الشيء، منها أن المحلية تتولى مسؤولية جلب المعدات بواسطة شاب يحمل لقب اللمبي، وعرفنا أن جهة حكومية تستأجر لبائعات الشاي الكرسي الواحد في اليوم بواقع 200، بالإضافة إلى 500 للطاولة التي يضعن عليها أواني الشاي، بخلاف ذلك، فإن المتعهد يتحصل من بائعات الشاي رسوماً شهرية تبلغ 3000 بوصفها رسوماً للنفايات، وكذلك فإن بائعة الشاي مطالبة سنوياً بالحصول على تصديق مزاولة العمل بمبلغ 5000من البلدية ، لذا فقد طالبتنا عشية وهي بائعة شاي في ذات المكان باستئجار الأواني والمقاعد من تلك الجهة، ولأننا لم نكن نملك المال الكافي لاستئجار الأواني لم نجد غير العودة إلى نعمة التي طلبنا منها أن تعيرنا بعضاً من الأواني، وبالفعل وافقت على أن نمنحها قسطاً من المال الذي نتحصله، ولكن وجدنا صعوبة بالغة في العمل لعدم خبرتنا، وهذا جعل عدداً من الزبائن يتهموننا بعدم إجادة العمل خاصة صنع القهوة، عموماً تحملنا هذه الاتهامات الى أن انتهى اليوم، ونحن نهم بالمغادرة التقينا الشاب المسؤول عن الإيجار وأخبرناه برغبتنا في العمل في اليوم التالي، وطلبنا منه معدات وأواني فوافق وطالبني بالجلوس في الشارع  بدعوى وجود عدد كبير من الزبائن، غير أنه أفادنا بأن إيجار الكراسي في اليوم تبلغ 300 للطاولة وصندوق حفظ الأواني 500 اوقية ، ولكن في اليوم الثاني لم نعد مرة أخرى إلى سوق السبخة .

سوق كبتال .

في سوق كبتال لم نجد صعوبة في مزاولة مهنة الشاي بعد أن سمحت لنا حواء بالجلوس في مكانها لأنها كانت بصدد زيارة مريض بمستشفى جاه ، وقبل ذهابها شكت من معاناتها مع هذه المهنة خاصة التي قالت إنها تؤثر على عملهن كثيراً، وهو الأمر الذي يجبرهن على إجراء تسويات ودفع غرامات تبلغ 1000، وقالت إن من تريد العمل عليها دفع مبلغ للتصديق بالعمل، بعد ذهابها عملنا على بيع الشاي، ولكن لم نشعر بالراحة لوجود عدد كبير من الشباب الذين كانوا يتلفظون بألفاظ نابئة وهم يتجادلون في موضوعات مختلفة، خاصة الرياضية، وشعرنا بضيق من انبعاث دخان السجائر الذي كانوا يتعاطونه بشراهة، وواصلنا العمل إلى أن حضر شخص يرتدي نظارات سوداء وسألني عن اسمي لأنني ساعتها كنت أجلس في مكان بائعة الشاي، وأخبرته بأن اسمي "عبد الله  " فنظر إلى ورقة كان يحملها وقال لي إن اسمي غير مدون وطالبني

تناقض أقوال

بعد ذلك، استنطقنا عدداً من بائعات الشاي حول مهنتهن، وتقول سلمى بائعة شاي بأنه يوجد تناقض بين أقوال المسؤولين في وسائل الإعلام وأفعالهم على أرض الواقع، وتلفت إلى أن السلطات تمارس أسلوب القمع والإرهاب عليهن، واعتبرت سلمى ذلك إهانة واضحة وانتهاكاً لحقوق الإنسان بصورة عامة وحقوق المرأة بصورة خاصة، مشيرة إلى وجود عدد من الرجال يعملون في بيع الشاي لا يتعرضون لمضايقات.

حديث الأرقام

وبحسب جولة "الوكالة "، فإنه توجد1200) سيدة بائعة في هذه الأسواق تستفيد منهن البلديات والمسؤلين في الإدارة ، حيث يرفدن خزينتها بمبالغ يومية ضخمة لا تقل في البلدية الواحدة عن ستين ألف يوميا ، وهي مبالغ بحسب البعض كافية لإنهاء معاناة هؤلاء النسوة عبر تخصيص أماكن ثابتة وآمنة بعيداً عن أماكن الخطر كالطرقات، وعلى جوانب الشوارع الرئيسية والسريعة ومواقف السيارات.

وكشف تحقيقنا أن معظم بائعات الشاي يقمن بوضع الطوب لجلوس الزبائن بدلاً من استئجار الكراسي، لأن دخلهن اليومي لا يكفي لذلك.

ومن الحقائق التي توصلنا إليها من خلال هذا التحقيق، أن البلديات تفرض رسوماً وغرامات باهظة على بائعات الشاي يعجزن عن تسديدها، أو تكون سبب في ابتعادهن عن هذه المهنة، والذي وضح لنا كذلك أن 805 من بائعات الشاي أرامل يعلن أيتاماً، كما أن جهة رسمية إدارية تفرض عليهن استئجار الأواني والمقاعد، وهذا يضاعف العبء عليهن، إضافة إلى معاناتهن من الكشات المتواصلة

"تحقيق وكالة الإعلامي حصري"