القرصنة الفكرية ومفهوم القمع وحجب الافكار/ محمد الأمين يحيى

أحد, 26/05/2019 - 16:38

دخلت عبارة "القرصنة" حديثا في عالمنا وارتبطت في الصحافة بمحاولة طمس وسرقة البيانات وتحريفها سواء على المستوى المادي او المعنوي، وان كانت تعني السرقة مهما تطورت اساليبها، فقد انتقلت تسمية القرصنة من عمليّات تجري في البحار منذ ان جابت سفن الانكليز والهولنديين بحار كوكبنا الى مجال اوسع هو عالم الاتصالات الالكترونية وسميت "القرصنة الالكترونية" لوجود تشابه في بعض اوجه واسباب ونتائج الظاهرتين.

وقبل ان تغوص في اغوار هذه القرصنة فاننا نورد هنا الحد او العقوبة لها جنائيا في موريتانيا وفق بعض المساطر القانونية التي تعاقب هذه الظاهرة وفق المواد التالية:

المادة 2 :يعاقب نشر أو توزيع أو نسخ أنباء مغلوطة أو مستندات ملفقة أو مزورة أو منسوبة زورا لطرف ثالث بأي وسيلة كانت،

إذا أدت إلى اضطراب النظام العام عند القيام بها عن سوء نية، أو كان بإمكانها أن تؤدي إلى ذلك بغرامة تتراوح ما بين خمسمائة

 .أوقية) 3.000.000) ملايين وثلاثة) 500.000) أوقية.

و تزداد العقوبة من 120000إلى 1200000أوقية ويقـام بالمصادرة الإدارية لنسخ الجرائد وصورها والمنشورات الممنوعة أو تلك التي يستأنف نشرها تحت عناوين مختلفة او متطابقة.

وتنقسم هذه القرصنة الى "قرصنة الحقوق الفكرية" و تتعلق بسرقة النتاجات الفكرية من المؤلفات الكتابية او الفنية "مرئيات ـ صوتيّات ـ لوحات رسم..الخ "عن طريق اعادة النسخ والتوزيع او التقليد او التزوير او اعادة طبع المؤلفات غير المرخص لغرض الفائدة المادية غير القانونية، او اعادة الطبع لاغراض تضليلية ولايوجد تاريخ للطبع ولا حفظ للحقوق مما يدل على انه أكل لحقوق المؤلف بدون علمه وعلم ورثته،

يصف الكثيرين من المفكرين القرصنة الفكرية على انها أساساً سرقة أو انتحال مؤلفات الآخرين وأفكارهم وابتكاراتهم واستخدامها بدون إذن من أصحابها أو الحصول على تراخيص أو موافقات قانونية وشرعية تسمح بذلك.

 

أما حجب الأفكار فيعني أن يقوم شخص أو جماعة ما بإخفاء أو كتم أو طمس فكرة أو وثيقة او رأي أو اختراع أو عمل أو فعل ما يراد تقديمه أو إشهاره للناس.

 

ومثل هذه الممارسات تتصل أيضاً بغياب أو ضعف أو السيطرة على حرية الصحافة وحرية الإبداع في نظم كثيرة باتت مستهجنة وكريهة وغير مقبولة لأنها قامعة للرأي الآخر وللفكرة الجديدة والجادة للتحديث والإبداع الفكري.

 

وفي ظل زمن العولمة الذي نعيشه الآن يصبح من المضحك أن يمارس حجب الأفكار من قبل النظم السياسية أو الجماعات المهيمنّة على السلطة في هذه النظم الشمولية التي تدس أنفها في كل شيء إذ إننا نعيش عصر انسياب عظيم وكبير ومتسع لأبعد حدود لقد يكون الغرض منها جمع المال بالاشهارات والبضائع.

المعروف أن الحقائق كما نعلم عنيدة لا يمكن إخفاؤها طول الزمن وليعلم من يقوم بمحاولات إخفاءها أو تزويرها أو تزيفها أو طمسها أو كبتها انه لن يجني سوى مزيد من الفشل والانتكاس والاكتئاب والتخلف.

 

وظاهرة القرصنة وتصميم المواقع الالكترونية على ذات صحف قائمة تعكس عقلية بائسة متخلفة تصر على السباحة ضد التيّار وتجاهل التحولات الكبرى التي مر ويمر بها البلاد منذ فترات عشرية الانقلابات المنصرمة التي تجمدت فيها القوانين والدساتير.

 

وكرس لظاهرة عصر الدولة البوليسية التي تفرض ستاراً حديدياً حول مواطنيها من أجل طمس الحقائق عنهم وتزييف وعيهم حتى يستمر التحكم فيهم وقيادتهم وفق أهواء منظومة حاكمة من بعض السلط الرقابية الجالسة.

 

ولذلك فان هذه القوى الظلامية التي تمارس هذه القرصنة هم في واقع الأمر أعداء أنفسهم وأعداء الجهة التي يدعون بخدمتها وحمايتها لأن ممارساتهم تأتي بنتائج عكسية وتزيد من موجة الغضب والاحتقان وتؤكد ما يقال دائما من أن السياسات السائدة هي سياسات استبدادية تقمع وتمنع الرأي الآخر وتصادر التفكير والتعبير الحر.

 

ثم ان قرصنة وتخريب المواقع الإعلامية او اعادة كتابة الصحف وتصميمها الى مواقع سواء في الخارج أو الداخل تزيد من شهرتها ومصداقيتها وإقبال الناس عليها وهو ربما عكس ما أراده هؤلاء البائسون الذين وراء هذه الأعمال الصبيانية.

 

وقد أثبتت التجربة أن أصحاب العقلية الإقصائيّة القمعية التي تحرص على إسكات ووأد كل صوت يخالفها من منطلقهم وفلسفتهم أنهم غير قادرين على بناء أي شيء ولا يجيدون إلا الهدم والقرصنة والتخريب وهم بذلك يعجلون بزوالهم الحتمي.

 

إن ظاهرة القرصنة واختراق المواقع الالكترونية تعتبر اعتداء من قبل أفراد أو جماعات أو منظمات أو دول على مواقع الكترونيّة معينة ذات توجه سياسي أو ديني أو فكري مختلف مع توجه هذه الدول أو المنظمات أو الجماعات والطوائف.

 

ان القرصنة لها أنواع عدة منها قرصنة وممارسة الهيمنة على أفكار ورؤى أشخاص لهم توجه يختلف مع التوجه القائم في دولة ما .

 

ولقد عانت "صوت الحق" منذ نشأتها منذ 15 سنة من عدة مضايقات سواء على مستوى النشر او على مستوى الولوج الى البوابات اللالكترونية حيث اشتهرت بريادتها في مجال ولوج بوابات المدونات الحرة، الاخيرة التي عانت ايضا من القرصنة ومحاولة المنع في هذا الأسلوب القمعي.

 

ولاني سبق ان رفضت عدة عروض من الداخل من اجل تخصيص المواد التي انشرها فاني انوه الى ان القرصنة أو اختراق المواقع الالكترونية تعتبر من أساليب القمع الحديثة التي تعتمد على التقنية ليس من أجل التنمية وإنما من أجل شرعنة معتقدات معينة.

 

فلا فإن إعطاب المواقع والتجسس على بيانات المستخدمين أمر متاح لكل من يملك سبيل الولوج إلى الإنترنت فعلوم التخريب والتجسس الرقمي سهلة وميسرة لمن أراد التخريب، على الجانب الآخر "بالنسبة للأطراف المتضررة" في الغالب لا يعني هذا الأمر ـ إن حدث ـ سوى ساعات عمل إضافية فالإجهاز على موقع نهائيّا أمر شبه مستحيل.

 

الأهم هو الأثر النفسي الناتج عن أي عملية قمع.

 

إن من يقدم على إعطاب محتويات مواقع تقدم "وجهة نظر سياسية" ليس مراهقاً يتنمر أو يعبث بل غريم سياسي للأفّكار المطروحة من خلال هذه المواقع وهو لا يثبت غير ضيّق أفقه وقرب انقراض فصيلته المتسلطة، فحق التعبير عن الرأي لم يعد بالإمكان سلبه من الناس.

 

وفي الختام فإن المواقع التي تهاجم تستعيد عافيتها بعد أيام..والنخب المثقفة التي تقمع تصبح أكثر حدة وأميل إلى الصدام منها إلى المسالمة، من يقمع ومن يحجب ومن يخرب ويشوش يعكس أزمته الشخصية أولا، ثورة الاتصالات والمعلوماتية جعلت سيف الجلاد يصدأ وصارت معها الحياة أكثر مدعاة للتحرر من قيود العقود المنصرمة.

 

فالشعوب دائما في موعد مع الحرية. سينضجون أو يهلكهم الدهر.

 

 

محمد الامين ولد يحيى