توالت تطورات المشهد السياسي الموريتاني بشكل متسارع خارج توقعات المحللين، بعد مئة يوم فقط من الهدوء السياسي منذ تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً للجمهورية.
واعقب المشهد السياسي تطورات جديدة بعد قدوم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للبلاد قادما من اوربا فتمخضت عودته عن أزمات وقلاقل في الأوساط السياسية أحدثت تصدعا وشرخا كبيرا في بنية الحزب الحاكم الذي انسحب اغلب نوابه (80 نائبا) مرجحين كفة الرئيس ولد الغزواني وتسليمه رمزية مفاتيح القيادة للحزب كمرجعية حصرية للحزب الحاكم.
في غضون ذلك ندد الرئيس السابق وحشد مناوئيه -بعضا من اقاربه- معلنا انه لن يتخلى عن مرجعية قيادة الحزب الذي أسسه وأصبح لديه وزنا ديمقراطيا يعول عليه وفق تعبيره.
وبين تدافع الرفيقين على قيادة الحزب الحاكم قام ولد الغزواني احترازا لذلك بشق الجموع السحرية التي كانت تزمجر داخل برلمان يبدوا ان الغزواني لم يعترف به بعد كما يتحفظ عليه بعض الطبقات الاجتماعية والسياسية في موريتانيا ذلك ان الرئيس السابق اختزل غزفتيه في غزفة واحدة بعد حله لغرفة الشيوخ وإبقائه على غرفة النواب المؤيد أغلبهم له.
الغزواني قام بتدشين مقر جديد للبرلمان مما امتعض منه بعض النواب ولم يحضروا على جلسة داخل قبة البرلمان "القديم" كانت مقررة مع وزير العدل .
وعلى غير المتوقع توالت تطورات المشهد السياسي من جديد بفعل إصرار ولد عبد العزيز على التمرد على قرارات رفيقه والانقلاب على شرعيته في الاصرارئ ؤذغ على التحكم في حزب الاتِّحاد من أجل الجمهورية الحاكم وتسييره حسب قيادات سياسية شاركت في اجتماع عقده ولد عبد العزيز في بيته، تطورات أربكت المشهد السياسي، وألقت بظلالها على الاحتفال بالذكرى 59 لعيد الاستقلال الوطني المقام على بعد 250 كلم شمال نواكشوط.
كيف تشكلت الأزمة؟
لم يتوقع جُلُّ المتابعين أن الجدل الذي بدأ بعد اجتماع للجنة المؤقتة لتسيير حزب الاتِّحاد من أجل الجمهورية الحاكم لنقاش آلية إدماج بعض المبادرات السياسية في هيئات الحزب سيفجّر أزمة سياسية حول مرجعية الحزب، تصل إلى خلاف بين الرئيسين السابق محمد ولد عبد العزيز والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني رفيقَي الدرب لأكثر من أربعين عاماً، شهدا فيها كثيراً من المحطات، وتَحدَّثا عن مكانتها أكثر من مرة، بخاصَّة في الفترة الأخيرة في أثناء الانتخابات، وقادا خلالها انقلابين عسكريين أولهما عام 2005 على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطائع، وثانيهما الانقلاب على الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله عام 2008 بعد سنة واحدة من حكمه.
بُعيد عودته من سفر خارجي دعا الرئيس السابق إلى اجتماع مع لجنة تسيير الحزب، وجرى اجتماع مغلق لعدة ساعات تلاه بيان قدّمه المسؤول الإعلامي في لجنة تسيير الحزب النائب السابق سيد أحمد ولد أحمد، قال فيه إن ولد عبد العزيز طلب من اللجنة المضي قدماً في تحقيق الأهداف التي على أساسها تأسَّس الحزب، ودعا ولد عبد العزيز حسب البيان قيادة الحزب إلى التحضير لاستئناف أشغال المؤتمر الثاني للحزب في أفق النصف الأول من شهر فبراير القادم، دعوة فُهمت عودةً مباشرةً لتسيير الشأن السياسي من خلال الحزب.
وتداولت وسائل إعلام محلية اجتماعاً عقده ولد الشيخ الغزواني في القصر الرئاسي بحضور الوزير الأول ووزير الداخلية ووزير الطاقة الأمين العامّ للجنة تسيير الحزب ونائب رئيس البرلمان، أكَّد خلاله أنه هو مرجعية الحزب، وأن اللقاء الذي عقده الرئيس السابق بمقر الحزب كان خطأً سياسيّاً، كما أعتبر أن البيان الذي صدر بعده كان خطأً أيضاً.
بدوره عقد الرئيس السابق اجتماعا في بيته حضره بعض أعضاء لجنة تسيير الحزب وشخصيات قيادية فيه، أعلن فيه قراره مواجهة الإجراءات التي اتُّخذَت ولو بقي وحيداً.
حراك مناوئ وتطوُّرات متلاحقة
لم تكَد تتكشف الخيوط الأولى لدلالة عودة ولد عبد العزيز إلى المشهد السياسي من خلال ترؤُّسه لجنة تسيير حزب الاتِّحاد ودعوته للتحضير لمؤتمر الحزب المرتقَب، حتى توالت ردود الفعل المؤيدة والرافضة لعودته إلى المشهد السياسي، إذ دعا برلمانيون من الحزب إلى اجتماع طارئ داخل البرلمان لنقاش التطورات، لكن أوامر رئاسية صدرت إلى البرلمانيين بوقف الاجتماع إلى إشعار آخر.
نُظّم حفل عيد الاستقلال الوطني هذه المرة بحضور كل مكوِّن الطيف السياسي الموريتاني، ورؤساء موريتانيا السابقين، ووُجِّهَت دعوة إلى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لكنه لم يحضر الحفل (TRT Arabi)
واتهمت شخصيات سياسية من داخل الحزب في بيانات صادرة عنها عودة ولد عبد العزيز واجتماعه بلجنة تسيير الحزب بأنها تشويش على المشهد السياسي، كما اعتبرت شخصيات أخرى قيادية في الموالاة أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لا يمتلك أي صفة تخوّل إليه ترؤُّس لجنة تسيير الحزب، وأن حضوره "مستفز"، ثم توالت بيانات التأييد للرئيس الحالي، بدءاً بعُمَد الحزب ونوابه وأعضاء مجالسه الجهوية، ثم لجنة تسييره التي كانت الذراع السياسية للرئيس السابق منذ تشكيلها.
كرسيّ فارغ.. واحتراز أمنيّ
شكل غير مسبوق في البلاد على مرّ تاريخها، نُظّم حفل عيد الاستقلال الوطني هذه المرة بحضور كل مكوِّن الطيف السياسي الموريتاني، ورؤساء موريتانيا السابقين، ووُجِّهَت دعوة إلى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لكنه لم يحضر الحفل دون إعلان عن الأسباب، وقد ظلّ كرسيه فارغاً بجوار الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي انقلب عليه قبل أكثر من عقد من الزمن.
الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني أقال قائد الحرس الرئاسي العقيد محفوظ ولد محمد الحاج الذي يوصف بأنه مقرَّب من الرئيس السابق، وعيّن مكانه العقيد أحمد ولد لمليح قائداً لكتيبة الحرس الرئاسي المسؤولة عن الأمن الشخصي للرئيس والرئاسة.
وقد جاء قرارا الإقالة والتعيين قبل الاحتفال بعيد الاستقلال بيوم واحد، وقد صدرت أوامر عسكرية إلى كتيبة الحرس الرئاسي بمغادرة ساحة العرض العسكري، وهو ما اعتبره مراقبون إفشالاً لمخطَّط انقلابي أو أمني لم تتضح تفاصيله رسميّاً.
ويقول الكاتب الصحافي محمد يحيى ولد أبيه لـTRT عربي، إنه لا يعتبر ما جرى على المستوى الأمني محاولة انقلابية بحساب تفريعات الجيش الموريتاني التي توافر بعض كتائبه على عتاد وتجهيزات تفوق قوة كتيبة الحرس الرئاسي بعدة أضعاف، وإن ما جرى مجرد احتراز أمني، والرئيس السابق لا يشكل تهديداً أمنيّاً بمستوى انقلاب عسكري.
إلى أين يتجه الصراع؟
على مواقع التواصل الاجتماعي ووسط الصمت الرسميّ تتضاعف التخمينات حول مستقبل تطوُّرات المشهد السياسي والأمني، ويقول الكاتب الصحفي الهيبة ولد الشيخ سيداتي لـTRT عربي، إنه من الناحية السياسية يبدو أن الأمر حُسم، فجميع نواب وعمد ورؤساء المجالس الجهوية ولجنة تسيير الحزب المؤقتة التي اجتمع بها الرئيس السابق، أعلنوا انضمامهم ودعمهم للرئيس الحالي، ويعتقد ولد الشيخ سيداتي أنه من الناحية الأمنية لم يعُد للرئيس السابق أوراق يمكن أن يلعبها أو يؤثّر بها على المشهد السياسي.
ويعتقد المحلل السياسي سيد محمد ولد بلعمش أن الخلاف بين الرجلين ليس جديداً، بل بدأ قبل إعلان الرئيس الحالي تَرشُّحه للرئاسة الموريتانية، وأن ولد عبد العزيز استُدرجَ كي يواجه العقوبة التي يقدّرها له النِّظام، وأن سبب التصعيد بين الرجلين هو ملفات ذات بعد اقتصادي، وأن هناك تعليمات بمراجعة اتفاقيات الغاز التي وقَّعَتها موريتانيا، بالإضافة إلى مبالغ سُحبت من صندوق دعم الأجيال، ويضيف ولد بلعمش أنه من الساذج الاعتقاد أن الخلاف بين الرجلين جاء بسبب تحديد مرجعية حزب الاتِّحاد، وأن المشكل أعمق مِمَّا يتصوره جل المراقبين، ويرجّح ولد بلعمش أن أطرافا دولية غربية لها دور في تطورات المشهد السياسي لأمور تتعلق بالأمن في الساحل.
المصدر: TRT عربي بتصرف