بعد نشر محكمة الحسابات الموريتانية، مؤخرا، أربعة تقارير سنوية (2007-2017) سلطت الضوء بالأساس علي عشرية حكم الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز. ونظامه الفاسد وأكد الجهازالرقابي التابع للدولة أن التقارير، المنشورة باللغتين العربية والفرنسية، تأتي استجابة لـ"الأنشطة الرقابية للمحكمة" ومن أجل "تفعيل الشفافية".
غير أن الطبقة السياسية في موريتانيا تنظر إلى توقيت نشر هذه التقارير بعين الريبة، إذ يعتبرها محللون وسياسيون محاولة لإسكات الرئيس السابق، خاصة بعد تصاعد حدة الخلاف بينه وبين والرئيس الحالي محمد ولد الغزواني.
ويستند المحللون، الذين يعتبرون التقارير "رسالة سياسية إلى من يهمه الأمر"، إلى أن محكمة الحسابات لم تنشر أي تقرير من تقاريرها السنوية عن الرقابة خلال السنوات العشر الماضية من حكم الرئيس السابق، إلا بعد التجاذب الحاد الحاصل حاليا بين أنصار ولد الغزواني وولد عبد العزيز وأدى إلى تصدع داخل الحزب الحاكم
في المقابل، يرى أعضاء من داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم) أن الإعلام في موريتانيا والحقل السياسي يُسقط تأويلات "متعسفة" على خطوات إيجابية تستحق الإشادة، مؤكدين أن هدف التقارير المنشورة هو "محاربة الفساد وتعزيز الشفافية".
"تصفية الحسابات"
وفي هذا السياق، يعتبر المحلل السياسي والكاتب الموريتاني، محمد يحي ولد ابيه، أن نشر هذه التقارير يأتي في سياق الخلاف الحاد بين الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، والرئيس الحالي، محمد الغزواني. ويشير إلى أنها "ستُلهب الساحة السياسية وتعمّق الخلاف داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، لأنها مدفوعة بأهداف سياسية وليس غرضها محاربة الفساد".
ويضيف، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "تقارير محكمة الحسابات تحمل طعما سياسيا، لأن أعضاءها معيّنون من قبل جهات سياسية، وأعتقد أن إصدار أربعة تقارير في وقت واحد رسالة غير بريئة"، وتأتي مباشرة بعد غياب الرئيس السابق عن فعاليات رفع العلم ضمن احتفالات عيد الاستقلال الوطني، ونشوب خلاف داخل الحزب.
وقد اعترف الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، الأسبوع الماضي، بوجود خلافات بينه وبين سلفه، قائلا إن "مصلحة البلاد تقتضي الانفتاح على المعارضة"، في إشارة إلى أن الرئيس السابق يرفض التوجه القاضي بالانفتاح السياسي على الأحزاب المعارضة.
وتابع ولد ابيه: "الغرض هنا ليس كشف الحسابات وتفعيل الرقابة، فالمحكمة ليست جهة قضائية، إنما أداة سياسية تستخدم عادة لتصفية الخصوم".
وشدد على أن الهدف في هذه الظرفية هو "اقتلاع أنصار محمد ولد عبد العزيز من الحكم بعد أن يتم ربطهم بالفساد وفضحهم سياسيا"، مشيرا إلى أن "هذا التوجه بدأ بتغيير بعض القيادات داخل مؤسسة الجيش التي وصل إليها الخلاف بين الرجلين".
وبالفعل، فقد أكد ولد الغزواني أن "هناك تغييرا على رأس كتيبة الأمن الرئاسي"، لكنه نفى حدوث أي اعتقالات عسكرية أو محاولة انقلاب فاشلة، كما نقلت وسائل إعلام موريتانية في وقت سابق.
'لجم' طموح ولد عبد العزيز
من جانبه، يقول المحلل السياسي الموريتاني، عبيد إميجين، في حديث مع "أصوات مغاربية"، إن الهدف من نشر هذه التقارير "هو طيّ صفحات النظام السابق، والبدء في عهد جديد بقيادة الرئيس محمد ولد الغزواني". ويضيف أن هناك خلفيات سياسية بلا شك للإفراج عن تقارير تهمّ العشرية التي حكم فيها الرئيس السابق.
ويؤكد أن الخطوة "رسالة سياسية قوية لمحاولة لجم الطموح الجامح لولد عبد العزيز، الذي شهدت فترة حكمه فسادا كبيرا مسّ قطاعات كثيرة، كما تظهر هذه التقارير الرسمية"، موضحا أنه "من الصعب التنبؤ برد فعل أنصار الرئيس السابق حيال الإفراج عن هذه التقارير".
ومنذ توليه الرئاسة في موريتانيا خلفا لولد عبد العزيز، فاجأ الغزواني الكثير من المتابعين بقراره الانفتاح على أحزاب المعارضة، بما في ذلك حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (الإسلامي).
وعلى عكس سلفه، يرى الغزواني أن موريتانيا بحاجة إلى جبهة داخلية متراصّة قادرة على مجابهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المحدقة بالبلاد.
وفي هذا الصدد، يشير عبيد إميجين إلى أن "الكشوفات الفضائحية عن الفساد سوف تجعل الأنصار ينفضون من حول الرئيس السابق، وتعرّي وجوده السياسي ليجد نفسه في الأخير بلا حليف ولا صديق". واعتبر أن "من صالح موريتانيا طيّ صفحة النظام السابق، حتى يستطيع النظام الجديد إدارة الملفات الشائكة والتحديات الكثيرة التي تواجه البلد".
قراءة 'متعسفة' لخطوة إيجابية
في المقابل، تؤكد العضوة بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم)، منتان لمرابط، أن "الحقل السياسي الموريتاني مليء بالتحليلات المتعسفة للأحداث التي تقع"، مشيرة إلى أن "ما حدث خطوة إيجابية يجب أن تحظى بالإشادة، وليس ربطها بصراع غير موجود إلا في أذهان البعض".
وتضيف أن الرئيس محمد ولد الغزواني "كان واضحا في حوار أجرته معه لوموند، إذ اعترف بوجود خلاف في وجهات النظر"، لكنه يعتبر ولد عبد العزيز "شقيقه وصديقه"، وأن "المناخ السياسي في موريتانيا أعطى الموضوع حجما أكبر مما يستحق".
وترى منتان لمرابط، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن الحزب "يشهد نقاشا عاديا" بين من يريد أن يكون الرئيس الحالي المرجعية الوحيدة للحزب، ومن يدفع الرئيس السابق ليكون هو المرجعية باعتباره مؤسس الاتحاد من أجل الجمهورية في 2008.
وتضيف: "الحقيقة هو أن ولد الغزواني لا يمكن أن يكون رئيسا لأي حزب سياسي بمقتضى الدستور، لأنه رئيس الدولة ورئيس جميع الموريتانيين. في المقابل، فالرئيس السابق لا يمكن أن يكون المرجعية الوحيدة لكيان سياسي، لأن الأحزاب لا تقوم على الأشخاص وإنما على المؤسسات".
وبشأن التوقيت الذي اختارته محكمة الحسابات لنشر تقارير 10 سنوات سابقة، قالت إن "كل شيء معرض للتأويل بهذا الشكل، فمؤخرا تحدث الإعلام أيضا عن اعتقالات وفرض الإقامة الجبرية على بعض القيادات في الجيش بسبب قيام الرئيس بتغييرات داخل كتيبة الأمن الرئاسي، وهو كلام رد عليه ولد الغزواني بأنه محض كذب".
وشددت على أن "سبب نشر التقارير هو رغبة الرئيس الحالي في فرض الرقابة والمحاسبة على مؤسسات الدولة، وهو ما يؤشر على سياسة جديدة، ولا يعني محاولة تصفية الحسابات أو فتح ملفات العقد الماضي".
المصدر: أصوات مغاربية