في تقرير مشترك أعده مراسلو صحيفة “الغارديان” في القدس وغزة وعمان وإسطنبول استقرأوا مواقف الفلسطينيين وشعورهم بخيانة الدول العربية لهم ولقضيتهم بعد حفلات التطبيع العربي. وقالوا إن الاتفاقيات الدبلوماسية بين ملكيات الخليج وإسرائيل كشفت عن الصدع بين فلسطين والحكومات العربية وأثارت تساؤلات حول إمكانية الاعتماد عليها كداعم للقضية الفلسطينية.
وحاولت إسرائيل خلال السنوات الماضية تطوير علاقاتها مع دول الخليج الثرية التي تشترك معها في العداء لإيران والتي تتطلع للحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية في مجال الأمن والتجسس. وأثمرت جهود إسرائيل الأسبوع الماضي عندما وقعت الإمارات والبحرين اتفاقية دبلوماسية مع إسرائيل. ولا يمكن وصف الاتفاقيات بمعاهدات سلام لأن الأطراف الثلاثة لم تكن أبدا في حالة حرب، إلا أنها كسرت عزلة إسرائيل في المنطقة، وهي استراتيجية استخدمتها القيادة الفلسطينية على مدى العقود الماضية كورقة نفوذ ضرورية في كفاحها للاستقلال.
اعتبر عريقات أن الاتفاقين تشجيع ضخم للحكومة الإسرائيلية لمواصلة احتلالها
وقال السياسي الفلسطيني البارز صائب عريقات: “نشعر بالخيانة”، وشجب الاتفاقيين على أنهما “تشجيع ضخم للحكومة الإسرائيلية لمواصلة احتلالها”. وبناء على المبادرة العربية عام 2002 فقد عرضت الدول العربية التطبيع على إسرائيل مقابل دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال. ولكن السياسة هذه قوضت كما حذر السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط والذي كتب في صحيفة “هآرتس” بعد توقيع الاتفاقيات. وقال: “يناقش البعض أن “الطرق القديمة” فشلت وأن هناك حاجة لشيء جديد. ولكن المنطق يقول إن إسرائيل لن تنهي الاحتلال لطيبة قلبها، خاصة أنها حصلت على عدد من الفرص”.
وأضاف: “ربما قامت بعمل هذا لو منحت محفزات. ولكنها قليلة الآن بعد مكافأة الإمارات والبحرين لها بدون مقابل”. وأعلن الرئيس دونالد ترامب في أكثر من مناسبة أن دولا عربية أخرى ستعبر عن رغبتها بتوقيع اتفاقيات مماثلة، مقترحا تحولا جوهريا. ولم تفاجئ “اتفاقيات إبراهيم” كما يطلق عليها الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة ولكنها كانت مؤلمة.
وقال شادي أبو سمارة، 35 عاما، العامل الاجتماعي من رام الله: “تقوم العلاقات على المصالح المجردة ولم يعد أحد يهتم بالقضية الفلسطينية” و”لست مندهشا، وكان متوقعا في يوم ما وكانت هناك علاقات طويلة وقديمة بين إسرائيل ودول الخليج”. وقالت مدرسة الرياضيات داليا كرزون من رام الله إنها تفهم السبب وراء الاتفاقيات وهي محاولة دول الخليج بناء جبهة مع إسرائيل ضد إيران وإرضاء ترامب الذي تدعم قاعدته الإنجيلية إسرائيل. لكن ما أثار إحباطها وغضبها هو زعم الإمارات والبحرين أن التطبيع مع إسرائيل سيساعد الفلسطينيين: “يمكنهم عمل ما يشاءون لكن عليهم ربط هذا بمصالحنا لأن مصلحتنا هي إنهاء الاحتلال لا التصالح معه”.
وقال عرفات دف، 21 عاما، الطالب في غزة، إن التحرك أضاف خيبة أمل جديدة للفلسطينيين “من أنفسنا والعرب ومن العالم”. وحذر المسؤولون الفلسطينيون من أن الضغط الإقليمي بات مهما الآن أكثر من أي وقت مضى. وقالوا إن التهديد بالعزلة كان وراء إقناع إسرائيل بوقف خطط الضم هذا الصيف. وقال مسؤول فلسطيني بارز: “للعرب دور كبير”. وفي الوقت الذي تقول فيه الإمارات إن الاتفاقية مع إسرائيل جاءت مقابل وقف الضم إلا أن النقاد يرون أن بند وقف الضم جاء من أجل استرضاء الفلسطينيين. ولا يزال موضوع الضم أولوية للسياسيين الإسرائيليين.
وبالنسبة لحلفاء الفلسطينيين فإنهم قلقون. فالأردن الذي وقع إلى جانب مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد حروب مدمرة يرى في موقف اللامبالاة العربي مثيرا للإشكال. ويحذر الأردن الذي يشكل فيه الفلسطينيون غالبية من تداعيات اتفاق البحرين والإمارات. وقال رئيس الوزراء عمر الرزاز في مقابلة مع الصحيفة في تموز/يوليو: “سمعنا دولا تقول أشياء كثيرة ولكن مسؤولية الأردن هي قول الأشياء كما يراها وتحمل كل المسؤوليات التي تأتي معها”. و”في بعض الأحيان من الصعب قول الحقيقة كما هي ويحاول الناس تجنبها في بعض الأوقات. لكن مسؤوليتنا هي تذكير المنطقة والعالم أنه لو حرفنا النظر فسنندم”.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد تحرك ليملأ الفراغ الأخلاقي وقدم نفسه على أنه المدافع الوحيد عن فلسطين في المحافل الدولية. ففي كانون الثاني/يناير وبعد إعلان ترامب عن خطته للسلام التي احتوت معالم ضم الأراضي الفلسطينية أعلن أردوغان أنه لن يقبل المقترحات واتهم الدول العربية بخيانة القضية الفلسطينية. وقال: “عندما ننظر إلى مواقف الدول الإسلامية من هذه الخطوة والنص المنشور، فإنني أشفق على أنفسنا. فالسعودية سكتت في المعظم، فمتى ستتحدث؟ وهذا ينسحب على القيادة في عمان والبحرين وأبو ظبي”. وأضاف أردوغان أمام أعضاء حزبه، العدالة والتنمية: “الدول العربية التي تدعم خطة كهذه تخون القدس وشعوبها وفوق كل هذا الإنسانية