لا يتوهمن أحد بأن ما يُعتزم إجراؤه في شهر مايو / أيار داخل المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 (أو حيث تسمح سلطات الاحتلال به) من انتخابات رئاسية وتشريعية هو لاختيار من يمثل فلسطين وشعبها المتناثر في قارات العالم الخمس. إنما هي انتخابات لتقرير من ذا الذي سيدير السلطة التي انبثقت عن إبرام اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية – التي لم ينتخب قيادتها يوماً الشعب الفلسطيني ولم يُستشر الفلسطينيون مرة في أي من السياسات التي تبنتها منذ تأسيسها في عام 1964.
ولذلك لا يتوهمن أحد بأن ما يعتزم إجراؤه في شهر يوليو/ تموز من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني سوف يفضي إلى ولادة كيان يمثل الفلسطينيين بحق بعد أن تحولت منظمة التحرير ومجلسها الوطني منذ عام 1968 إلى بيت فتحاوي تديره قيادة مستبدة فاسدة لا تختلف كثيراً عن أي نظام مستبد وفاسد من تلك التي يئن تحت وطأة بطشها الناس في أرجاء العالم العربي.
والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تمثل يوماً لا فلسطين ولا أهلها بقدر ما مثلت الوضع القائم في العالم العربي وحسبما رسمت وقررت أنظمة الحكم فيه ومن تواليهم في الخارج، وذلك على الرغم من زعم قيادة المنظمة وقيادات الأنظمة العربية (التي ما لبث أن انضم إليها في ذلك قادة الكيان الصهيوني منذ بدء التفاوض على اتفاقيات أوسلو التي وُقع عليها في سبتمبر / أيلول من عام 1993) بأنها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". يعلم تلك الحقيقة معظم الفلسطينيين بدليل أنها بإبرامها صفقة أوسلو تخلت قيادة المنظمة عن حقوق غالبيتهم، وتعي هذه الحقيقة أكثر من غيرها النخبة التي التقت في مدينة اسطنبول في تركيا يومي 25 و26 شباط / فبراير من عام 2017 تحت شعار "مشروعنا الوطني طريق عودتنا"، لتعلن عن تشكيل "مؤتمر فلسطينيي الخارج" الذي كنت حينها واحداً ممن ظنوا أنه سيعلن التبرؤ من مسيرة منظمة التحرير التي أوصلتنا إلى أوسلو ويبدأ العمل من أجل إقامة كيان بديل يمثل الفلسطينيين بحق ويرفع راية النضال من أجل تحرير فلسطين، كل فلسطين.
منظمة التحرير الفلسطينية لم تمثل يوماً لا فلسطين ولا أهلها بقدر ما مثلت الوضع القائم في العالم العربي وحسبما رسمت وقررت أنظمة الحكم فيه
إلا أن مؤتمر فلسطينيي الخارج لم يلبث سريعاً أن خيب الآمال، إذ حرص القائمون عليه ألا يحركوا المياه الراكدة بأي شكل من الأشكال وألا يسخطوا أحداً في الشرق أو في الغرب على مشروعهم الجديد، فظلت منظمة التحرير في منأى عن خططه، مما أفقده كل قيمة وأفرغه من كل مضمون، فلم يأت بجديد ولم يؤسس لبديل.
مازال شعبنا الفلسطيني، ومن ورائه الأمة العربية والأمة الإسلامية، ومن خلفهم أنصار الحق والعدل حول العالم، بحاجة لأن يروا من يمثل فلسطين بحق، ويعبر عن تطلعات ليس فقط ضحايا المشروع الصهيوني المباشرين من لاجئين مهجرين أو قابعين تحت نير الاحتلال أو الحصار، بل وأيضاً تطلعات المناضلين ضد العنصرية والامبريالية الذين لم يفقدوا البصر ولا البصيرة، فرأوا في الكيان الصهيوني مشروعاً ضد الإنسانية، ورأس حربة للاستعمار في واحدة من مراحله المتأخرة، وهي بلا منازع من أشد مراحله قبحاً.
تلك الرؤية الواضحة لحقيقة المشروع الصهيوني هي التي عبرت عنها عند تأسيسها معظم الفصائل الفلسطينية من فتح في ١٩٥٧ إلى حماس في ١٩٨٧ مروراً بالجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وغيرهما، ثم ما لبث كثير منها تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية، وبسبب الرياح العاتية من كل الاتجاهات، أن دخل راغباً أو مرغماً دهاليز السياسة الدولية والنزاعات الإقليمية، حتى مال شيئاً فشيئاً عن المواقف المبدئية إلى التكتيك والبراغماتية.