مدينة النعمة: الحاضر والمستقبل بعيون الساكنة

ثلاثاء, 30/03/2021 - 12:19

تقع مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي عند سفح سلسلة من الهضاب تحفها من الشمال والشرق والتي من أشهرها جبل أنكادي الذي تواتر وروده في الموروث الشعبي للمنطقة "حسم دار أعكل أوكار-- وكلب أنكادي وأنواودار.....

تعيش مدينة النعمة هذه المرحلة من تاريخها المشرف تحت إكراهات المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة للمحافظة على تراثها العريق من خلال حيها القديم وضرورة تطوير وتنمية المدينة وتوفير البنى التحتية المناسبة للإرتقاء بها حضريا واقتصاديا إلى مستوى تطلعات الساكنة.

وحول الواقع الحالي لهذه المدينة وآفاقها المستقبلية أوضح السيد محمد ولد التجاني، رئيس المجلس الجهوي لجهة الحوض الشرقي أن مدينة النعمة تمتاز بطابعها الثقافي والتاريخي، ويعتمد سكانها في عيشهم على ممارسة مجموعة من الأنشطة ذات طابع اقتصادي واجتماعي خاصة زراعة الحبوب والخضروات التي تعد من أقدم الأنشطة في المدينة.

وكان السكان في السابق يستغلون منطقة لبحيرة الخصبة لزراعة الخضروات واليوم أضيفت لها منطقة انكادي التي لا تقل أهمية عن سابقتها.

وأشار رئيس جهة الحوض الشرقي إلى أن أي تنمية للمدينة يراد لها النجاح يجب أن تكون نابعة من خصوصيات المنطقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعتمد استراتيجية حقيقية للتكوين والتشغيل لخلق فرص عمل في جميع المجالات المهنية لتأسيس اقتصاد متين منسجم مع الحاجيات المحلية للساكنة.

و أوضح أن ولاية الحوض الشرقي حباها الله بثروة حيوانية هائلة تحتاج فقط إلى عناية خاصة و استغلال سلس من أجل النهوض بالتنمية المحلية، منوها في هذا الصدد بالإجراءات التي تم اتخاذها في هذا المجال مثل الشركة الوطنية لمنتجات الألبان و التوزيعات شبه المجانية للأعلاف في فترة الصيف وحملات تلقيح المواشي ضد الأمراض الموسمية والأوبئة الحيوانية وغيرها.

وأضاف أن ولاية الحوض الشرقي التي تعد إحدى أكبر ولايات الوطن من حيث المساحة والكثافة السكانية والمقدرات الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن يقود استغلالها إلى بلوغ الأهداف المرجوة من سياسة اللامركزية والتنمية المحلية التي تنتهجها البلاد حاليا.

وبدوره أوضح السيد التجاني ولد أحمد شاب في عقده الثالث من العمر من مواليد النعمة أكمل تعليمه الأساسي وجل تعليمه الثانوي فيها لينتقل إلى العاصمة نواكشوط ليكمل دراسته بثانوية التكوين المهني في تخصص صيانة الأجهزة الالكترونية، ليتجول بعدها في سوق العمل ممارسا عدة أعمال قبل أن يجد فرصته نهاية المطاف في مدينة النعمة – مسقط رأسه- حيث قام بفتح مقهى للأنترنت مع وراقة لبيع اللوازم المكتبية والمدرسية.

 

ومع مرور الزمن – يقول محدثنا- بدأ المشروع يتعرض لهزات عنيفة بسبب أن الزبناء ولوا وجوههم قبل الهواتف الذكية وكسدت خدمة المقهى وبعد أن أشرف على إغلاق محله وجد فرصة الخلاص وإنقاذ مشروعه في برنامج مشروعي مستقبلي فقدم دراسة لتمويل مشروعه مع تغييره من مجرد مقهى إلى مركز للتدريب والتكوين في مجال المعلوماتية وتصميم الإشهارات فوقع الاختيار عليه من ضمن المشاريع الممولة في الولاية ليحصل على مبلغ مليونين و خمس مائة ألف أوقية.

 

وأضاف أنه من خلال مشروعه هذا سلك طريق النجاح وأنه بدأ يتذوق حلاوة ذلك ويرى أن مدينةالنعمة مازالت فيها الكثير من فرص الأعمال غير المستغلة من أجل ذلك يدعو الشباب إلى ولوج سوق العمل من باب الأعمال الحرة ونبذ الاتكالية وخلق فرص العمل بدل انتظارها.

 

أما السيدة فاطمة بنت الشيخ المحفوظ من مواليد مقاطعة النعمة كانت تسكن في ريفها وتعيش هي وأسرتها علي تنمية المواشي وتحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة في الريف وبسبب حاجة الأطفال للدراسة في المدينة هاجرت مع أسرتها للعيش في مدينة النعمة.

 

ومن أجل تغطية تكاليف العيش في المدينة قررت بالتعاون مع أخواتها إنشاء تعاونية نسوية لبيع المواد الغذائية من خضروات و لحوم وما شاكل ذلك فبدأن بعرض القليل من البصل والطماطم ومع الإقبال الكبير من سكان المدينة على معروضات التعاونية بدأت تأتي أكلها ضعفين مع تطور نشاطها وزيادة معروض الدكان وتنوع بضاعته.

 

ومن خلال هذه التعاونية حققت المعنيات موردا ماليا مستداما ساعدهن على تحمل أعباء الحياة، تقول السيدة فاطمة إن التعاونية تعد الوحيدة في نشاطها في المدينة قلما تجد في المنطقة بأكملها نسوة يتاجرن في المواد الغذائية.

 

وأشارت إلى أنهن يواظبن سنويا على المشاركة في الأنشطة المخلدة لعيد المرأة والعرض المصاحب لها، ونستغل الظرفية والمكان لدعوة النسوة في المدينة والولاية وتشجيعهن على ولوج ساحة العمل، والمشاركة في تنمية المدينة والوطن.

 

أما السيد سيد ولد بيدالي مواطن من سكان النعمة في عقده الخامس من العمر في سبعينيات القرن الماضي فبين أنه إشترى قطعة أرضية في مدينة النعمة يوجد فيها بئر، وقام باستصلاحها وزراعتها بالخضروات وبعد فترة وجيزة نالت قدم السبق في تموين السوق المحلي بنسبة كبيرة من الخضروات.

 

وقال إن المدينة تحتوي على إمكانيات ومقدرات زراعية هائلة إذا ما استثمرت بالشكل الصحيح يمكن أن تسد النقص الكبير في حاجيات السوق المحلية والوطنية فمن خلال جهود بسيطة بذلتها في هذه المزرعة استطعت حصاد كميات كبيرة من الخضروات على مدار سنوات عدة.

 

ويرى أن الزراعة في المنطقة تعاني من الاستغلال غير المعقلن للمقدرات المائية الكبيرة في الولاية فبينما توجد في المنطقة بحيرة محمودة الكبيرة إلا أن أغلب مزارع المدينة مازالت تعتمد على الآبار، كما أن الأراضي المحاذية للبحيرة فرص مهدورة لزراعة ناجحة لذا ندعوا السلطات إلى الانتباه إلى هذه الفرص المهدورة و استغلالها بالشكل الصحيح من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء على الأقل في هذه المناطق النائية من الوطن.

 

ومن جانبها التراثي والحضاري تطالعك مدينة النعمة القديمة بأزقتها وشوارعها الضيقة التي يفوح منها عبق التاريخ تنبئك جدران بيوتها العتيقة المبنية من الحجارة والطين والقش أن عمر المدينة يمتد لقرون خلت، وتصادف فيها شيوخا وشخصيات تعض بنواجدها على تراث ثقافي عريق حفاظا عليه من النسيان وعوامل التعرية والإندثار الثقافي.

 

ومن بين هؤلاء الشيخ الوقور إزيد بيه ولد الرابي إمام مسجد العتيق القديم قدم الحي وشيخ محظرة دار التلاميذ، زرناه في بيته بعد صلاة العصر كان يطالع مخطوطا لصحيح البخاري نسخ باليد قبل أكثر من ثلاث قرون، يقول الشيخ أن قراءة صحيح البخاري من شهر ربيع الثاني وحتى شهر رمضان وقراءة كتاب الشفاء للقاضي عياض، يعد تقليدا متوارثا منذ عصور في هذه المحظرة التي أسسها العلامة القصري صاحب كتاب النوازل والذي كان قاضيا للمدينة إبان تأسيسها.

 

وأضاف أن المدينة تم تأسيسها قبل قرنين من الزمن على يد الشيخ القصري ومجموعة من الأشراف القادمين من مدينة ولاته وتمت إدارة المدينة عبر تقاسم الأدوار، الشؤون الدينية والأوقاف بيد القصري وذريته والشؤون السياسية والإعمار بيد الأشراف، وهناك مجلس إداري مشترك يعقد اجتماعاته في دار مخصصة لذلك مثل دار الندوة لقريش قديما.

 

وأشار إلى أن المكتبة مسجلة ضمن التراث المهدد بالإندثار مع أن آلية توريث المشيخة في المحظرة حافظت على المكتبة عبر الزمن.