يعتبر بعض المثقفين الغربيين والافارقة ان مسألة الانقلابات العسكرية في أفريقيا مرتبطة بعوامل هيكلية.. واقتصادية وفساد اداري معين.هذه العوامل جعلت القارة السمراء يربط تاريخها
بالانقلابات العسكرية أكثر من أي قارة أخرى، ويرجح كثيرون هذه الظاهرة إلى تفشي الفقر والفساد، وسوء إدارة الحكم، وتدني الأداء الاقتصادي، ما يجده العسكريون مبرراً للانقضاض على السلطة من أجل إنقاذ البلاد من الانهيار، وإصلاح مؤسساتها واقتصادها كما يدعون. دائما في بيان رقم 1.
لكن، هل ما زالت هناك دوافع لقيام هذه الانقلابات، وما مستقبلها، في ظل اتجاه معظم الدول الأفريقية إلى التحول الديمقراطي، نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية، والشعبوية؟ يقول بعض المحللون
"الانقلابات العسكرية في العالم تركزت في قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية، وبعض الدول النامية مثل تركيا، لكن ارتباط هذه الانقلابات بقارة أفريقيا على وجه الخصوص، ناتج عن ارتباط النخب العسكرية في هذه القارة بالخارج، من خلال العمل مع الدول المستعمرة أو من خلال فترة استغلال وجود عملاء داخل الدول الأفريقية لهم ارتباطات خارجية، وبالتالي، تكون هذه النخب تحت التأثير الخارجي، كذلك نجد أن ظاهرة الصراع القائم بين النخب العسكرية، والنخب المدنية في عدد من الدول الأفريقية غير الديمقراطية قاد في كثير من الأحيان إلى حسمه باستيلاء العسكريين على السلطة بحجج واهية ومعروفة من أهمها بسط هيبة الدولة وحفظ أمنها واستقرارها من التشظي والانقسام، لكن ارتباط الانقلابات العسكرية بقارة أفريقيا سببه الأساسي تفشي الجهل والفساد والقبلية والعرقية، فضلاً عن سوء إدارة الدولة".
فقد"شهدت أفريقيا في السنوات الـ40 الماضية نحو 100 انقلاب عسكري ناجح، وتعد هذه النسبة عالية جداً من الانقلابات مقارنة بعدد دول هذه القارة البالغ 52 دولة، ما يعني أن بعض الدول وقع فيها ثلاثة انقلابات في تلك الفترة، أما الأسباب غير المباشرة فتكمن في حرص القوة الدولية أن تكون أفريقيا متوترة وغير مستقرة حتى يسهل شغل قادتها وشعوبها عن استثمار ثرواتها الهائلة التي تزخر بها وتخزينها لصالح هذه القوة الاستعمارية".
يؤكد البعض أن كل الحقب العسكرية التي حكمت هذه القارة كانت فاشلة، فمثلاً في السودان الذي شهد ثلاثة انقلابات عسكرية منذ استقلاله في 1956، نجدها أنها لم تكن ناجحة، بمعنى أنها لم تحدث أي تغيير يذكر في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية، بل دخلت في إشكاليات كبيرة جداً انعكست سلباً على أوضاع البلاد، ففي فترة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985)، كانت هناك فضيحة ترحيل اليهود "الفلاشا" إلى إسرائيل مطلع ثمانينيات القرن الـ20، وظهور التمرد العسكري، ما أضاع كل مكاسب البلاد الموجودة، كذلك الحال في حقبة الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019)، إذ تم وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، واندلاع الحرب الأهلية في دارفور، وفرض عقوبات اقتصادية بسبب انعدام الديمقراطية والدخول في مشاكل عديدة منها محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 1995".
"كذلك، حدث الأمر ذاته في موريتانيا قبل وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الي السلطة في البلد. حيث شهدت موريتانيا استقرارا سياسيا وهدوءا لم تشهده من قيل , ,ومالي ونيجيريا، بسبب الفساد المالي والسياسي، وظهور حركات راديكالية مثل القاعدة وداعش " التي تكونت اجتماعياً لمناهضة الحكومة السابقة في مالي وأبوجا، وأيضاً الجزائر، لكن بشكل عام، تعني هذه الانقلابات أن هناك أخطاء موجودة، وانعدام وحدة وطنية، وعدم وجود ديمقراطية، فضلاً عن تفشي ظاهرة الصراعات والانقسامات المجتمعية، وانعدام الحضارة والثقافة، ومع ذلك، أتوقع حسب بنود الألفية الثالثة التي تتحدث عن مدنية الدولة، أن تنحسر هذه الانقلابات بخاصة وأنه ستكون هناك مقاطعة دولية وإقليمية، ورفض أي انقلاب عسكري يحدث في أي دولة أفريقية".
عوامل هيكلية ووظيفية
في المقابل، قالت مراكز ابحاث في جامعات أفريقية, " أن مسألة الانقلابات العسكرية في أفريقيا مرتبطة بعوامل هيكلية ووظيفية، جعلت هذه القارة مهيأة دائماً لهذا النوع أو النمط من الحكم، وأحدثت الحقب الاستعمارية إشكاليات في هيكلة دول القارة، لا سيما خلق بنية ذات طبيعة عسكرية، وتجييش الإنسان الأفريقي، وجعلت من الآخر الأفريقي خاضعاً، بمعنى أن تكون الكلمة للقوة العسكرية، كما أن الإرث الاستعماري الذي حكم القارة هو إرث سلطوي قائم على البطش والسيطرة بالقوة العسكرية، فضلاً عن أن النظم السياسية التي حكمت القارة بعد الاستعمار جاءت عبر كفاح مسلح بمسمى حركات التحرر المناهضة للاستعمار، وهي أشبه بالنظم العسكرية، وبالتالي، لم تعد النظم المدنية محل ثقة، وسرعان ما تجهض بانقلابات عسكرية".
وأن طبيعة الإنسان الأفريقي التي تمتاز بالشدة، واستخدام القوة، وعدم قبوله التطوير والتنظيم، جعلته متمرداً على القوانين والانضباط والالتزام بالنهج الديمقراطي، فهو أكثر قبولاً للنظم العسكرية من منطلق اعتقاده بأنها الأقدر على الإمساك بزمام الأمور وفرض سيطرتها على الأمن والاستقرار.
وفي ما يتعلق بالعوامل الوظيفية، فإنها تتمثل في أن القرارات المتعلقة بشؤون الدولة تكون محصورة في يد قلة من الأشخاص، ما يسهّل اتخاذها وسرعة تنفيذها، فضلاً عن سهولة تحكم النظم العسكرية بتفاصيل الدولة وتوجهاتها بخاصة الخارجية، وهو ما لا يحدث في النظم المدنية التي تشهد البطء في اتخاذ القرارات، والترهل الوظيفي، والتناحر، والنزاعات والانقسامات، ما يجعل أمدها قصيراً.
صراع السلطة والموارد
وعدد البعض أسباب الانقلابات العسكرية في أفريقيا إلى مباشرة وغير مباشرة، "الأسباب المباشرة منها ذات طابع داخلي وآخر خارجي، فالداخلي ناتج عن الصراع حول السلطة بدوافع الأحقية والجدارة، والصراع حول الموارد بخاصة النفيسة، ما يزيد من أطماع القادة العسكريين لا سيما في غرب ووسط أفريقيا للسيطرة على عائدات هذه الموارد، فضلاً عن الصراعات الأيديولوجية، والعرقية، والمناطقية، كما حدث في إثيوبيا مطلع تسعينيات القرن الـ20 بسيطرة قومية تيغراي، وهي أقلية على مقاليد الحكم أكثر من عقدين"، وتابع، "أما الأسباب الخارجية فهي تتمثل في رغبة دول أجنبية في حدوث تغيير لنظام سياسي قائم في دولة أفريقية ما، وهذا نجده بكثرة عند الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي، بخاصة في غرب القارة، من أجل التنافس على السلطة".
بالنظر لتقييم الحقب العسكرية التي حكمت أفريقيا على مر التاريخ، نجد أن لها محاسنها ومساوئها، إلا أن مؤشرات الفشل كانت أكبر، إذ لم تقدم النظم العسكرية الشمولية النموذج الأفضل للحكم، بل أحدثت إشكاليات كبيرة أثرت سلباً على تطور الدولة ونهضتها، لأنها لم تكن تتبع العدالة وبسط الحريات، إضافة إلى أن غالبية هذه النظم العسكرية تعمل على تغييب الوعي السياسي وتطوره".
وقالت هذه المراكزإلى أن معظم هذه الأنظمة ارتبط بالفساد وتعطيل مبادئ المشاركة السياسية، ضارباً مثالاً الدول التي نهضت في ظل الحكم الديمقراطي مثل كينيا ورواندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا، بينما ظلت الدول التي تحكم عسكرياً ترزح في التخلف والانهيار.
وشهدت غينيا مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي انقلاباً عسكرياً أطاح الرئيس ألفا كوندي، كما حدث أيضاً في مالي السيناريو نفسه، حيث تدخل الجيش في السياسة مرتين في أقل من عام، كان آخرها في مايو (أيار) 2021، كما أحبطت في النيجر خلال مارس (آذار) عملية انقلاب قبل أيام قليلة من تنصيب رئيسها الجديد.
وتعد بوركينا فاسو، التي تقع غرب أفريقيا، الدولة التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات الناجحة، بينما فشل انقلاب واحد فقط من بين سبع محاولات. وتعرف منطقة جنوب أفريقيا بأنها أقل عدداً من انقلابات شرق وغرب القارة نظراً لقوة مؤسساتها والتزامها بالحكم الديمقراطي.
وبحسب دراسة أجراها الباحثان الأميركيان جوناثان باول وكلايتون ثين، فإن أكثر من 200 محاولة انقلاب عسكري نفذت في أفريقيا منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، لكن، ظل العدد الإجمالي لمحاولات الانقلابات العسكرية في أفريقيا في العقود الأربعة بين عامي 1960 و2000، ثابتاً بشكل ملحوظ بمتوسط بلغ نحو أربع محاولات سنوياً، في حين انخفض العدد بين عامي 2000 و2019 إلى حوالى محاولتين، كل عام....
اندبندت ...الاعلامي