بين ضرب الزوجة المباح، لكن بقواعد وأصول، والاكتفاء بكسر شوكتها، وخدش كبريائها، صوناً لمكانة الزوج وحماية للأسرة وقيمها، والتلويح بالضرب، ولو بسواك على سبيل تذكيرها بوجوب الطاعة وكمال الإذعان، وضرب الأخماس في الأسداس حول الحديث عن ضرب السفيرة والوزيرة والمرأة المعيلة في القرن الـ21، ومحاولة إيجاد المبرر الديني لتقنين التأديب وترتيب التهذيب، والاكتفاء بمراقبة الكرة " بين فريق الضرب بدرجات، والإيذاء بقيود، وفريق معارضة الضرب، واعتبار الطرح في حد ذاته مرفوضاً فما بالك بمناقشة نضرب أم لا نضرب؟!
تأديب وتقويم
فكرة ضرب الزوجة على سبيل التأديب والتقويم ما زالت تطرح نفسها في المجتمع ,تارة يطرحها متشددون متقيدون بتفسير نصوص دينية من دون ترك مجال لإعمال العقل أو إفساح الطريق لتغيرات الدهر، وتارة أخرى ينبش فيها منفتحون آملون في تجديد الفكر وتطهير الخطاب.
الطرح الأحدث تدور رحاه هذه الآونة على أصعدة متباينة وبشدة غير مسبوقة. أنصار الضرب سواء بناء على تفسيرات دينية أو أعراف مجتمعية، في مقابل أعداء الضرب بناء على حقوق إنسانية أو دوافع نسوية أو بديهيات منطقية مشتبكون جميعاً في معركة حامية الوطيس.
معركة ضرب الزوجة، وهل نضربها، وإن ضربناها كيف نضربها، ولو لم نضربها فما البديل، أو لماذا نضربها من الأصل؟ برزت فيها أسماء وشخصيات أجَّجت من وطيس الحرب، وأشعلت فتيل التربص والترصد.
رصد البعض تصريحات وتأكيدات صادرة من المؤسسات الدينية الرسمية على مدى سنوات فيما يختص بضرب الزوجات فبدا الأمر محيراً والوضع مربكاً.
أطراف الحرب
عدد من المفكرين والمثقفين طرف، وإعلاميون مشهورون طرف، والقاعدة العريضة من الشعب نساء ورجالاً طرف، والحرب الدائرة لم تعد طرفاً مؤيداً في مقابل طرف معارض، بل أصبحت أطرافاً مؤيدة ومعارضة للأطراف الضالعة، تدافع عن هذا وتهاجم ذاك.
كثيرون وكثيرات في المجتمع يعتبرون تعرض الزوجة للضرب من الزوج أو الحماة أمراً عادياً أو شخصياً، أو لا يستحق تدخل آخرين، فـ"تأديب" الزوج زوجتَه عادات وتقاليد وأعراف.
شر لا بد منه
في عام 2010، خرجت نتائج دراسة أجرتها "مؤسسة " (منظمة غير حكومية)، لتشير إلى أن غالبية النساء يعتبرن ضرب الزوج زوجتَه مكوناً من مكونات ثقافة المجتمع ووسيلة معروفة منذ القدم، لتأديب الزوجات وإثبات الرجل رجولتَه. وعلى الرغم من أن غالبية النساء لم يبدين رضاً عن تعرضهن للضرب، فإن الغالبية اعتبرته شراً لا بد منه، وقدراً لا يمكن تجنبه.
مسح "التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي"، الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهـاز المركـزي للتعبئـة العامـة والإحصـاء عام 2015 أشار إلى أن نحو 7.8
وقال عالم من علماء البلد، إن الضرب اجازه القرآن في قول الله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا" هو الضرب الرمزي المقصود منه الإصلاح، وليس الإيذاء والضرر. وأكد أن نصوص القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ولا يمكن أن يكون القرآن أمر بضرب مبرح، لأن "القرآن حينما أمرنا بمثل هذا الضرب الرمزي أمرنا بهدف إصلاح وإنقاذ الأسرة".
وأسهب فضيلته في شرح قواعد الضرب المباح، ففسر نظامه وسدر حدوده، وقال إن "من شروطه أن لا يكسر لها عظماً، وأن لا يؤذي لها عضواً. ومن هنا نرى أن المراد بالضرب هو الضرب الرمزي بالمسواك مثلاً أو فرشاة الأسنان في هذا الزمن".
وأوضح أن أمر الضرب ورد في كلمة واحدة في القرآن الكريم، "واضربوهن" في مقابل منظومة ضخمة من النصوص القرآنية الصريحة التي تحافظ على المرأة وكرامتها.
واستشهد بقول الله تعالى "وعاشروهن بالمعروف"، و"فأمسكوهن بمعروف"، و"ولا تضاروهن"، و"فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً". مشيراً إلى أن وضع كلمة "الضرب" أمام هذه المنظومة من أوامر حسن العشرة والمعاملة يؤكد أن المقصود ليس الضرب في حد ذاته، لكن كعلاج في أندر الحالات.
علاج اضطراري
وضمن "أندر الحالات" تلك التي يستشعر فيها الزوج خطراً على أسرته فيجد نفسه مضطراً إلى استخدام هذا النوع من العلاج حتى لا تتضرر الأسرة بالكامل.
وبين المنع والمنح والإباحة والسنة والفرض والإنسانية واللا إنسانية يسود الأجواء صخب مشوب بالغضب، ولا يخلو من استنفار على كل الأصعدة من قبل الأضداد فيما يختص بضرب الزوجات.
وتبقى مسألة ضرب الزوجات، وهل نضرب الزوجة، أم لا نضربها، وإن ضربناها كيف نضربها معلقة في هواء الباب نصف المفتوح