العراق هذا البلد المُبتلى بالحروب, بتأريخه المليء بالصراعات والاحتلالات الخارجية من الإمبراطوريات, التي قرأنا عنها رومانية وفارسية, وخروف أبيض وأسود, صفوية وعثمانية وبريطانيون..
ما ذكرناه فيضٌ من غيظ, حروب داخلية واخرى إقليمية, فحدوده مباحة في كل زمان, جيوشٌ من كُل الألوان, ففقد الأمن والأمان, حُكامهُ ما بين غِلمانٍ وغُمان, فأصبح مستقبل الوطن في خبر كان.
مطلع شهر نيسان عام 2003, جرى آخر احتلالٍ للعراق, بحجة تحريره من الحاكم الذي عُرف بطغيانه, فنهبت مؤسسات الدولة وأحرق بعضها, ظهرت الأنياب الأمريكية وكأننا في فيلمٍ هوليودي, بصور عصابات تكساس المشهورة, ليُقتل حلم الخلاص والتحرر, فها هي حقبة من الاحتلال, وهذه المرة بقيادة أعتى دولة غربية, مع جُيوشٍ دولٍ فاقت الثلاثين, منها قتالية شاركت, في تحطيم الآلة العسكرية العراقية, وأخرى عملت على, إدامة العمليات لوجستاً بجهد هندسي, و فرقاطات ملأت البحار والخلجان, وكأننا في حرب عالمية.
أُسقط تمثال الطاغية, في ساحة الفردوس ببغداد, ليتحول التحرير إلى احتلال, حاكم مدني تم تنسيبه, من قبل الإدارة الأمريكية, وأصبح العراق كئيباً, فقد ظن الشعب أنه مع الخلاص من حكم صدام, ستكون الحياة وردية وسيحصل على الحرية..
فسح جيش الاحتلال الأمريكي, والقوات المتحالفة معه, المجال واسعاً أمام المجرمين والطامعين, بالهجوم على الدوائر الحكومية والأمنية, وقصور صدام في بغداد, وغيرها من المحافظات الأخرى, لينهبوا كل شيء حتى وصلت السرقات, لأسرة وأجهزة المستشفيات, ومخازن المواد الغذائية, ولم تسلم قصور المنطقة الخضراء ونهبت المصارف؛ لقد أضحى كل شيء في بلدي مباحاً, حالة من الفوضى العارمة.. فطالت السرقات مخازن الأعتدة والأسلحة, فلا يوجد جيشٌ عراقي, يحمي تلك الترسانة الخطيرة, وقُتِلَ الآلاف ودمرت الأليات, ونهبت عجلات النقل البري, ومنشآت نقل الركاب والحافلات الحكومية, التي كانت تنقل المسافرين بين المحافظات, وسرقت حتى المولدات الحكومية, في الدوائر والثكنات العسكرية.. بدأ ذلك حينما صدر أمر من الحاكم المدني بول بريمر, بحل الأجهزة الأمنية السابقة, في وسط انتشار سوق بيع الأسلحة بكل نوعياتها, إضافة للعتاد المسروق من المخازن.
بدأت حَربٌ أخرى داخلية, بعض هؤلاء ذو توجهات دينية متشددة، وآخرين ذو توجهات وطنية وقومية، وبعضهم ذو توجهات دولية أو إقليمية، فظهرت مسميات جماعات متعددة مسلحة، الذي يجمعها في الأغلب, قتال القوات الأمريكية, وكان ظاهر تلك الجهات المسلحة, مقاومة الاحتلال، ومع أن حكومة مؤقتة, قد تكونت من المعارضة, التي عادت من المهجر, فإن تلك المجاميع المسلحة, لم تعترف بها ولم تقبل التحاور معها, واعتبرتها حكومة عميلة..
تحتوي تلك المجاميع على خليط, من أعضاء حزب البعث من رفاق وفدائي صدام, وسلفية وأتباع الحركة الوهابية وأنصار الإسلام, وقسمٌ من المنفصلين عن الحزب الشيوعي, وأتباع السيد مقتدى الصدر, تحت تسمية جيش المهدي, ومجاميع من المجرمين.. وتفاوتت العمليات, ما بين القنص وزرع العبوات, واستهداف البنية التحتية, من تفجير الأنابيب النفطية, وأعمدة الضغط العالي للكهرباء, إضافة لعمليات اغتيال لشخصيات سياسية مؤثرة, كعز الدين سليم, والسيد محمد باقر الحكيم, المعارضان الأكثر تأثيراً, في الساحة السياسية العراقية.
تَشكل جيش عراقيٌ جديد, مع دعوة لأفراد القوات المسلحة السابقة, من المتطوعين وفُتِحَ باب التطوع, للقوات الأمنية من داخلية, إضافة لوزارة الدفاع, ليتجاوز العدد مليون مقاتل من كل الصنوف؛ تعرض الجيش والقوات الساندة لانتكاسة كبيرة, بعد اجتياح تنظيم داعش عام 2014, وكانت النتيجة احتلال للإرهاب العالمي, لثلث مساحة العراق حينها, ما استدعى المرجعية العليا, في النجف الأشرف, لإصدار فتوى الجهاد الكفائي, ليهب شباب وشيب العراق الغيارى, ويحرروا تلك المحافظات, من رجس الإرهاب بعد عامين, من القتال الضروس, راح ضحيته الآلاف من الشهداء, إضافة لأكثر من ذلك من الجرحى, واستعادت القوى الأمنية قدرتها, بالمشاركة في حرب التحرير.
إستقرار الوضع الأمني نسبياً, بعد تظاهرات عام 2019, وأجريت انتخابات مبكرة, بأحداث معلومة لدى كافة المطلعين, ليدخل العراق في انسدادٍ سياسي, كاد أن يصل لحرب أهلية, تشكلت الحكومة الجديدة, برئاسة السيد محمد شياع السوداني, الذي أخذ على عاتقه محاربة الفساد, ليتكامل تحرير العراق, بعد الخلاص من داعش, ليجتمع البرلمان العراقي, ويناقش قانون الخدمة الإلزامية, بشمول الشباب من عمر19-35, بوقت يحتاج العراق لتلك الطاقات, في تنمية الصناعة والزراعة, من خلال تأهيل المصانع والعامل والشركات, وجعلها إنتاجية ترفد الموازنة, وتنهي حالة البطالة والفقر، ومن المهم دعم القوات الأمنية عدديا, لكن الاهم انه يحتاج للتطوير والاحترافية والتجهيز الحديث, فقد انتهى وقت القتال العددي/ سلام محمد العبودي