شعب فلسطين هناك، وكان يتعين على الإعلام الإسرائيلي أن يسافر حتى قطر كي يتذكر هذه الحقيقة. صحيح أن الفلسطينيين موجودون على مسافة ساعة سفر من البيت، ولكنهم في الوقع الإسرائيلي لم يعودوا موجودين منذ سنين. فلا تغطية إعلامية لهم، ولا تفاعل يومي، ولا مسيرة سلمية ولا انتفاضة، كأن ملايين الأشخاص خلف الجدار اختفوا ببساطة أو من السهل والمريح على نحو فظيع كبتهم وتجاهلهم.
لم يعد الحوار مع جيراننا على جدول الأعمال منذ سنين.
فإذا كان الشعار الانتخابي لرئيس الوزراء المرشح “نتنياهو في الماضي – نصنع سلاماً آمناً”، لم تكن المسألة الفلسطينية على جدول الأعمال إطلاقاً في الحملات الانتخابات الأخيرة كلها.
كراهية الفلسطينيين ومقتهم نُقلا إلى الداخل وتحولا إلى كراهية ومقت تجاه مواطني إسرائيل العرب واليساريين. الاحتلال؟ كلمة كانت ذات مرة، باتت يساراً هاذياً، هراءً تقدمياً.
كان النسيان سهلاً نسبياً: كان في الولايات المتحدة رئيس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأعطانا إحساساً بأننا محميون إلى الأبد. الدعم الذي تلقيناه من الإنجيليين مؤيدي إسرائيل والعلاقة الحميمة بين هذه الجالية ونتنياهو وأبناء بيته، أصبحت بديلاً عن تأييد يهود الولايات المتحدة التي غالبيتها ديمقراطية وتؤمن بالحوار وبالحل الوسط السياسي. سنتا كورونا جعلتا العالم مكاناً آخر، أزمة عالمية صحية دفعت العالم لوضع الكمامة ويغلق على نفسه. وفوق كل شيء اتفاقات إبراهيم – السفينة المخصصة لشطب الفلسطينيين من الوعي، اتفاقات قسمت بين العرب “الأخيار” في المنطقة والعرب “الأشرار” وسمحت لنتنياهو ولحكومته لأن يرويا رواية إقليمية مثيرة. أخيراً صار ممكناً احتساء قهوة سوداء صغيرة بلا أبو مازن.
طيران إلى أبوظبي بمال زهيد، صحبة مع عرب بجلابيب بيضاء وصورة سلفي مع برج خليفة، انظروا بأي حسن يستقبلنا العالم العربي. لماذا ذهب اليسار إلى المفاوضات؟ لأنه ساذج، غبي، وعديم الأفق خلق حواراً وتنازل للفلسطينيين كي يجد حلاً في وقت لا توجد فيه مشكلة على الإطلاق.
وعندها جاء المونديال. دولة عربية، منتخبات عربية، مشاهدون عرب، أناس حقيقيون في وضعيات حقيقية، بتفاعل وبمكانة متساوية للناس أو المسؤولين في اللقاءات مع الصحافيين. بعضهم يعرفون أنفسهم كفلسطينيين. لبعضهم عائلة فلسطينية. بعضهم ببساطة يتذكر، بخلافنا، بأن خلف الخط الأخضر بشراً.
صدمة، دهشة، هؤلاء الناس الحقيقيون.. هم لا يحبون إسرائيل. وهم يتضامنون مع إخوانهم في “المناطق” [الضفة الغربية] ولن ينجح أي اتفاق، مهما كان احتفالياً وناجحاً، أن ينسيهم الواقع. “إذا كنت إسرائيلياً فسأستدير إلى الخلف وأوقعك”، يقول الشرطي ميئيلي أوحنا المذهول، الذي يسأله بعجب لماذا. “لأني فلسطيني”، يجيبه الشرطي. بسيط، واضح، حاد.
“نشعر بأننا مكروهون، محوطون بالعداء، غير مرغوب فينا”، يكتب الصحافيان راز شيكنك وعوز مُعلم. “في الشارع يرافقنا فلسطينيون، إيرانيون، قطريون، مغربيون، أردنيون، سوريون، مصريون ولبنانيون بنظرات تنز كراهية”. كم مفاجئاً ألا يحب الفلسطينيون الإسرائيليين، ولا يحتضن الإيرانيون الإسرائيليين بحرارة! بعد اتفاقات سلام وفتح المنطقة أمامنا، كيف يعقل أن تسمح المنطقة لنفسها بألا تفتح لنا قلبها؟ هل فكر الصحافيون الذين يشتكون من الكراهية والعداء ما معني أن يكون المرء صحافياً فلسطينياً في إسرائيل؟ هل يتذكرون شيرين أبو عاقلة المرأة والرمز، التي حسب تحقيق الجيش الإسرائيلي نفسه، قتلت “باحتمالية عالية” بنار مقاتل وحدة “دوفدفان”. هل حاولوا أن يكونوا “مجرد” عرباً في الحيز العام الإسرائيلي؟ هل نسوا أن إسرائيل لا تزال تسيطر على شعب آخر، أم أنهم يتمسكون بمفهوم “لا يوجد شعب فلسطيني”.
نجح اليمين الإسرائيلي على مدى سنوات طويلة جداً في أن يهندس الوعي وينسي الجمهور الإسرائيلي الفلسطينيين. وعندها جاء المونديال ليذكر الجميع، بما في ذلك الإعلام الإسرائيلي، بأن جيراننا لا يزالون هنا خلف الزاوية. في قطر الكثير جداً من الناس الذين يركلون الكرات. يتبين أنه هناك من يركل الواقع في وجوهنا.
إسرائيل اليوم