وقّعت مجموعة من القوى المدنية، مع العسكر، أمس الإثنين، اتفاقا إطاريا، نص على «سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات النظامية»، ضمن فترة انتقالية محددة بعامين، من المنتظر أن تفضي إلى انتخابات.
ويأتي الاتفاق بعد عام من انقلاب القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيون والعسكريون لنحو عامين.
وشملت أطراف الاتفاق الإطاري، إضافة للبرهان، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونحو 50 حزبا وتنظيما سياسيا ومدنيا، بالإضافة إلى عدد من الحركات المسلحة.
وبينما وقع عدد من الأحزاب المكونة لـ«الحرية والتغيير» على الاتفاق بشكل فردي، أبرزها التجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحزب الأمة القومي، رفض حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، الذي يعد من أبرز مكونات التحالف، الانضمام للتسوية، معتبرا إياها تسوية مع قادة انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ومهددة للانتقال الديمقراطي في البلاد. كذلك انضمت إلى الاتفاق الذي يمهد لاتفاق نهائي، مكونات الجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس والتي تضم عددا من الحركات والتنظيمات السياسية الموقعة على اتفاق سلام 2020، بالإضافة إلى مجموعة من الأحزاب التي تشاركت الحكم مع النظام السابق، أبرزها الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني، والمؤتمر الشعبي.
وحدة وسيادة البلاد
وأكد الاتفاق الإطاري على وحدة وسيادة البلاد والاصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني وقومي موحد، ينأى عن السياسة، كما حظر مزاولة القوات المسلحة للمهن الاستثمارية والتجارية، ما عدا تلك المتعلقة بالتصنيع الحربي. ونص على أن تشكيل هياكل السلطة الانتقالية من مجلس سيادي مدني محدود، يمثل رأس الدولة، ومجالس للوزراء والتشريع والعدل بالإضافة إلى المفوضيات المستقلة.
وخلال مخاطبته مراسم التوقيع على الاتفاق، التي تمت في مباني القصر الرئاسي السوداني، أكد البرهان التزامه بإصلاح المؤسسة العسكرية وتحويل الجيش إلى مؤسسة دستورية ومنع تسييسها أو انحيازها لأيديولوجيا أو جماعة أو حزب.
وأكد على الاعتراف بالقيادة السياسية وعدم استخدام الأوامر العسكرية لمصالح خاصة والعمل على وحدة الجيش والالتزام بمهام حفظ الأمن وحماية الحدود من المهددات الخارجية، داعيا السلطة المدنية إلى عدم التدخل في الشؤون الفنية العسكرية لإنفاذ غايات الأمن القومي.
وقال إن الجيش يجب أن «يعود للثكنات وأن تذهب الأحزاب للانتخابات»، في إشارة إلى تكوين حكومة انتقالية من التكنوقراط، مؤكدا على خروج العسكر بشكل كامل وفوري من السياسة، وحماية الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.
ولفت إلى أن البلاد تمر بظروف استثنائي، منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ، في ظل تنافر المدنيين والعسكريين الذي انعكس سلبا على استقرارها، مشددا على ضرورة نزع المصالح الخاصة وإعلاء المصلحة الوطنية، بينما تتفاقم المهددات الداخلية والخارجية التي تواجه السودان.
وأكد أن الاتفاق يمهد للتوافق على القضايا الوطنية وأولويات الانتقال بمشاركة واسعة، تنهي التشاكس والصراع بين القوى المدنية العسكرية، مؤكدا أن «الاتفاق سيظل مفتوحا لانضمام بقية قوى الحرية والتغيير وقوى الثورة، والقوى الأخرى، بشكل عاجل من أجل الإيفاء بمطالب الشعب»، على حد قوله.
وقال إن «العسكر ظلوا يؤكدون أن وجودهم في السلطة مؤقت للحفاظ على الوطن واستقراره»، مؤكدا «التزامه بالمضي قدما لإكمال الانتقال الديمقراطي في البلاد وتحقيق غايات الشعب وتطلعاته للحرية والسلام والعدالة».
وأضاف أن «القوات المسلحة مع الشعب ولن تخذل أحلامه وطموحاته. وأتطلع لنلتقي قريبا في حفل التوقيع على الدستور الانتقالي للبلاد».
ودعا «المجتمع الدولي لدعم الانتقال المدني في البلاد واستكمال رفع العقوبات فضلا عن رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ودفع التطبيع مع المؤسسات المالية الدولية وجهود إكمال السلام».
أما «حميدتي» فرأى أن توقيع الاتفاق «يمثل مرحلة جديدة في تاريخ الدولة السودانية تنهي الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، وتؤسس لفترة انتقالية جديدة»، مؤكدا أنهم «سيتجنبون خلالها الأخطاء التي صاحبت الفترة الماضية».
وقال خلال كلمته، إن الفترة الانتقالية شهدت منذ بدايتها في أغسطس/ آب 2019 اختلافات بين مكونات الانتقال، و«ممارسات سياسية خاطئة»، أدت إلى ما حدث في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، مقرا بأن «الانقلاب»، الذي وصفه «بالإجراءات»، كان «خطأ سياسيا فتح الباب لعودة قوى الثورة المضادة».
وأضاف: «لقد انتبهنا لذلك منذ اليوم الأول، وعملنا على معالجته بالتواصل مع قوى الثورة حتى وصلنا إلى هذا اليوم (أمس)»، معتبرا الاتفاق «خطوة أولية وأساسية لمعالجة الأخطاء السياسية، ومعالجة اختلالات الدولة، وبناء دولة العدالة الاجتماعية والحكم الراشد والسلام المستدام والديمقراطية».
ورأى أنه «لتحقيق تلك الأهداف يجب الاعتراف والاعتذار عن عنف وأخطاء الدولة تجاه المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية»، مشيرا إلى أن «العنف أهدر فرص البناء الوطني وتحقيق السلام والتنمية والوحدة والاستفادة من التنوع.»
وأكد على «أهمية إقرار عمليات العدالة والعدالة الانتقالية، لرد المظالم وشفاء الجراح وبناء مجتمع متعاف ومتسامح، وانسحاب المؤسسة العسكرية من السياسة، وضرورة ذلك لإقامة نظام ديمقراطي مستدام»، على حد قوله.
وأضاف: «إن هذا يستوجب أيضاً التزام القوى والأحزاب السياسية بالابتعاد عن استخدام المؤسسة العسكرية للوصول للسلطة وبناء جيش قومي ومهني ومستقل عن السياسة وإجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى بناء جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديمقراطي».
ودعا إلى «استكمال واستقرار النظام الديمقراطي واستكمال وبناء السلام في كل بقاع السودان»، مؤكدا على «ضرورة أن تكون أولويات الحكومة القادمة هي تنفيذ اتفاقية السلام، واستكمال السلام مع الحركات غير الموقعة، والعمل على عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم الأصلية، ومعالجة مشاكل الأرض، وقضايا الرُحّل».
وأشار إلى أن «استكمال واستقرار الديمقراطية يتطلب وضع أهمية خاصة لمعالجة قضية شرق السودان»، مشيرا إلى أنها «مرتبطة باختلالات في التنمية والمشاركة السياسية، وأن هذه المعالجة يجب أن تكون بمشاركة كل المكونات الاجتماعية والسياسية في الشرق».
وأضاف: أن «التزام الجميع بالاتفاق لن يقود إلى بناء مؤسسات ديمقراطية فقط، وإنما كذلك إلى بناء مجتمع ديمقراطي قائم على مبادئ الحرية والسلام والعدالة التي قامت عليها الثورة السودانية».
«حميدتي» أقرّ أن «الانقلاب كان خطأ سياسيا فتح الباب للثورة المضادة»
وزاد «حميدتي» الذي يقود قوات «الدعم السريع» المستقلة عن الجيش، أن «التحديات الراهنة في البلاد والتي تتطلب معالجة عاجلة من الحكومة المقبلة، هي قضايا الاقتصاد ومعاش الناس، والأمن وسيادة حكم القانون، ونشر وتعزيز التعايش والسلام الاجتماعي ومواجهة خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية».
وأكد التزامه الشخصي والمؤسسي الصارم، بالتحول الديمقراطي وحماية الفترة الانتقالية وفق ما تم الاتفاق عليه، حتى قيام الانتخابات.
ووجّه رسالة للقوى السياسية والشبابية المعارضة للاتفاق، قائلا: «أنا أعلم أن تحفظاتكم السياسية ومواقفكم المختلفة مهمة، لكن في بلد يعاني من تدهور اقتصادي مستمر وله تاريخ مليء بالصراع السياسي والحروب والهشاشة الأمنية، علينا جميعاً الالتزام دائماً بالحوار كقيمة أساسية لحل الخلافات».
وأضاف: «مصلحتنا العليا اليوم هي إقامة حكومة مدنية كاملة، قادرة على إدارة الدولة وإجراء حوار دستوري شامل لمعالجة جميع القضايا، خاصة القضايا غير المُعالَجة في هذا الاتفاق».
وأكد أن هذا الاتفاق «يجب أن يفتح فرصة لتحويل طاقات الشباب الثوار إلى البناء والمشاركة في الحكم، واتخاذ القرار، خاصة على مستوى الحكم المحلي، الذي يمثل أساساً متيناً للنظام الديمقراطي».
ودعا المجتمع الدولي إلى الاستمرار في دعم السودان والتعاون من أجل المصالح المشتركة.
ومن الجانب المدني، ألقى ممثل القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري، الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير، كلمة في مراسم التوقيع، معتبرا «الوصول لهذا الاتفاق استشرافا لعهد جديد للحكم الديمقراطي، وإكمال مهام الثورة السودانية وتوحيد الشعب في ظل مشروع وطني وسلطة مدنية ديمقراطية تحقق مقاصد الثورة السودانية وتنهي الحكم الشمولي في البلاد إلى الأبد».
ويهدف الاتفاق، حسب البرير إلى «إقامة سلطة مدنية كاملة تتكون من قوى الثورة والانتقال»، مطالبا بتهيئة المناخ ووقف العنف ووقف دائرة الانقلابات.
وأشار إلى «ضرورة مناقشة قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح العسكري والأمني وتفكيك النظام السابق والاتفاق السلام في ظل مشاركة واسعة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي يحقق مطالب الثورة السودانية».
ورأى أن توقيع الاتفاق «انتصار لثورة الشعب على الاستبداد»، مشيرا إلى أن البلاد «تستشرف عهدا جديدا يحقق العدالة ومقاصد الثورة وينهي الانقلاب وتمكين النظام السابق، فضلا عن النأي بالمؤسسة العسكرية عن السلطة وتكوين سلطة مدنية كاملة وآليات لتحقيق العدالة الانتقالية والإصلاح العسكري.»
وأضاف أن الاتفاق «يؤسس لمسار جديد للتحول المدني الديمقراطي ولفترة انتقالية تبنى على الثقة والشفافية ودعم وإسناد قوى الانتقال الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتقود البلاد الى انتخابات حرة ونزيهة».
وأشار إلى أن «الاتفاق الإطاري أشار إلى ضرورة تطويره بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة والقوى الموقعة على الإعلان السياسي وقوى الثورة»، مبينا أنه «يتضمن قضايا رئيسية أبرزها العدالة والعدالة الانتقالية ومشاركة أصحاب المصلحة وأسر الشهداء على أن تشمل كافة الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن، والإصلاح الأمني والعسكري من خلال بناء وإصلاح جيش واحد مهني وقومي وفق ترتيبات أمنية متفق عليها».
وأيضا ينص على «تنفيذ اتفاق السلام بعد تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية وشركاء الاتفاق وأطراف الإعلان السياسي، بالإضافة إلى إكمال السلام مع الأطراف غير الموقعة من خلال دفع أجندة السلام إلى المقدمة».
وأكد على «ضرورة تفكيك نظام الـ30 من يونيو/ حزيران وبناء دولة مهنية تخدم المجتمع دون تمييز أو تعد، وتفكيك بنية نظام الإنقاذ على نحو يلتزم بسيادة حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية».
الحوار من أجل المستقبل
كذلك أعلن رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس، والتي تضم عددا من الحركات والتنظيمات الموقعة على اتفاق السلام، في كلمته، استعدادهم للانخراط الفوري في عملية الحوار من أجل المستقبل.
وأشار إلى تقديم الجبهة مبادرات لإنهاء الأزمة في البلاد ومضيها في عدد من المشاورات والمشاركة الفاعلة في إعداد الاتفاق، مؤكدا أنها تنحاز دائما للشعب السوداني وكل ما يحقق الأمن والاستقرار في البلاد.
ولفت إلى أن الاتفاق أكد على ضرورة تفكيك النظام السابق عبر إجراءات قانونية.
وأكد على ضرورة تنفيذ اتفاق السلام، كما دعا الأطراف غير الموقعة عليه للانضمام إليه.
ودعا الأطراف السودانية للانضمام للاتفاق وتأييده، مؤكدا أنه يفتح الطريق للحوار الوطني الشفاف. وأضاف: «أنه لا يزال هناك متسع للتشاور بين الجميع لإنتاج مقاربة لمستقبل البلاد»، داعيا المجتمع الدولي لدعم السودان لاستكمال الانتقال الديمقراطي.