تحتاجُ طبقة حُرَّاس المَظاهر دومًا إلى من يُدافع عنها، ويُشرِّعها بالصَّوت والصُّورة،.. لكن أيضًا بالقلم،.. والمرعبُ أنَّ القَلَم أداةٌ نبيلةٌ ومقدَّسة، أقسمَ بها ربّ العِزَّة والكَمال، وخُطَّ بها اللّوح المحفوظ، وحَمل اسم سورة في القرآن.. وقد دنَّسه المدوّنون بما يُسْطرون من رخيص التَّناقض (بعضهم).
أشيرُ أني آمنتُ مبكرًّا بهذا البلد وبإنسانه، رغم كلّ ما يدفع إلى الكُفر بِه.. فتحتُ عيني في وطنٍ عَليلٍ يُصارع السَّكرات في غرفة الإنعاش ومازال، وأنذر له قلمي وجهدي بمسؤولية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا بشفائه أو موته، وظهيري في ذلك فكرٌ حرٌّ وعمرٌ من التَّجرد من كل انتماء ضيق على حسابه.
وعليه فليعلم من نظر فيه، أننَّي بحول الله، لنْ أُقْلعَ عن الكتابة في أمراض الوطنِ العليلِ، وفَرْده المُعتَل، حتى ولو كان مصدر "الدَّاء" من أهل بيتي، أو من "المقدَّسين" اجتماعيًّا أو روحيًّا، فلا أعبدُ غير الله،.. عادة أكتب قناعتي التي لا تُلزم غيري، وميلي لتناول الخلل الاجتماعي أكثر من ميلي لتناول القرف السّياسي، فإذا استقام سلوك الإنسان استقام حالُ البلد، ومن هنا جاء نقدي (وليس الأول) لمشهدٍ لعرس غرائبيٍّ في بلد مُعدم فقرا، وتُحاكي فيه طبقات الهوامش سُلوكيَّات طبقة المركز، فتكون جريرة الأخيرة مضاعفة لكونها قدوة لبعض العامة يتمثلون تصرفاتها بالفاصلة، .."والجِهد ماهو واحد"..
عليه، لستُ مُلزمة أو مُلتزمة بالسُّكوت حيَّال أيّ سلوكيات أو مسلكيَّات لا تملك من الشرعية إلا لكونها مُهجَّرة من الماضي، أو مُمارسة من الصَّفوة!، (وقد تناولتُ من قبل نفس الموضوع بإسهاب مُفرطٍ على صفحتي تحت عنوان "العُرس الماحق").
مبدئيا، لم أكتب يومًا باسم مُجتمع ولا قبيلة، وكذلك لم أفعلْ في اليوم قبل أمس،.. فقد كتبتُ بتوقيعي الخاص كالعادة، ولو كنتُ وضعتُ أصلاً فيما أكتبُ اعتباراتٍ لانتماءاتٍ ضيِّقة، لَكَانَ «الأقربون أولى بالمعروف»،.. فمنذ قرابة عقدين تجلدهم بذاءات نفس ذئاب الذّباب بفوق المُتخيل من السُّوء، وتُشيطنهم مُجتمعات وجهات وتنظيمات يمينية ويسارية في ما يُشبه التَّكالب الهستيري، وتباع صوّرهم عُراة في نوادي الصحافة ومزادات نخاسة المدونين.. ومع ذلك، ظللتُ على الصَّامت الفكري، وظللتُ تربطني علاقات افتراضية مِنْ جيدة لمُجامِلة بأصدقاء يُكرِّرون يوميًّا أذكار الصباح والمساء في شتمهم على هذا الفضاء،.. ذلك مستواهم وهذا مستواي،.. ظللتُ أصون لقلمي قدسيته بترفُّع عن مزايدات جوقة "تيفايت" الحرف، وعيني ثابتة على خريطة بلدي المُلوَّنة بقوس قُزح..
أهمس إلى الانتقائيين في النَّقد، وفي نقدِ فعل النَّقد، عن "استخليط" أو عن جهل، أنَّ قلمي لديه كذلك لياقة رياضية في الانتقال من الكتابة الرُّومانسية الحالمة، إلى مُعلَّقات السَّلاطة الشّرسة، لن يُكلّفني الأمر كبير عناء!.. لكنِّي أحترم عقل القارئ، وأحترم ذائقتنا الجمعية.
وأنبِّه بفخر أنَّ حرفي -حتَّى اليوم- لم يُتداول في سوق الصّرف غير المصنف (التلميع، الإشهار، التأجير، التَّشهير، التزكية، التملق).. وأُبشّر بأنه لن يَسقط في مُستنقع التَّبريرات والتَّناقضات وبأنَّ بوصلته ثابتة الاتجاه في يدي، ومهما كانت المنعطفات حادة أو زلقة.. لأنه لا يُدارُ من غيري!
ثانيا، أقرأ يوميًّا ممَّا يُكتب على هذا الفضاء، وأحترم كلّ من يَكتب وما يَكتب، ولو اختلفتُ معه في الرأي أو المزاج أقرأ بصَمتٍ لأستمتِع ثم أغادر،.. لكنِّي أحتقر لا إراديًّا أقلامًا لا تنْفكُّ تتلفَّعُ برداء النُّخبة، حتى إذا ما تعلَّق الأمر بنقد يدخل ضمن حَوزتها الجَهويَّة تنقلبُ فورا في الدفاع والتبرير من الأسود للأبيض ومن الضّد لضّده، وبذلك تنعرج بفجاجة من النقيض إلى نقيضه وهي تبتسم!، .. وهذا عيبٌ تَكرَّر مرَّات مع الأسف، وفعلٌ مُقزّز وهادم للموضوعية والمصداقية، ... طبعًا لا أعمّم، فالأحكام المُطلقة غير علميَّة وفيها ظُلم،..
أشمئز من "صحفي" أو "مدون" أو دعيّ لهما، ينسلخ فجأة من "ألقابه-الرّوليتْ" التي تَبَرْمكَ بها على نفسه في غفلة مؤسَّسية، ليَلعَب دور مُهرّج تقليدي مُدافع عن الباطل ومُحاجّ به، يُساق لتعليق مائة تدوينة متهافتة في السَّاعة، والأكيد أنه يكتبها وهو يستصغر نفسه "دِخْلي" أو ذلك ظنِّي به إنْ كانت له بقية من ضمير.. فأيّ ثمن غَلاَ فوق الكرامة والمصداقية؟ .. أخْ.
قيل إنَّ سيدة من العوام لا تملك وسائل الجَوْ «وتِطَّامَ اتعودْ إگراندْ دامْ »، مَنحت مُ.خَ.نَّ.ثً.ا مُمَجِّدا في أدنى سلم التَّصنيف عشرة آلاف قديمة، ليُحَيِّي حركاتها في "المَرْجعْ" مُدة لَيلة كاملة،.. وكان كُلَّما سَكتَ التَّعيس تغمزهُ بتذمّر أنْ يُواصل،.. إلينْ انسرفتْ روحو من لعياط ،.. اطوالْ اعليه ذَ، أح، "اتْروجَلْ" واگبظ البوق وعيَّطْ اعليها بَسِمْها: «يَمِّي هاكي أُگياتك إشتَّتنا، ذَ مالاحگتُو اعِشْرْ ألافْ من لُوگيه إلطايْحَه اعلَ وْجِهَا،.. ».. انتصر الرجل أو شبيهه لكرامته.
ليتَ بعض المدونين فعل الشيء نفسه بالبوق، والتزم بقول كلمة الحق، فالحقّ هو الله...«أَفَمَنْ يَّهْدِےٓ إِلَي اَ۬لْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُّتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهَدِّےٓ إِلَّآ أَنْ يُّهْد۪يٰۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَۖ »، يونس.
أكرّر التَّنديد بالتَّبذير والإسراف مهما كان فاعله، وأندّد بتبديد المال الخاص على الهواء بحجة حق التَّصرف فيه! ، .. أجدّد التأكيد على احترام الموروث الزاهد، واحترام مشاعر "الغَلابه"، وبأنَّ تاريخًا منَ الانفاق في الخير لا يُشرِّع الصَّرف في بَذخٍ غير خَيِّرٍ ولو لليلة واحدة.
تحياتي