ثلاثة أيام قضاها أربعة مسلحين سلفيين فارين من السجن المدني، يتحركون على متن سيارة رباعية الدفع، في بلدية “المداح” على أطراف ولاية آدرار، في منطقة شبه منقطعة عن العالم، حتى نجحت وحدة من الدرك الموريتاني في قتل ثلاثة منهم واعتقال الرابع، زوال أمس السبت.
“صحري ميديا زارت المنطقة، لتقف على حقيقة ما جرى، فكانت أغلب الروايات المحلية التي حصلت عليها، تؤكد مشاهدة السجناء السلفيين الفارين يوم الأربعاء الماضي، أي بعد ثلاثة ليالٍ من فرارهم.
شاهد أكد أنه التقى بهم يوم الأربعاء، بالقرب من “لمصيدي”، كما التقى بهم أطفال إحدى المدارس يوم الخميس في نفس المنطقة، سألوهم إن كانوا شاهدوا السلطات تتحرك في المنطقة، والتقتهم نسوة نفس اليوم، في قرية (أمزماز)، وأخذوا من عندهم “سجائر”.
ورغم الشكوك التي أثارتها سيارة السجناء السلفيين الفارين، لدى السكان المحليين، إلا أنه لم يتم الإبلاغ عنهم إلا يوم الجمعة، حين التقوا بصاحب سيارة نقل محلية، بادر إلى إبلاغ السلطات.
ضريحُ جد الغزواني
تشير الرواية المحلية إلى أن سيارة السجناء السلفيين كانت تتحرك ما بين قرى في محيط منطقة “لمصيدي”، تسأل عن مكان تلتقط فيه إشارة الهاتف الخلوي، وعن السجائر وبعض مستلزمات إصلاح عجلة سيارة متعطلة، كما ادعوا في بعض الأحيان أنهم عمال للدولة.
السكان أكدوا أن المنطقة التي علقت فيها سيارة السجناء السلفيين، ووقع فيها الاشتباك، تقع بالقرب من مدفن لاثنين من أجداد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقالت سيدة تدعى عيشة بنت محمد الأمين ولد عبدي، في حديث مع صحراء ميديا: “آبائي كانوا من أتباع الشيخ الغزواني، جد الرئيس الحالي، وجده الأكبر الغزواني مدفون في هذه الأرض، على بعد كيلومترات فقط من منطقة الاشتباك”.
وقالت سيدة أخرى تدعى اللجنة بنت التلاميد، تقطن في قرية (أمزماز) إنها التقت بالسجناء السلفيين الفارين، حين وصلوا إلى قريتها وقالوا إنهم يبحثون عن “السجائر”، فأعطتهم إحدى السيدات علبتين قبل أن يغادروا.
فيما قال شهود آخرون إن تحرك السجناء السلفيين في المنطقة، تزامن مع مرور قافلة لسياح غربيين، كانوا على متن أربع مركبات؛ من ضمنها شاحنة وثلاث سيارات رباعية الدفع.
سكان قرية (اوذينة لمصيدي) الذين كانوا شهودا على نهاية السجناء السلفيين
صحراء ميديا مع سكان قرية (اوذينة لمصيدي) الذين كانوا شهودا على نهاية السجناء السلفيين
التمشيط الأولي
وصلت “صحراء ميديا” إلى قرية “اوذينة لمصيدي”، التجمع السكاني الأكثر قربًا من موقع الاشتباك، ليل السبت/الأحد، أي بعد ساعات من اشتباك أفراد الدرك الوطني مع السجناء السلفيين، ومقتل ثلاثة منهم واعتقال الرابع، بالإضافة إلى استشهاد أحد أفراد الدرك.
في قرية “لوذينه” التقت “صحراء ميديا” مع سيدي ولد اعل لعبيد، الذي يقدم نفسه على أنه مسؤول القرية، إذ يتولى نقل المياه مجانا لجميع الأسر على متن سيارته، وهو المشرف على دكان أمل في القرية، وحين يسافر إلى أكجوجت تعتمد عليه أسر القرية في نقل محصولها الزراعي، والعودة ببعض المؤن الغذائية.
وكان ولد اعل لعبيد شاهدًا على أغلب تفاصيل العملية العسكرية، لأن فرقة الدرك الوطني استعانت به في بعض مراحل العملية، وكان حاضرًا لنقل الجثث من المنطقة الجبلية التي وقع فيها الاشتباك المسلح.
حسب الرواية التي حصلت عليها “صحراء ميديا” فإنه بعد الإبلاغ عن السيارة المشتبه فيها، زوال يوم الجمعة الماضي، وصل قائد فرقة الدرك في أوجفت، إلى المنطقة مساء الجمعة على متن سيارتين من الدرك الوطني، وبدأ في جمع المعلومات التي بحوزة السكان، حول السيارة، قبل أن تلتحق به سيارتان من الدرك كانت في “يقرف”، على طريق أطار – أكجوجت.
وفي حدود الساعة التاسعة من ليل الجمعة/السبت، شاهد سكان قرية (لوذينه) أربع سيارات من الدرك، تطارد سيارة مدنية رباعية الدفع، وحين أوقفوها اكتشفوا أنها سيارة نقل عادية، فأخلوا سبيلها، وتمركزت وحدة الدرك في المنطقة حتى الصباح، لتبدأ عملية تمشيط واسعة قادها قائد كتيبة الدرك بولاية آدرار.
استعان الدرك بدليل من السكان المحليين، وبدأت عملية تمشيط المنطقة عند حدود الساعة السابعة من صباح يوم السبت، وعند حوالي الساعة العاشرة صباحًا عثر الدركُ على السيارة مخفية تحت غطاء من البلاستيك (باش)، وحين توجهوا نحوها شاهدوا السجناء السلفيين يفرون منها راجلين باتجاه مرتفعات صخرية قريبة، لتبدأ ملاحقة استمرت لقرابة أربع ساعات.
قيادة من نواكشوط
حين احتمى السجناء السلفيون بالمرتفعات الصخرية، تدخلت طائرة استطلاع قادمة من القاعدة الجوية في مدينة أطار، وبدأت في تمشيط المنطقة وتعقب السجناء داخل المنحدرات الصخرية، وكانت ترسل الصور والبيانات إلى اللجنة الأمنية العليا المنعقدة في العاصمة نواكشوط.
من جهة أخرى، كانت اللجنة الأمنية العليا على اتصال مباشر بعناصر الدرك الموجودين على الأرض، والذين منعتهم وعورة المنطقة من التقدم على متن سياراتهم، فانقسموا إلى فرقتين راجلتين، في كل فرقة ستة عناصر، وبدأوا ملاحقة الفارين عبر المنحدرات الصخرية، فيما بقيت فرقة ثالثة تراقب سيارة السلفيين أسفل الوادي.
فرقة الدرك الأولى التي صعدت المنحدر الصخري، هي التي اشتبكت مع السجناء السلفيين، وكان السجين السالك ولد الشيخ هو أول من أطلق النار متسببًا في استشهاد الدركي المصطفى ولد الخضير، قبل أن يرديه أفراد الدرك قتيلًا، فكان بذلك أول السجناء مصرعًا.
رغم أن المطاردة استمرت لقرابة أربع ساعات، إلا أن الاشتباك كان خاطفًا وسريعًا، وانتهى بمقتل ثلاثة من السلفيين، واعتقال الرابع بعد أن نفد الرصاص الذي بحوزته.
وبحسب شهود تحدثوا لموفد “صحراء ميديا” فإن السجناء كان بحوزتهم مدفع رشاش وحيد وأربع مسدسات، تركوا واحدًا منها في السيارة مع كمية كبيرة من الرصاص.
وأضاف الشهود أنه خلال الاشتباك حلقت فوق المنطقة طائرة ثانية، كانت مقاتلة عسكرية، إلا أنها لم تتدخل في الاشتباك الذي اقتصر على الأسلحة الخفيفة.
سيارة مفخخة
حين أوقف الدرك السجين السلفي الرابع، أبلغهم أن السيارة مفخخة بقنابل، واعترف لهم أنه ورفاقه كانوا متوجهين إلى شمال مالي، وتحديدًا مدينة تمبكتو.
وفي وقت متأخر من ليل السبت/الأحد، وصلت إلى المنطقة فرقة من الدرك مختصة في تفكيك الألغام والمتفجرات، ليسفر فحص السيارة عن اكتشاف ثلاثة قنابل مخفية في صندوق السيارة، ومربوطة بطريقة تؤدي إلى انفجارها فور فتح الصندوق.
وكان خزان السيارة شبه ممتلئ بالوقود، إذ لم تستهلك سوى ربع سعته، وكانت محملة بثلاثة براميل من البنزين سعة كل واحد منها 75 لترًا، وثلاثة براميل أخرى من الماء في كل واحد منها 75 لترًا، بالإضافة إلى برميل ثالث لم يتمكن موفد “صحراء ميديا” من معرفة ما يحوي.
كما كانت السيارة تحمل كيسين كبيرين من سمك السردين، وأربع ناموسيات، بالإضافة إلى مسدس وكمية كبيرة من الرصاص، وبعض الأدوية و10 هواتف نقالة و100 شريحة هاتف تعود لشركات مختلفة.
السيارة كانت تحمل وثائق صادرة عن دولة مالي، وفيها عدة لوحة ترقيم مالية، فيما أكدت مصادر “صحراء ميديا” أن الأمن الموريتاني أوقف شخصين يحملان الجنسية المالية يعتقدُ أنهما أدخلا السيارة للأراضي الموريتانية.
واتضح أن السيارة لم تكن تعاني من أي مشاكل فنية، إذ تمكن أفراد الدرك من جرها وإخراجها من الرمل، وتحركت تحت الحراسة نحو نواكشوط