بعد عام من نشوب الأزمة مع الجزائر على خلفية انقلاب موقفها من الصحراء الغربية لصالح مقترح المخزن للحكم الذاتي، ظهرت اسبانيا في ثوب الخاسر الأكبر، وتمكنت الجزائر خلالها من تنفيذ انتقامها بإجراءات لم تستطع مدريد الرد عليها.
في هذا السياق، ذكرت صحيفة “إل انديبيندانتي” الاسبانية في مقال مطول لها بمناسبة مرور على الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومدريد، أن البلد الشمال إفريقي انتقم بطريقته من اسبانيا، من منطلق أن اسبانيا صارت تشتري الغاز بأسعار أغلى، زاد من حدتها إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوربي (الذي يمر عبر المغرب)، وأيضا تمكنت من منع مدريد من أن تبيع الغاز الذي تستورده من الجزائر إلى المملكة المغربية.
وبدت الصحيفة متحسرة على ما آلت إليه علاقات مدريد بالجزائر، حين أشارت إلى أن العلاقات المؤسساتية والاقتصادية بين البلدين ممتازة إلى غاية أن قام قصر المونكلوا (مقر الحكومة) بالإعلان عن موقفه الجديد بخصوص الصحراء الغربية، ومعه تغير كل شيء بشكل جذري، وكان أول قطاع يعاني من تبعات ذلك هو الطاقة، بالنظر إلى أن الجزائر كانت هي المورد الرئيسي للغاز.
ولفتت الصحيفة إلى أنه قبل بداية الأزمة الجزائرية الاسبانية، جرى إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يمر عبر المغرب، وعلى اثر ذلك انخفض الغاز الطبيعي المستورد من الجزائر بنسبة 40 بالمائة في عام 2022 ، بحسب أرقام هيئة مراقبة وتسيير مخزونات الطاقة “Cores”.
وحسبها، فإن إمدادات الغاز المسال الجزائري “جي.أن.أل” إلى اسبانيا جرى تقليصها إلى مستويات دنيا على درجة أن الكميات القادمة من الجزائر لم تدخل قطرة واحدة منها في مخزونات البلاد.
ودفع المواطنون والشركات في اسبانيا أسعارا مرتفعة للغاز في سنة 2022، بعد أن قامت سوناطراك وناتورجي بمراجعة أسعار العقود الثنائية، وحسب المصدر ذاته فإن الأسعار ارتفعت بشكل كبير عقب الاتفاق المبرم بين الطرفين، وجرى تطبيقه بأثر رجعي حتى نهاية 2022 من طرف الشريك الاسباني.
وبعد تهديدات الجزائر الجدية بقطع الإمدادات عن اسبانيا تبين أن الكميات الموردة على هذا البلد قد تمّ تحويلها إلى وجهة غير تلك المنصوص عليها في البنود التعاقدية، سارعت مدريد إلى التأكيد على أنها لن ترسل أي قطرة من الغاز الجزائري إلى المغرب، وهي إشارة واضحة حسب الصحيفة على خشية وحرص مدريد لتجنب صراع مع الجزائر كان سيعرض إمدادات الطاقة للبلاد إلى الخطر.
تجارة خارجية في اتجاه واحد لصالح الجزائر
في سياق آخر، تبرز المبادلات الثنائية بين الجزائر واسبانيا كواحدة من مظاهر الانتقام الذي لم تستطع مدريد الرد عليه، ومرجح أنها لن تستطيع مستقبلا أيضا، من منطلق أن وارداتها من الجزائر استمرت في التدفق، مقابل توقف شبه تام لصادراتها نحو الجزائر منذ جوان الماضي.
وتشير بيانات هيئة التجارة الخارجية الاسبانية لسنة 2022، إلى أن الصادرات من الجزائر وفي مجملها غاز طبيعي ونفط ومشتقات بترولية، تدفقت على اسبانيا بل وزادت تكلفتها المالية مقارنة بالسنة التي قبلها (2021) بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق الدولية جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
مقابل ذلك، شهدت صادرات اسبانيا نحو الجزائر توقفا شبه كلي منذ جوان 2022، ما تسبب في خسائر قدّرتها هيئات رسمية بأكثر من 770 مليون دولار، طالت أكثر من 600 شركة تنشط في الجزائر أو لها علاقات تجارية معها.
ودفعت الوضعية بحزب الشعب الاسباني (P.P) اليميني إلى تقديم مقترح للبرلمان لتقديم مساعدات مالية أكثر من 600 شركة اسبانية تضررت جراء الخلاف مع الجزائر في قطاعات عدة، وتراجع الصادرات نحو الجزائر بواقع 82 بالمائة.
وخلال النصف الثاني من 2022 لم تصدر إسبانيا سوى سلع وخدمات بقيمة 165.1 مليون يورو نحو الجزائر، مقارنة بـ 938 مليون يورو في نفس الفترة من العام 2021، حسب ما ورد في مقترح حزب الشعب، الذي نشرته وسائل إعلام محلية، مشيرا إلى أن هذه البيانات تعكس الوضع الصعب الذي تمر به الشركات الإسبانية التي لها علاقات تجارية مع الجزائر دون رؤية حل محتمل في الأفق القريب، خصوصا أن الاتصالات الدبلوماسية مع الجزائر حسبه غير موجودة