أفرزت الانتقادات التي وجهت إلى الحزب الحاكم ، جملة من التساؤلات حول المعايير التي عادة ما تحتكم إليها الأحزاب في اختيار من سيترشح ضمن قوائمها.
الكل سيؤكد أن معايير الكفاءة والنزاهة والنضال هي المحدد الأول في اختيار المترشحين، غير أن الانتقادات والتسريبات التي عادة ما تعقب الكشف عن الأسماء المرشحة لخوض السباق، تدفع إلى التساؤل عن حقيقة المعايير المعتمدة الان. فما المعايير التي تحتكم إليها الأحزاب عند ترشيح ممثليها؟ وهل حقيقة معايير مثل الكفاءة والنزاهة والنضال هي صاحبة الكلمة الأخيرة؟ وما مدى تأثير المال في سباق الترشيحات؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول “الملف السياسي” الإجابة عنها..
المقعد النيابي أصبح وسيلة للترقية الاجتماعية ووسيلة للحصول علي الجواز الدبلماسي والحصانة الدبلماسية
تهافت كبير على الترشح للانتخابات التشريعية.. ملفات بالآلاف على طاولات الأحزاب السياسية واشدها الحزب الحاكم حزب "الانصاف" وصراع محموم بين المتنافسين وسط أجواء مشحونة في معركة أصبح فيها كل شيء مباحا حتى الضرب تحت الحزام.. المهم الترشح مهما كان الثمن وكيفما كانت الوسيلة.
ففي "حزب الانصاف "مثلا، وصل عدد المترشحين إلى أزيد من و2000 مترشح في الدوائر الانتخابية.
كيف سيحسم الحزب العتيد في كل هذا الكم من الملفات، وما هي المعايير التي سيحتكم إليها لانتقاء مرشحيه.. هذا هو السؤال الذي يؤرق كل من قدم ملفا. ما هو شائع وقد قالها ريئس الجمهورية ، غير أن الكثير من الأمور ستجرى بعيدا عن أعين ولد الغزواني ومحيطه داخل المكتب السياسي، فالتقارير التي تأتي من الولايات (الدرك الوطني، الشرطة ومصالح الأمن) ستسقط الكثير، أما ما تبقى فسيحسم فيه على مستويات أخرى بناء على معايير خاصة لا يعرفها إلا من يقررها.
ما يعيشه الحزب العتيد هذه الأيام لا يختلف كثيرا عن بقية الأحزاب الأخرى المرشحة لحصد مقاعد في البرلمان المقبل،.
أرقام كبيرة إذن، تبدو في ظاهرها مؤشرا على وجود تقاليد ديمقراطية وتكافؤ في الفرص داخل الأحزاب، لكنها وبالمقابل تخفي حقيقة مفادها أن الممارسة السياسية في البلاد مريضة ومشوهة، لأن الكثير من المعايير المعتمدة لا تبرر ترشح الكثير من الأسماء، التي سنقف عليها عند الحسم في القوائم النهائية.
الكثير من المترشحين ومعهم أحزابهم يعتبرون الترشح للانتخابات التشريعية فرصة لتحسين الوضع الاجتماعي، بالنظر إلى ما يوفره لهم المقعد النيابي من امتيازات، أجرة (منحة تعويضية ولا في الأحلام) وحصانة تجعلهم في منأى عن أي متابعة قضائية لأزيد من خمس سنوات قابلة للتجديد، قريبا من مصادر صناعة القرار لقضاء الحاجات المستعصية..
وفي ظل هذا المعطى يصبح التساؤل مشروعا عن المعايير والمقاييس التي تعتمدها الأحزاب في اختيار مرشحيها للهيئة التشريعية، هل تستند إلى النضال أم الولاء أم الكفاءة أم العشائرية أم المال والنفوذ؟ أم إلى معايير أخرى نجهلها؟
في الدول العريقة ديمقراطيا، عادة ما يكون معيارا النضال والكفاءة هما الأوليين في اختيار المترشحين ثم تأتي بعدها بقية المقاييس، حسب الدائرة الانتخابية للمترشح. غير أن هذا الترتيب يبدو غير محترم في حالة غالبية الأحزاب ، لا سيما تلك التي اعتادت حصد أكثر المقاعد من غيرها.
خلال الانتخابات التشريعية الاخيرة حجز مترشحون بالرغم من أنهم لا يتوفرون على مستوى تعليمي يؤهلهم لرفع انشغالات من صوت عليهم.. هذا المعطى كان وراء اتهام البعض”
أن الكثير من المترشحين عديمي المستوى هزموا دكاترة وإطارات، فقط لأنهم ترشحوا في أحزاب اعتادت على الفوز حتى قبل الكشف عن نتائج الانتخابات بحكم قربها من السلطة. لكن هذا الأمر انعكس على مستوى الأداء التشريعي ليس فقط خلال المأمورية التي تشرف على نهايتها، وإنما حتى المأمورية التي قبلها، طالما أن معايير انتقاء المترشحين ظلت هي نفسها، مثلما انعكس بالسلب أيضا على رقابة الجهاز التنفيذي الذي “تغول” بشكل غير مسبوق، فيما تحولت الهيئة التشريعية إلى مجرد “غرفة تسجيل”، كما جاء على أكثر من لسان.
في كل برلمانات العالم يوجد فلاحون ونقابيون ومهنيون لا يتوفرون على شهادات علمية، غير أن هذا الأمر لا يعتبر قاعدة وإنما استثناء، لأن مثل هؤلاء المترشحين يعرفون أكثر من غيرهم مشاكل وهموم الفئات العمالية التي يمثلونها، ومن ثم فهم أفضل من يرفع انشغالاتهم إلى السلطات المخولة.
البعض يري بأن الكفاءة والنزاهة هما من سيحددان هوية من سيمثل “الشعب ” في الانتخابات التشريعية المقبلة، فضلا عن معيار آخر يراه مهما وهو عامل القبيلة بحكم أن “القبيلة ” تمثل الوعاء الانتخابي الذي سيختار المترشح يوم الاستحقاق، كما يؤكد على أن الصندوق هو ما سيفصل في اختيار أسماء المترشحين على مستوى كل ولاية من الولايات.
القبلية والمال الفاسد وحتى النفوذ بات يحكم العملية الانتخابية حسب ما يقوله الكثير من المراقبين في هذه الانتخابات المقلبة
علينا أن لا ندعي الوطنية أو نزايد على أحد بأنه وطني أكثر من الآخر ونقول بأن هذا السياسي يحب وطنه أكثر من السياسي الآخر، والأحزاب تتحمل مسؤولياتها الكاملة في اختيار المرشحين والرقي بالعمل السياسي. والابتعاد عن المال الوسخ وشراء الذمم..
وفي حقيقة الأمر، نحن كشعب نرافع من أجل ترسيخ مبدأ الكفاءة والنزاهة بالإضافة إلى الامتداد في الأوساط الشعبية، لأنه وفي أعرق الديمقراطيات لا يمكن استهداف النخبة، لأن الأحزاب تتأقلم مع واقعها الإجتماعي، وهناك بعض المواطنين يرون بأن أي إنسان بسيط يمكن له أن يمثلهم في المجلس الشعبي الوطني ويوصل أصواتهم وانشغالاتهم إلى المسؤولين في الدولة، وعليه فإن الاختيار يقع على الأشخاص الذين يلقون شعبية عند من فوضهم للحديث باسمه، وليس بالضرورة أن يكون الدكتور مثلا أفضل من مرشح اقل منه في المستوى العلمي.
الياس محمد