في القرن الحادي عشر ميلادي أصاب القحط منطقة نجد وهي المنطقة التي كانت القبيلة الهلالية تستقر بها. وهذا أدى لحدوث حدث تاريخي كبير وهو هجرة هذه القبيلة من نجد ووصولها بعد عقود لبلاد المغرب العربي.
حاولوا في البداية الهجرة إلى العراق، ولكن الخلافة العباسية منعتهم. وذلك بسبب حرص العباسيين على عدم حدوث خلل في تركيبة القبائل العربية التي رسمت من زمن المنصور. وكذلك لعدم ثقة العباسيين بالهلاليين نتيجة اشتراك الهلاليين بثورات القرامطة ضدهم. وللمفارقة كانت العلاقة بين العباسيين والهلاليين ممتازة فجدة العباسيين الكبرى هي الصحابية لبابة الكبرى الهلالية (ر). وكما أن الخليفة المنصور جعلهم ولاة على نجد، ولكن إنضمام الهلاليين لتمرد القرامطة أدى لتغير هذه العلاقة.
قبيلة الهلالية في مصر
انتقل الهلاليين إلى مصر التي كان يحكمها أنذاك الدولة العبيدية الشهيرة بإسم الفاطمية. فاستقروا في صعيد مصر على ضفاف شرق نهر النيل، ولكن الدولة العبيدية ندمت على استقبالهم نتيجة الأعداد المأهولة للهلاليين. وكذلك بسبب المذهب السني الذي يعتنقه الهلاليين المخالف لمذهب العبيديين الاسماعيلي، على الرغم من أن الهلاليين تحالفوا مع القرامطة والعبيديين. فوجدوا بأن وجودهم أصبح خطرا مما أجبر الدولة العبيدية على جعل جيشها محيطا بتجمع القبائل الهلالية.
في عام 1049م قام حاكم إفريقية المعز بن باديس بقطع الخطبة للدولة العبيدية، وأعلن ولائه للدولة العباسية. وقام بإضطهاد أتباع المذهب الإسماعيلي ونشر المذهب السني، وهذا جعل الوزير العبيدي أبو محمد اليازوري يجد حلا بضرب الخطرين ببعضهما. حيث قام بدعم وتشجيع هجرة القبائل الهلالية وبنو سليم إلى إفريقية، وبدأت هذه الهجرات في عام 1050م.
ذكر القيرواني الذي عاصر الهجرة الهلالية أن أعدادهم أكثر من مليون ونصف. بينما ذكر المؤرخ مبارك الميلي أن مليون، وعدد المقاتلين منهم نحو خمسين ألف وسلاحهم سيف ورمح وقوس ودرع. وقد شبه ابن خلدون أن أعدادهم في كثرتها كانت مثل الجراد المنتشر.
دخول المغرب
كان المغرب الكبير عربياً من قبل الهجرة الهلالية، ففيه كانت الإمبراطورية القرطاجية الفينيقية. فكان الفاتحين العرب محررين له من الاحتلال الروماني، ومع هذا التحرير إنتقل للمغرب العربي حوالي 31 قبيلة عربية. وفي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد قام بنقل قبيلة تميم، وفي عهد الخليفة العباسي محمد المعتصم قام بنقل أعداد ضخمة من قبيلة ربيعة...
كان المغرب العربي فيه ثلاث دول رئيسية فالدولة الزيرية في تونس وليبيا والتي يحكمها المعز بن باديس. والدولة الحمادية في الجزائر والتي يحكمها بلكين بن محمد الحمادي. ودولة المرابطين في المغرب الأقصى والتي يحكمها عبد الله بن ياسين، وكانت الثلاث دول تخطب للخليفة العباسي في بغداد.
بدأت العلاقة جيدة بين الهلاليين والمعز بن باديس، وبقيت القبائل الهلالية بالجبال والسهول القريبة في ليبيا ترعى أغنامهم بتلك السهول والجبال معجبين بكثرة الأعشاب. ووافق المعز أن يبقوا في ليبيا وأن لا يصلوا إلى تونس، وقام المعز بتقريب مؤنس بن يحيى الصنبري (من قبيلة رياح)، فزوجه ابنته وأكرمه وأنزله القيروان.
في عام 1052م وقعت أول معركة وهي معركة جندران الواقعة بين قابس والقيروان، حيث تقدمت القبائل الهلالية إلى تونس. وكان عدد المقاتلين الهلاليين 3000 مقاتل، فجمع المعز بن باديس 30000 مقاتل. ولكن عندما وقعت المعركة انسحب البربر من جيش باديس حيث كانوا متعاطفين مع الدعوة الإسماعيلية التي حاربها المعز. وكذلك انسحب العرب المتعاطفين مع العرب الهلاليين، وبقي فقط مع المعز عبيده. فانهزم المعز وعاد إلى عاصمته القيروان، ثم وقعت معارك أخرى أشهرها معركة النحر وهزم فيها المعز.
الاستفادة من القبائل الهلالية
قرر المعز بن باديس أن ينقل عاصمته من القيروان إلى المهدية، وتوفي فيها عام 1062م. وتولى الحكم ابنه تميم والذي استطاع أن يستفيد من الهلاليين، فأدخلهم في جيشه واعتمدهم حكامًا على مدنه. وكانت الفائدة الكبرى حينما عزم حاكم الدولة الحمادية الناصر بن علناس السيطرة على تونس والقضاء على الدولة الزيرية فيها. فوقعت معركة في عام 1065م اعتمد فيها تميم الزيري على القبائل الهلالية فتحقق له النصر، ومنح كافة الغنائم للعرب.
وبعد الإنتصار الزيريين عام 1065م ثم الصلح بين الزيريين والحماديين عام 1067م. تقدمت الهجرات الهلالية نحو الجزائر وانتشروا فيها واتخذوا من الجلفة مركزا لهم، ولاحقا تقدموا نحو المغرب الأقصى فلجأ لهم أمراء مختلف دول المغرب العربي على مر الزمن من مرابطين وموحدين ومرينيين وزيانيين وحفصيين وغيرهم.
قاموا بجمع جباية الأعشار وفوائد الرعي وقبض الرسوم التي تؤدى على الأبواب والممرات والقناطر والأسواق وغيرها. ومقابل هذه الامتيازات تحمل الهلاليون مسؤولية الدفاع ومحاربة كل من عادى السلطان داخل أو خارج الحدود، وإرغام السكان على دفع ما بذمتهم للخزينة العامة.
ازدهار المغرب
وكان لبنو هلال فضل على بلاد المغرب العربي حيث نجحوا في استغلال الأراضي الفلاحية وجعلوها مزدهرة. وكذلك بتعبئة الفراغ بين المدن الرئيسية، بعد أن كانت بلاد المغرب العربي ذات مدن متباعدة وأقرب للفراغ أصبحت ذات كثافة سكانية مناسبة. وكذلك بسبب بنو هلال أصبح للمغرب العربي عمق استراتيجي بعيداً عن البحر المتوسط.
وظهرت لاحقا “السيرة الهلالية” وهي أحد أشهر السير الشعبية التي تروي تغريبة بنو هلال وهجرتهم على شكل أبيات شعرية مليونية. ولكن تمت إضافة أحداث خيالية باعدت بينها وبين ما حدث في الواقع. ومن أشهر الشخصيات الواردة الأمير حسن الهلالي وأبو زيد الهلالي وذياب الزغبي والجازية الهلالية