بعد 59 يومًا من الحرب الإسرائيلية الطاحنة والدموية على قطاع غزة، والتي لم ترحم بشرًا وحجرًا وحتى شجرًا، يلوح في الأفق سؤال الأبرز طالما غنت وتوعدت إسرائيل وقادتها بتحقيقه وهو.. “هل تم القضاء على حركة حماس”، واقترب موعد السقوط الكبير؟
الإجابة على هذا السؤال رغم تعقيداته وتشعباته تعلمها إسرائيل جيدًا، فطوال هذه المدة من الحرب الدموية التي فاقت قوتها ودمارها وضحاياها حروب أخرى سجلها التاريخ بالخط العريض، لا تزال المقاومة صامدة ولا تزال الصواريخ تسقط على الرؤوس في كل المدن الإسرائيلية ومن بينها “تل أبيب” وغيرها، وكل يوم يتم الإعلان عن قتل أو جرح جنود بسبب المعارك الضارية مع المقاومة في قطاع غزة.
فهنا يبدو أن لغة الميدان والواقع تفرض نفسها بقوة بعيدًا عن لغة التهديد والساسة وقد تقدم الدليل الصريح على الشرط الرئيسي الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية، ضمن الأهداف الثلاث لحرب غزة والمتمثلة بـ”الإفراج عن الرهائن، والقضاء على حماس، وإبعاد غزة عن أي خطر مستقبلي على إسرائيل”.
وعن رأي الخبراء الإسرائيليين في الإجابة على ذلك السؤال الكبير، فقال خبراء إسرائيليون للإذاعة الإسرائيلية الرسمية، إن حركة “حماس” لا تزال بعيدة عن الانكسار، ومستعدة لمواصلة القتال لفترة طويلة.
خطة القضاء على حماس؟
وحسب المصدر ذاته، فإن رئيس الحركة يحيى السنوار لا يزال يسيطر على الأمور ويديرها ويتحكم بها.
وقال كذلك المحلل العسكري الإسرائيلي، في صحيفة “هآرتس” العبرية عاموش هارئيل، إنه على الرغم من الهجمات الإسرائيلية “العنيفة” والمتواصلة على غزة، إلا أن قيادة حركة “حماس” لا تزال تسيطر على القطاع.
وأشار هارئيل، إلى أنه “في قطاع غزة، تتواصل المعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس بعد محاصرة مدينة غزة فعليا، والحركة لا تزال قوية ومتماسكة”.
وذكرت مصادر لصحيفة “غارديان” البريطانية، أن هجوم إسرائيل المقبل على جنوبي قطاع غزة، “مبني على معلومات استخباراتية مستمدة من مئات المسلحين الذين تم اعتقالهم خلال القتال شمالي القطاع، مما سيسمح للجيش الإسرائيلي بالعثور على قادة حماس وقتلهم”.
ويعتقد السياسيون والجنرالات في إسرائيل، أن القضاء على كبار القادة – لاسيما زعيم الحركة في القطاع يحيى السنوار – يشكل “أفضل فرصة” للقضاء على الحركة المتجذرة بعمق في غزة، بعد ما يقرب من عقدين من سيطرتها التامة على القطاع.
وأكد مسؤولان عسكريان لديهما معرفة باستراتيجية المرحلة المقبلة، للصحيفة البريطانية، أنه “سيكون هناك تركيز مكثف على استخدام المعلومات الاستخباراتية الجديدة، لاستهداف قادة حركة حماس”، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وفي ذات السياق يقول عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، غازي حمد إن حديث الولايات المتحدة عن عدم وجود مكان للحركة في مستقبل قطاع غزة، يعكس فشلها في تحقيق أي إنجاز على الأرض، وقناعتها بأن حماس أصبحت قوة سياسية وعسكرية تتحكم في مجريات الأحداث ولن تسقط.
وأضاف حمد في مداخلة مع “الجزيرة” أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان إعادة ترتيب الأوضاع في غزة بينما لم تحققا أي إنجاز على الأرض سوى قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمنشآت المدنية، مؤكدًا أن واشنطن وتل أبيب تخسران يوميا من سمعتهما وجنودهما وآلياتهما في غزة، وأن الهيبة التي كانت إسرائيل تتمتع بها قد كسرت إلى الأبد ولن تعود.
كما أكد حمد أن ترتيب الأوضاع في غزة “هو شأن فلسطيني محض وحماس ستكون جزءا منه رغما عنهم؛ لأنها جزء من النسيج الوطني الذي يقف اليوم كله مع المقاومة وحق إنشاء الدولة ورفض الاحتلال”.
وقال عضو المكتب السياسي لحماس إنه “لا يوجد طرف فلسطيني سيتعاون مع الأمريكان في هذا الأمر”، وإنهم “لو حاولوا البحث عن بعض الأطراف الهشة والضعيفة، فإن الفلسطينيين سيفشلون هذا المخطط المشبوه كما أفشلوا صفقة القرن، حسب قوله.
وأوضح حمد أنه لا يتحدث عن حركة حماس فقط و”إنما عن كل الفلسطينيين الذين أصبحوا يدركون تماما أن الولايات المتحدة لا تعمل لصالحهم وإنما لصالح الاحتلال ويحاولون إفراغ غزة من المقاومة لتوفير الأمن لإسرائيل”، مؤكدًا أن غزة ستظل عصية على التطبيع وعلى الكسر وستبقى “شوكة في حلق الأميركان والإسرائيليين”، وفق تعبيره.
وعزا حمد حديث واشنطن وتل أبيب عن ترتيب مستقبل غزة بدون حماس، إلى إدراكهم لحقيقة أن الحركة هي من يحرك الأحداث حاليا وأنها أصبحت قوة قادرة سياسيا وعسكريا بعد أن حركت المنطقة والعالم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورقة السنوار الأخيرة
عاموس مالكا، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي “أمان”، اتهم نتنياهو، بتعظيم قوة حركة حماس، ضمن هدف استراتيجي يرنو إلى “تقويتها على حساب السلطة الفلسطينية”، ومن ثم التصدي إلى حل الدولتين.
ونقلت صحيفة “غلوبس” العبرية، عن مالكا “على الرغم من فشل أجهزة الاستخبارات والجيش في التصدي لهجوم السابع من أكتوبر، إلا أن نتنياهو يتحمّل مسؤولية أكبر بكثير، بعد أن اتبع سياسات تقوم على الفصل بين الضفة الغربية وغزة من خلال تقوية شوكة حماس، ومن ثَمّ إضعاف السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يعدّ حائلًا أمام دولة فلسطينية في المستقبل”.
واستغرب الجنرال الإسرائيلي كيف فشل الجهاز الذي كان يقوده حتى العام 2001 في التصدّي لهجوم السابع من أكتوبر، في وقت كان قد وضع الكثير من التقارير على طاولة المستوى السياسي تُحذِّر من هجوم وشيك، وفي وقت يتمكّن الآن من جمع معلومات استخبارية نوعية تسهم لصالح العمليات الحربية في غزة.
وذكر مالكا أن إسرائيل تضع على رأس أولوياتها حاليًّا مسألة تحرير باقي الأسرى، وأنه حتى الآن أُطلق سراح جزء من النساء والأطفال، ويبقى الجزء الآخر في غزة، في قبضة تنظيمات على رأسها حماس، وقال إن الثمن الذي دفعته إسرائيل لم يكن بسيطًا، وتوقع ثمنًا أكبر فيما هو قادم.
ودعا إلى ضرورة استيفاء كل الطرق لإعادة باقي الأسرى قدر الإمكان، وحتى لو بنفس شروط الصفقة السابقة، ورأى أن شروط تلك الصفقة كانت جيدة ويمكن التعاطي معها بعد ذلك
لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة، وأن الثمن سيكون أكبر بكثير، وسيتطلب الأمر مفاوضات أكثر تعقيدًا، لو وضع بالاعتبار أن الحديث يجري هذه المرة عن جنود ومجندات وأشخاص ناضحين، ولفت إلى أنه على قناعة بأن مفاوضات تُجرى بالفعل في هذا الصدد.
وذهب إلى أن أصعب ما في الأمر ستكون ما أسمَّاها “الصفقة الأخيرة”، والتي رأى أنها ستكون ورقة اللعب الأخيرة في يد زعيم حماس العسكري، يحيى السنوار، وأنه لا يوجد مؤشر عملياتي على أن السنوار مستعد للتخلي عن هذه الورقة، بدليل العودة إلى الحرب.
وقدَّر أن الورقة التي يتحدّث عنها أو الصفقة الأخيرة “ستشهد مطالبة السنوار بكل الثمن الذي يريده من البداية، ومن ذلك حتى وقف الحرب كليّة، مقابل تلك الصفقة الأخيرة”.
وحذَّر مالكا الحكومة الإسرائيلية من هذه المرحلة، وقال إنها مرحلة “الفخ” الذي تنصبه حماس، قائلا: “يحظر السقوط في هذا الفخ، أو أن تعطي إسرائيل ميزتين لحماس في آن واحد، أي: إطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين من سجون إسرائيل، وفي الوقت ذاته بقاء سلطة الحركة قائمة على قطاع غزة”، داعيًا الحكومة الإسرائيلية لمواصلة المفاوضات فقط بالتزامن مع القتال، وليس من دونه.
وأوضح أنه يتعيّن على إسرائيل أن ترصد ما إذا كانت أي صفقة مقبلة لن تؤثر على الهدف المحدّد بتصفية حماس، أو على الأقل خروج كل قيادات الحركة من غزة، ونزع سلاح القطاع بشكل كامل، وقال: “لو لم يحدث ذلك فإننا إذن لم ندمر قدرات حماس العسكرية والسياسية”.
وتوقَّع أنه على غرار المرحلة السابقة من الحرب في شمال قطاع غزة، والتي أدّت من وجهة نظره إلى تحرير عشرات الأسرى الإسرائيليين، فإن الضغط العسكري في الجنوب في تلك المرحلة هو الذي سيؤدي أيضًا إلى إطلاق سراح المزيد منهم.
من سينتصر في معركة النفس الأخير؟.. وما هو الثمن؟