لا شك أن التاريخ هو مرآة الأمم، يعكس ما فيها، ويترجم حاضرها؛ لذا كان مِن الأهمية بمكان أن نحافِظ عليه وأن نهتم به، وأن ننقله إلى الأجيال نقلًا صحيحًا.بدون تحريف
من هنا نستطيع أن نفهم أن كلّ توجّه واع للتاريخ هو مظهر حياة، ونفض الغبار عن صور السموّ الإنساني على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. وإماطة اللثام عن روح مستوي العلمي للأجداد..
لا يمكن لمجموعة بشرية أن تنفصل عن تاريخها، فهو يؤثّر في روحها وفكرها وسلوكها إيجاباً أو سلباً، غير أنّ هذا التأثير يتغيّر تبعاً لمستوى النضج الفكريّ ، فإن كان مستواها هابطاً انجرفت في تيار أحداث متدفّق من الماضي إلى الحاضر، دون أن يكون لها إرادة في تعيين مساره، وإن
. ونحن اليوم نرث كلّ تلك الإيجابيات والسلبيّات، فما موقفنا منها؟ هذا يتوقّف على مقدار ما فينا من حياة وإرادة. إن كانت مظاهر الحياة فينا ضامرةً تسرّبت إلى أجسامنا سلبيات التأريخ، كما تسرّبت الجراثيم إلى الجسد الضعيف لتزيده ضعفاً وتفتك به،وفي هذا الخضم لابد من نفض الغبار واضاءة هذا التاريخ الذي كاد أن يضمراو أن يحرف.
استقر الطالب صديق بزاويته المشهورة "تكبة" تلك الزاوية التي كانت منارة إشعاع روحي و منبع عطاء علمي عدة عقود من الزمن , و تخرج منها الأقطاب و الأولياء و فطاحلة العلماء , و أصبحت قــِبْلَة طلاب العلم و المعرفة و مصدر التلمس و البركات!فهاجرت إليه العربان و تقاطرت عليه الجيران , فعمّ نفعه و ذاع صيته , و تخرّج على يده كثيرون أسسوا بدورهم زوايا و مدارس كان لها الفضل في نشر العلم و ترسيخ القيم الحميدة و الأخلاق الفاصلة بالمنطقة..
وعلى بعد 50 كيلومتر في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة تامشكط بولاية الحوض الغربي، تقع مدينة (تكبة) العتيقة التي تأسست بداية القرن العاشر الهجري على يد" قبيلة إجمان البركنية" بقيادة الولي الصالح الصوفي الطالب. من ابرزهم الطالب مصطف القلاوي ,وتوفي فيها وهي مزار الان لابنائه من قبيلة إجمان" وكان هذا هو الظهور الأول لقبيلة "اجمان" كقبيلة مستقلة منفصلة بعيدا عن أصلها البركني في منطقة لبراكنة، وهو ما شكل الدافع لتأسيس .مدينة مستقلة تكون مركزاً عليماً وحضارياً لهذه القبيلة في هذه البلاد، ولهذا تعد مدينة تكبه هي الحاضنة الأولى والأساسية لقبيلة "اجمان" التي أسسو بها امارة وحصنوها من كل الجوانب. ، وقد شهدت المدينة ازدهاراً علمياً وحضارياً وعمرانياً ملحوظاً حتى أصبحت من الناحية العلمية تقارن بشنقيط لكثرة العلماء فيها. وخلال حرب تنيكي الاهلية بين بطون قبيلة تجكانت اختاروها للنزوح إليها لانها آمنة وسهلت لهم قبيلة اجمان المكوث بها بعد الحرب الطاحنة بينهم. تقع المدينة في مكان مرتفع نسبيا عن سفح الجبل، وهو ما يسمح لسكانها بمراقبة التحركات المشبوهة للغزاة والغرباء وقطاع الطرق..
تظهرلك ركام المدينة الحجرية من بعيد على شكل تلال جبلية حمراء، لكنك كلما اقتربت منها أكثر تتضح لك معالمها، مُمثلة في بيوتها، وأزقتها الضيقة، وحصونها الكبيرة، ومخازنها العميقة التي بنيت تحت الأرض.
وعلى بعد 200 متر من المدينة جنوب الوادي (المَسيَل) شيّد السكان بعض القلاع والحصون التي ما يزال ركامها شاهدا حيا على حجمها، ومُحددا لمساحتها طولا وعرضا.
وغير بعيد من ذلك في الجهة الشرقية من المدينة تقع مقبرة (تكبه) المترامية الأطراف والتي تضم عشرات الأعلام من الأمراء و العلماء والأولياء من بينهم مؤسس المدينة الولي الصالح الطالب صديق, ، وقد نقشت أسماؤهم على الحجارة بخط يتفاوت في الوضوح، فبعضه بيّن تمكن قراءته والتعرف على أصحابه بسهولة، والبعض الآخر باهت، أما البقية فغير منقوشة، أو طمرتها السوافي المتعاقبة عبر الزمن.
المدينة في تخطيطها العمراني تشبه الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان والمتلاصقة المباني، حيث لا تتجاوز مساحة المنزل الواحد على أكبر تقدير 15 – 15 من الأمتار، وتتكون أغلب المنازل من غرفة كبيرة، وبيوت صغيرة، وقاعة عامة، وفناء.
ومن الواضح أن السكان كانوا يستخدمون الأنفاق الأرضية، إما لجعلها مخازن يحفظون فيها الغذاء، أو مخابئ تلجأ إليها النساء والأطفال في زمن الحرب.
المدينة تضم منزلا مُصمَّما على هيئة مجلس للقضاء، يتوسطه مقعد حجري مرتفع يحتمل أن يكون أريكة لأحد الأمراء أو القضاة أو غيرهم من الشخصيات التي تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، كما أن هناك بيوتات أخرى بنيت على شكل نوادي ومجالس أدبية عامة.
وقد ظلت مدينة تكبه عامرة بالسكان والعلم والعلماء حتى مطلع القرن الماض من التاريخ الميلادي، الذي شهد دخول الاحتلال الفرنسي إلى موريتانيا.وَتَبَقّىّ تكبة شَيِء مِنّ "عَبَقِّ" التاريخ عَآلِقٌ بِنّآ رُغّمَ ألّزَمَنّ شَيِء تَعّجَزُ يَدُ ألّنِسّيِآنِّ أنّ تَطَآلَهُ..
«ما أريد أن أؤكّد عليه في نهاية هذا المقال هو.مبدأ في قراءة التأريخ حيث يشكّل معياراً للتمييز بين القراءة الحيّة المنطلقة من رواد الحياة، وبين القراءة الميتة المنبثقة من روح ميتة أو قاتلة.
الياس محمد سيدي عثمان.