أشرت في مقال سابق لي نشر يوم الأربعاء الماضي في هذه الزاوية تحت عنوان: (فلسطين أم "إسرائيل") ؟ إلى أن الكنعانيين هم الفلسطينيون، وعلى ما يبدو أنني وقعت في خطأ تاريخي، أعتذر عنه، وأصححه لكم ههنا.
يقول برتراند رسل في كتابه: (حكمة الغرب)، الذي ترجمه الدكتور فؤاد زكريا، ص25: " وهكذا نجد الكريتيين من بين (شعوب البحر) التي هددت مصر حوالي عام 1200 ق.م.، وكان المصريون يطلقون عليهم إسم ( بليست Peliset) وكان هؤلاء هم (الفلسطينيون Philistines) الأصليون الذين إستمد هؤلاء منهم إسم الأرض التي استقروا فيها، وهو (فلسطين)."
بادئ ذي بدء شككت بما يقوله الفيسلوف البريطاني، فالفكرة لدي أن الفلسطينيين هم كنعانيون أي عرب ليسوا شعوب بحر ولا شعوب هواء! لكن الشك مفتاح الحقيقة، ويفترض بي أن أكون باحثا مجردا عن الهوى، لكي أصل إلى الحقيقة بغض النظر عن مرارة مضمونها أو حلاوته.
بعد البحث والتمحيص، تبين لي أن هناك فرق شاسع بين الكنعانيين والفلسطينيين "قديما".
وفقا لموسوعة الدراسات الفلسطينية 1990 ص4؛ فإن فلسطين سميت منذ أقدم العصور باسم أرض كنعان نسبة إلى أول شعب إستقر فيها حوالي 3000 ق.م.، والكنعانيون هم شعب عربي سامي، هاجر من الجزيرة العربية وسكن بلاد الشام. أما الفلسطينيون فهم شعب بحري هاجر من غرب آسيا الصغرى "تركيا" ومن جزر بحر إيجة "البحر الأبيض المتوسط" في أواخر القرن12 ق.م. وأوائل القرن11 ق.م. إلى بلاد الشام، واستقروا أخيرا على ساحل فلسطين الجنوبي، وبنوا هناك خمسة ممالك ومدن وهي: غزة، عسقلان، أسدود، جت، وعقرون.
نلاحظ أن الموسوعة هنا تتفق مع صاحبنا الفيلسوف رسل وتوضح بشكل قاطع الفرق بين الكنعانيين والفلسطينيين قديما، وعليه فإنني عندما قلت أن الكنعانيين هم الفلسطينيون فإنني كنت مخطئا، وأعتذر هنا مرة ثانية عن مثل هذا الخطأ غير المقصود، والصواب أن أقول أن الفلسطينيين "حاليا" هم سلالة خليط من أقوام متعددة منهم الكنعانيون، وشعوب البحر وغيرهم ممن تذكرهم مختلف المراجع والمصادر.
وأرجو ألا يفهم القارئ من ذلك أنني تراجعت عن وجهة نظري أن فلسطين حاليا هي أرض سكنها العرب قبل مجيء العبرانيين، ذلك أن معظم لا بل غالبية الدراسات والأبحاث التاريخية تبين بشكل موضوعي وحيادي مبني على أسس علمية أن فلسطين حاليا أرض سكنها قديما الكنعانيون -وهم شعب عربي سامي أصيل- قبل العبرانيين.
وليس أدل على ذلك من شهادة شاهد من أهله؛ فاليهودي الأميركي موشيه منيوحين، يقول في كتابه: (إنحلال اليهودية في عصرنا): "منذ أكثر من 4000 سنة كما تروي قصص التوراة، عاش الكنعانيون في فلسطين. إن بعض عرب فلسطين الذين يعيشون الآن كلاجئين مشردين في الخيام والأكواخ في معسكرات خارج حدود وطنهم، هم من نسل هؤلاء الكنعانيين القدامى".
ورغم تحفظي على شهادة هذا المحترم لكونها إستندت إلى أساس ديني، إلا أن ما يهمني فيها موضوعيتها وحياديتها ودقتها؛ فهو يقول إن "بعض" لا "كل" عرب فلسطين ...هم من نسل هؤلاء الكنعانيين القدامى، وهو ما ذهبت إليه موسوعة الدراسات الفلسطينية، وسبقها بذلك صاحبنا برتراند رسل