شراكة موسعة تتوقعها موريتانيا من خلال زيارة سيقوم بها، الخميس، وفد يضم رئيس حكومة إسبانيا، بيدرو سانتشيث، رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وستشمل هذه الشراكة التعاون والتنسيق مع إسبانيا ومع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة غير النظامية والميادين الأمنية والعسكرية، من خلال اتفاقيات ستوقعها الحكومة الموريتانية مع الطرفين الإسباني والأوروبي.
ويتداخل في ملفات هذه الزيارة، وفقاً لمصدر موريتاني مقرب منها، ما هو أمني وعسكري وما هو خاص بمكافحة الهجرة، وما يتعلق بالتطورات والانقلابات التي تشهدها منطقة الساحل والتي أدت لتفكك مجموعة دول الساحل الخمس وانسحاب النيجر ومالي وبوركينافاسو من “الأكواس”.
وقد تمت تهيئة هذه الزيارة بما ستتمخض عنه من شراكة موسعة، من خلال رؤية تقدمت به الحكومة الموريتانية للطرف الأوروبي وضمنتها احتياجاتها، ومن خلال مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الغزواني قبل أيام، مع رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتشيث، مكنت، حسب مصادر مطلعة، من بلورة رؤية مشتركة بين الطرفين من شأنها أن تمكن من زيادة التعاون المشترك في مواجهة التحديات.
وذكرت صحيفة “البايس” الإسبانية “أن المسؤولين الأوروبيين سيعرضون على الحكومة الموريتانية خلال زيارة الخميس المقبل، دعماً سنوياً بمبلغ 200 مليون أورو مقابل جهودها في مكافحة الهجرة السرية، بدلاً من مبلغ 15 مليون يورو المخصصة لذلك حالياً”.
وتأتي زيارة الوفد الأوروبي الإسباني لموريتانيا وسط تزايد لافت لموجة الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري، حيث بلغت في شهر يناير المنصرم نحو 5 آلاف مهاجر، أبحرت غالبية القوارب التي أقلتهم من الساحل الموريتاني.
وأكد الإعلامي الموريتاني البارز المقيم في مدريد محمد الأمين خطاري
“أنه إذا كان العنوان المعلن لزيارة الوفد الأوروبي الإسباني إلى موريتانيا، هو التعاون المشترك بين موريتانيا وكل من إسبانيا ومنظومة الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، فإن المتتبع للمتغيرات في خارطة منطقة الساحل والمحيط المغاربي قد لا يحتاج عناء كبيراً ليدرك أن الزيارة المرتقبة ستتطرق لمواضيع الأمن والاستقرار بتنسيق مع موريتانيا الشريك الذي يحظى بثقة الإسبان والأوروبيين والبلد المستقر والملتزم بأغلب اتفاقيات الشراكة الموقعة مع الإسبان وباقي دول المجموعة الأوروبية”. وأضاف خطاري في توضيحات لـ “القدس العربي”، أنه “سيكون هذه المرة على الأوروبيين، الاستماع إلى المقاربة الموريتانية بخصوص الأمن والاقتصاد والهجرة، مع فهم طبيعة الاحتياجات الموريتانية وسياقاتها ضمن جوار ملتهب تميزه حالة من الاضطراب وموجات من الهجرة الجماعية تبدأ من أقصي السودان ولا تنتهي عند الحدود مع مالي”.
وخارجاً عن السياق الثنائي بين موريتانيا وإسبانيا، أظهر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفقاً لما تمخضت عنه قمته التي عقدت في مدريد يومي 29 و30 يونيو/ حزيران 2022 الجاري، اهتماماً غير مسبوق بإرساء شراكة عسكرية وأمنية موسعة مع موريتانيا، وذلك من خلال مبادرة بناء القدرات الدفاعية والأمنية التي أقرتها القمة.
القدس العربي
وعن خلفية اهتمام حلف الناتو بالدور الموريتاني، أكد الصحافي الموريتاني محمد الأمين خطاري “أن الاهتمام المتزايد بموريتانيا من قبل حلف “الناتو”، يأتي في ظل السياقات العامة التي أفرزتها الأزمة الروسية الأوكرانية والتبعات الناجمة عنها بما فيها أزمة الطاقة والتحالفات الأمنية التي تكاد تقسم خارطة العالم”.
وأضاف الصحافي خطاري “أن هذا ما يجعل حلف الناتو يضع نصب عينيه، ضمن منظومته الجديدة التي أسماها “المفهوم الإستراتيجي لـ 2030″، أهمية التعامل مع بلد مستقر كموريتانيا؛ بلد لديه حدوده مع أوروبا، وهو ما يعتبر مهماً للحلف من الناحية الإستراتيجية، خصوصاً في ظل الاكتشافات المرتبطة بالغاز في موريتانيا”.
ولفت خطاري النظر إلى “أن المفهوم الإستراتيجي العشري لحلف الناتو، يعتبر موريتانيا طرفاً بالغ الأهمية، فيما يسميه الحلف “الطرف الجنوبي للخطة”، ولهذا، يضيف خطاري، فالشراكة مع موريتانيا اليوم، يترتب عليها الكثير من القرارات والإجراءات مثل التعاون الاقتصادي والتنسيق مع الجيش ومع خفر الحدود وحماية المنافذ البرية والبحرية”.
وقال: “لقد حدثت تطورات كبيرة في الفترة الأخيرة، مثل الحرب في السودان، والانقلابات في مالي والنيجر وبوركينافاسو، وهي التطورات التي شكلت مخاطر محدقة، ينظر إليها الأوروبيون نظرة إستراتيجية، بأنها قد تهدد موريتانيا، لا قدر الله، في حالة زيادة الضغط عليها”.
وأضاف: “موريتانيا أرسلت لشركائها في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي، عدة رسائل، مفادها أن الكيل قد طفح وأن قدرتها الاستيعابية قد تجووزت، نتيجة لتدفق المهاجرين نحو أراضيها”، مضيفاً “أن ذلك قد انعكس على معدل الهجرة نحو إسبانيا، حيث سجلت مصالح الحدود الإسبانية، وصول أكثر من خمسة آلاف مهاجر غير نظامي إلى جزر الكناري الإسبانية منذ يناير الماضي، 80 % منهم وصلوا من الحدود الموريتانية أو من نواذيبو تحديداً”.
وزاد: “المعادلة المطروحة اليوم على مستوى الطرفين، هي ماذا يراد من موريتانيا؟ وماذا سيقدم لموريتانيا؟ وعلى العموم، فهناك تحفيزات مالية، بما فيها مبلغ 200 مليون أورو الذي ذكرته صحيفة البايس نقلاً عن مصادرها”.
وقال: “إسبانيا هي بوابة موريتانيا نحو أوروبا، وهي مؤمنة بأن أمنها مرتبط بأمن موريتانيا، لذا فهي التي كانت تدافع عن الرؤية الموريتانية على المستوى الأوروبي، وخلال مكالمة الرئيس الغزواني قبل أيام، مع رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتشيث، يضيف خطاري: “تم الاتفاق على أن تكون معالجة إسبانية أوروبية للملف الموريتاني على أعلى مستوى وهو ما دل عليه وصول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى نواكشوط يوم الخميس المقبل”.
وأشار خطاري “إلى إعلان حلف الناتو في ختام قمة مدريد المنعقدة في يونيو/ حزيران عام 2022، نيته تقديم حزمة دعم في مجال الدفاع لتطوير قدرات الجيش الموريتاني وتنويع مصادر تسليحه، وفي مجال التدريب وتبادل المعلومات”، مضيفاً “أن دعم الحلف لموريتانيا ربما يمتد أيضاً إلى مجالات اقتصادية واجتماعية”.
وخلص خطاري إلى القول “بأنه سيكون على موريتانيا الاستفادة من استدارة الحلف نحو الجنوب، وأن تقدم الحكومة مقترحات واقعية في مجال التنمية والتعليم والصحة؛ مما يمكّن الحلف من دعم هذه المجالات لتحقيق شراكة واقعية، خصوصاً أن موريتانيا تواجه ضغط الهجرة غير النظامية، وتحقق نتائج جيدة في الشراكة مع أوروبا في هذا الإطا