بلاغ عاجل لرئيس الجمهورية......حول موضوع الهجرة

خميس, 15/02/2024 - 18:13

السيد الرئيس

أخاطبكم هذه المرة في موضوع آخر قد لا يكون  أقل أهمية مما كان موجبا لخطاب سابق  فبيني وإياكم عهد وموثق كما هو حال كل المواطنين مع رئيسهم المنتخب.....

عهدي أن أتقاسم معكم أي هواجس حين تخيفني وموضوع الهجرة يخيفني كثيرا  والموثق أنكم أقسمتم باسمنا جميعا ونيابة عنا أن تحافظوا على كيان البلد وحوزته الترابية وأمنه وتجنبوه - ما استطعتم لذلك سبيلا - كل ما يمكن أن يعرض أمنه وسكينته لخطر  وثقتي كبيرة أنكم ستبرون يمينكم ولن تحنثوه وما أراه في موضوع الهجرة يعرض أمننا لخطر كبير.....

لم أبعث لكم بخطاب عبر البريد فقد لا يصل الخطاب إلا بعد فوات الأوان ولم أبعثهم لكم عبر أطر السياسة القائمة فلا هي تهمني أصلا ولا آمن أن يُقرأ الخطاب لغرض غير الذي دفع إليه فآثرت نشره على صفحة هي ما أملك حصرا من وسائل التبليغ وعبر فضاء سريع التوصيل وسريع الانتشار عله يجد  أحدا يقرأه ممن يقدر أن يوصله فيبلغكم بفحواه......

السيد الرئيس

تناقلت الأنباء هذه الأيام - وأرجو أن تكون كاذبة - خبرا عن مشروع أوروبي لتوطين مهاجرين قد يلتقطهم خفر سواحل الإتحاد الأوروبي قبل وصولهم لأراضيه فيرميهم بعيدا عنه لا رغبة لديه في وجودهم وخشيته منهم كبيرة على أمن بلدانه واستقرار مجتمعاته والتعامل معهم يخلق له معضلة كبيرة فإن استضافهم في معتقلات بأراضيه يكون في مواجهة  قوانينه "الإنسانية" و"منظمات مجتمعه المدني " ويكون ملزما لاحقا بدمجهم طال الزمن أو قصر ثم إن تجميعهم في قيتوهات معزولة سيستفز الذاكرة البشرية فتستحضر عنصرية القارة وسيعرض مصالحها مع إفريقيا لخطر كبير.......فكر مجلس  الإتحاد ثم قدر فقرر أن يخلق لهم مستقرا ومقاما في موريتانيا ويتركها تواجه إكراهات ملف في منتهى التعقيد ويغسل يديه من أي سبب قد يكدر صفو علاقاته مع قارة لا قبل لأحد بالاستغناء عن ثرواتها في قرن إن لم يكن لها حصرا فلها منه نصيب وافر ومن يشاركها فيه لا غنى له عنها.....

ولا أخفيكم سيادة الرئيس أن ما صرح به أحد المسؤولين الرسميين الذين لهم علاقة بالملف لم يكن لي منشأ طمأنينة بل زادني توجسا وخيفة.

السيد الرئيس

لماذا تراقب الدول حدودها ولماذا تشترط تأشيرات دخول إليها ولماذا لا تكون تأشيرة الإقامة أو المرور  إلا لأجل معلوم ؟ لأنها تخشى أن يدخل إليها المجرمون وتخشي أن يدخل إليها المخربون وتخشي المخدرات والسموم وتخشي أن تختل بنيتها المجتمعية بالوافدين وتخشى أن يزاحَم مواطنوها في فرص العمل وأسباب الحياة وتخشي أن تتغلغل في نسيجها المجتمعي ثقافات وديانات وأخلاق لا ترضاها فكانت نقاط العبور ووحدات الرقابة الحدودية والبصمات والتعقب والتحسس والرصد فحماية المواطن قبل توفير المأكل والمشرب فلا يأكل ولا يشرب إلا من أمن على نفسه أولا وضمن بقاءه ووجوده. .   

السيدالرئيس

إنكم تدركون يقينا أن الذين سيدفع بهم حظهم العاثر ليعودوا مرحلين إلينا لا هوية بحوزة أي منهم فقد رموا كل أوراقهم الثبوتية عرض البحر ولا  دولة من دول الجوار البعيد أوالقريب ستقبل بعبء استضافة ودمج شخص لا يملك من أسباب الانتماء إليها سوى اللون واللسان فاللون جامع لأقوام كثر واللسان جامع لعالم كثير يتوزع جغرافية القارة الفسيحة ويزركش جمالها الثقافي وتنوعه  فليس بالضرورة كل من يتحدث البنبارا على سبيل المثال سيكون محل ترحاب في مالي المثخنة بدماء الاحتراب البيني وغدر الأوروبيين ففي دول كثر ناطقون بالبنبارية وليس كل من يتحدث البولارية ستقبل به غينيا فقد يكون من نيجيريا وقد يكون من الكاميرون وقد يكون من جنوب القارة وقد يكون من السودان أما اللون فسمرة جامعة لنا كلنا والقارة سمراء وباسمها تتميز عن غيرها من قارات لورازيا - كْوندوانا......

فكيف سنتعامل مع هذا الملف الشائك المعقد كثيرا وقد استعصى على الذين هم أقوى منا بكثير ويعنيهم أمره مباشرة وحدهم حصرا ؟ وكيف سنحدد هويات المرحلين ؟ وماذا لو أنكروا جميعا أو بعض منهم أن له بلدا ولد به ونشأ وخرج منه ؟ وأية دولة ستقبل دخول من ادعى الانتساب لها  دون أن يدفع ببرهان وبرهانه الوحيد سبق أن رماه في البحر ليسهل عليه دخول قارة تنكرت له ولذويه بعد أن نهبت ثرواتهم وأذلت أجدادهم فما كانت أوروبا لتكون كما هي اليوم لولا إفريقيا شعوبا وخيرات  ؟ وما مصيرهم حين لا يجدون من يقبل بهم ؟ وكيف سنتعامل إنسانيا مع مرحلين  غالبيتهم لنا بها صلة رحم ودين ؟ وأي خيار غير دمجهم حين لا يجدون من يقبل بهم ؟ وهل دمجهم أمر يمكن لنا مجرد التفكير فيه ؟ المرحلون بينهم رجال ونساء فماهو تكييف وضع المواليد الجدد الذين قد يولدون في بلدنا بلد المستقر  ؟ فالمواليد ليسوا مرحلين وولدوا بأرضنا وليسوا مسؤولين عما قام به  آباؤهم من ترحال مشروع أو غير مشروع  وليسوا مخاطبين قانونا ولا وطن لهم خرجوا منه ولا وطن لهم سوى أول أرض تمسها جلودهم......هل سنبني لهم مدارس ؟ ومن سيدرس بها ؟ وماهو المنهج الذي سيدرس لهؤلاء ؟ أم سنتركهم لا يكتبون ولا يقرأون صم بكم عمي لا يفقهون؟ 

وكيف سنواجه جموعا من الناس استقرت عندنا هجٌَرتها جهات كانت هي قبلتها الأولى  وخرجت من بلادها بنية أن لا تعود ولم تعد  ولم يقبل بها أحد ؟ هل سنقبل أن نكون سجنا لمساكين ماكانوا يظنون بنا إلا خيرا ؟ وما ذا نتوقع من قوم فقدوا الأمل فرمتهم صروف الدهر لسجن كبير في بلد له من همومه ما يشغله ولا حيلة له ولا وسيلة ؟ فإن طال بهم الأمد في مراكز التجميع وضاع كل أمل  سينفجر بركان هائل وسنكون في مواجهة تحديات أمنية خطيرة لا قبل لنا بها.......

سيطول بهم الأمد حتما  وقد يستصدر الإتحاد الأوروبي قرارا من الأمم المتحدة برعاية أمريكية يفرض على الدول التي تستضيف لاجئين أن تدمجهم في نسيجها المجتمعي ويقول أول الأمر بأن تكون لهم بطاقات تعريف مؤقتة ثم يقول لاحقا إن لهم الحق في العمل والسكن الحر في أي مكان في دولة المستقر وستقدم منظمات "حقوق الإنسان " هبات سخية أول الأمر وطواقم إشراف ثم تنتهي اللعبة بأن لدولة المستقر مسؤولية بمنظور القانون الدولي لحل مشاكل من لاذ بها لاجئا وسيتم التكييف أن المرحلين عن أوروبا ضمن الصنف المذكور قد لاذوا بنا طوعا ....

ولا يستبعد أن تكون هناك يد خفية أن تجعل من بلادنا أرضا بلا أهل فيستوطنها القادمون من كل بقاع القارة وربما -إن كان الأمر هكذا - ستصرف أموال ضخمة وقد تستديم ردحا طويلا من الزمن فتزداد موجات المهاجرين في عديدها وحجمها  فإن حطوا الرحال بأوروبا كان ذلك حلم العمر وإن وقعوا في شبابيك خفر السواحل سيتوجهون لموريتانيا فيندمجون في بلد يقال إنه يقف  على أعتاب نادي منتجي الغاز الطبيعي فيستقر بهم الحال ثم يدعون من تركوا وراءهم أن يلحقوا بهم فقد نالوا ما لم يحلموا به في أوطانهم الأصلية رعاية واحتضانا وتكفلا بالحياة بتمويل من  الإتحاد الأوربي وتوطين خارج أراضيه.

السيد الرئيس

أخشى ان تتحول مراكز الاستقبال الى بؤر استيطان وأخشى ان يزداد تدفق المهاجرين فتزداد تلك البؤر  وتنتشر في جغرافيا بلدنا الواسعة وأخشى أن تتحول مع الزمن هذه المستوطنات إلى قرى ومدن يطالب ساكنوها -وبدعم من أوروبا وأمريكا - بحقوق المواطنة الكاملة كسائر مدن وقرى البلد ويومها سنكون في ورطة كبيرة وأمام تحديات وجودية من الصعب جدا أن نتغلب عليها بدون كلفة ضخمة وحين نخسر النزال سننتهي وقد حصل هذا من قبل لأمم كانت ولم تعد.....

أرجو أن يكون هذا التشاؤم فيه إفراط كبير وأن تكون المخاوف مبالغا فيها وقد يكون الأمر كذلك  لكن ما رفضته تونس القريبة من أوروبا وما رفضه المغرب القريب منها وما رفضه الإتحاد نفسه لا يجوز أن نقبل به فلو كان فيه خير ما تركه منهم أحد ولتسابقوا إليه جميعا .......وهذا وحده يكفي لتبرير  خوفنا وفهم هواجسنا ويكفينا يقينا أن ندفع به لرفض هذا المشروع وأي مشروع مماثل

ثقتي كبيرة أنكم ستنظرون بعين التمحيص لهواجس أحد مواطنيكم وثقتي كبيرة أنكم ستولونها اهتماما يتناسب مع  حجم المخاوف وستتخذون القرارات التي تبدد الهواجس وتطمئن مواطنيكم على حاضرهم ومستقبل أبنائهم.

وفقكم الله لما فيه الخير والصلاح

طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الرفيق الدكتور محمد ولد الراظي