كان التابعي الجليل أبان بن عثمان بن عفان، المكنى بأبي عبد الله، وقيل أبو سعيد من أبرز فقهاء وعلماء الإسلام في النصف الثاني من القرن الأول الهجري. والده الخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله عنـه- وأمه هي أم عمرو بنت جندب بن عمرو، ولد وعاش في المدينة المنورة، ودفن فيها، وفي موقعة الجمل شارك مع أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها- وفـي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان تولى إمارة المدينة سنة 76 هجرية. ولايته على المدينة وروى محمد بن عمر عن بعض أصحابه قال: كان يحيى بن الحكم بن أبي العاص على المدينة عاملاً لعبد الملك بن مروان، وكان فيه حمق فخرج إلى عبد الملك وافداً عليه بغير إذن، فقال عبد الملك: ما أقدمك علي بغير إذني؟ من استعملت على المدينة؟ قال: «أبان» بن عثمان بن عفّان، قال: لا جرم لا ترجع إليها، فأقر عبد الملك أبانا على المدينة. وكتب إليه بعهده عليها، فعزل أبان عبد الله بن قيس بن مخزمة عن القضاء، وولى نوفل بن مساحق قضاء المدينة، وكانت ولاية أبان على المدينة سبع سنين، وحج بالناس فيها سنتين، وتوفي في ولايته جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية، فصلّى عليهما بالمدينة وهو وال. نشاط علمي وثقافي وإلى جانب دوره السياسي في تاريخ الدولة الإسلامية، لعب أبان بن عثمان بن عفان دوراً مؤثراً في نشر الثقافة الإسلامية بين أبناء جيله، حيث كان من رواة الحديث الثقات، ومن أبرز فقهاء المدينة وأهل الفتوى، وكانت فترة إمارته للمدينة المنورة فترة نشاط علمي وثقافي واسع، وكان يجتمع في مجلسه العلماء والمحدثون والظرفاء، وقد عاشت المدينة في عهده حياة الهدوء والاستقرار. وكان أبان بن عثمان أول من كتب في السيرة النبوية، وهو الأمر الذي جعل البعض يعتبروه أول مؤرخ في الإسلام، حيث دون ما سمع من أخبار السيرة والمغازي، وسلمها إلى سليمان بن عبد الملك في حجه سنة 82 هجرية فأتلفها سليمان. الدعابة والمرح وروي عـن أبان أنه كان يحـب الدعـابة والمرح دون أن يقلل ذلك من مكانته واحترامه بين الناس، وقد أورد صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني حكايات من دعابة أبان، وكان محبوباً من أهل المدينة ويذكرون له موقفه من مسلم بن عقبة القائد الأموي الذي أرسله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لمواجهة التمرد الذي قام في المدينة فقد لقيه مسلم بعد أن أخرجه المتمردون من المدينة وطلب منه أن يدله على عورات المدينة والثغرات التي يمكن أن يقتحم منها، فرفض ذلك. وعزل أبان عن ولاية المدينة في عهد يزيد بن عبد الملك سنة 83 هجرية، وولي مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي، خال الخليفة، فعاش أبان بقية حياته في المدينة متفرغاً للعلم ومرض، فكان يؤتى به إلى المسجد، محمولا في ما يشبه العربة الصغيرة إلى أن توفي سنة 105 هجرية. فقهاء المدينة أثنى العلماء والفقهـاء على علم وثـقافـة وأدب أبان بن عثمان، فقال عنه أحمد بن عبد الله العجلى: مـدني تابعـي ثقة من الكبار. وقال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحداً أعلم بحديث ولا فقه منه، وقال يحيى بن سعيد القطان: كان فقهاء المدينة عشرة، سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم وسالم، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وقبيصة بن ذؤيب، وأبان بن عثمان، وخارجة بن زيد بن ثابت. وروى الحجاج بن فُرافصة عن رجلٍ قال: دخلت على أبان بن عثمان فقال أبان: من قال حين يصبح لا إله إلّا الله العظيم، سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله عوفي من كل بلاء.