ماذا يحمل العام الجديد للمغرب العربي؟

أربعاء, 22/01/2025 - 09:05

هل سيبقى الشمال الافريقي على حاله، وهل سينقضي هذا العام تماما كالذي سبقه من دون أن تشهد الأوضاع في المنطقة المغاربية، أي علامة تحسن أو انفراج مثل تحقيق المصالحة بين الجزائريين والمغاربة، وعودة العلاقات التونسية المغربية من جديد إلى سالف عهدها، ونهاية النزاع الطويل والمرهق في الصحراء؟

أم أن التحولات الكبرى التي حصلت في الشهور الأخيرة في أكثر من مكان في العالم، ستدفع الليبيين والتونسيين والجزائريين والمغاربة والموريتانيين، لأن يدركوا بالأخير أنه سيكون من مصلحتهم أن يتركوا كل خلافاتهم وصراعاتهم جانبا ويتفقوا على أنه لم يعد أمامهم من سبيل آخر سوى أن يتحاوروا مع بعضهم بعضا، إن أرادوا أن يتخطوا بسلام كل الأزمات والمخاطر التي تحدق بهم من كل حدب وصوب؟

لقد انتهى العام السابق على مشهد كئيب ومحزن، بل حتى مهين للشعوب المغاربية، فقد بقيت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب مقطوعة، واستمرت الحدود البرية بينهما مغلقة، كما كان عليه الحال منذ ثلاثين عاما، وتواصل الحظر الذي فرضه الجزائريون على عبور الطيران المدني المغربي لأجوائهم، فيما بقي المعبر البري الرئيسي بين ليبيا وتونس مغلقا لأكثر من ثمانية شهور بقرار أحادي الجانب أخذته السلطات الليبية، ولم يرجع السفيران المغربي والتونسي بعد إلى بلدي اعتمادهما.

لم يعد هناك شك في أن شقة الخلافات والخصومات الطويلة والمزمنة بين الدول المغاربية أخذت تتسع وتتعمق بشكل سريع ومخيف، بل حتى غير مسبوق في التاريخ المعاصر للمنطقة

ذلك وحده يكفي ليدل على أنه لم يعد هناك شك في أن شقة الخلافات والخصومات الطويلة والمزمنة بين الدول المغاربية أخذت تتسع وتتعمق بشكل سريع ومخيف، بل حتى غير مسبوق في التاريخ المعاصر للمنطقة. وأمام كل ذلك فإن السنة الجديدة تلوح أمام المغاربيين صعبة، بل ربما حتى مفصلية وحاسمة بالنسبة لعديد القضايا والملفات التي ما زالت عالقة بينهم. ولأجل ذلك فقد استقبلوا العام الجديد بكثير من القلق وقليل فقط من التفاؤل. والمفارقة الصادمة والغريبة حقا هي أن الهاجس الوحيد الذي يمكن أن يجمع الآن بين بلدانهم الخمسة هو، أن ينجح كل واحد من تلك البلدان في أن يحافظ على تماسكه الداخلي، ويحمي وحدته الوطنية من الخطر الذي يتهددها، وبالأساس من قبل جاره. لقد باتوا جميعا واثقين ومتفقين على أن تحقيق تلك الغاية الثمينة بات يمثل لهم القضية الأساسية والحيوية الأولى بعد أن ودعوا عاما صعبا ومحفوفا بالتقلبات والهزات الإقليمية والدولية الشديدة، التي جعلتهم ينتبهون إلى أنهم قد لا يكونون بدورهم بمأمن من التعرض في أي وقت من الأوقات للعواصف والاضطرابات القوية والمفاجئة. غير أنه ليس مؤكدا أن إغلاق كل واحد منهم لبابه في وجه الآخر سيجعله في تلك الحالة محصنا تماما ضد أي عمل عدائي قد يتعرض له. ففزاعة جار السوء والجار الذي لا هم له سوى أن يحيك المؤامرات لجاره، ربما تخدم أغراضا داخلية ظرفية، لكنها لا تسمح بالتأكيد بإقامة مغرب كبير، ما زال من الناحية الرسمية هدفا ساميا تتطلع كل الحكومات المغاربية لتحقيقه. لقد طالب وزير المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية الليبية قبل أسبوع وبمناسبة زيارة قام بها إلى المغرب بـ»إعادة الربط الجوي بين البلدين، من أجل تشجيع وتقوية الربط والتبادل الاقتصادي بين المغرب وليبيا، والمساهمة في تطوير التعاون الثنائي بين البلدين في شتى المجالات» وفق ما جاء في بيان للوزارة المكلفة بالنقل في المغرب، لكن هل كان ممكنا له أو لأي مسؤول آخر أن يطالب وبدلا من ذلك بفتح الحدود البرية والجوية بين أكبر جارين مغاربيين، أي المغرب والجزائر، حتى يصبح التبادل داخل الإقليم كله ممكنا ومتاحا؟ بالطبع لا وإلا فإنه كان سيجازف بتعريض نفسه وبلاده في تلك الحالة لمشاكل هي بالتأكيد في غنى عنها، وسيتهم وعلى الفور بأنه تدخل في شأن خارجي وسيادي يخص دولة أخرى. لقد حاول الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وفي وقت مبكر من بدء نزاع الصحراء، أن يطرق ذلك الباب حين «فكر خلال سبعينيات القرن الماضي في إمكانية إيجاد حل سعيد لمسألة الصحراء في إطار اتحاد المغرب العربي، يكفل للشعب الصحراوي كرامته ويرضي الطموح الوطني للشعب المغربي، ويفضي إلى تجاوز تضارب المصالح بين المغرب والجزائر»، مثلما أشار إلى ذلك وزيره السابق للثقافة الراحل الشاذلي القليبي في مذكراته. غير أنه توقف بعد ذلك لينأى بنفسه وببلاده عن صراع الجارين المغاربيين.

والسؤال الآن، من هو الطرف الذي يمكن أن يكون قادرا في العام الجديد على أن يكرر المحاولة التي قام بها بورقيبة في السبعينيات، ويحاول جمع الجزائريين والمغاربة إلى طاولة حوار مفتوح وغير مشروط، حول كل الخلافات التي ما زالت تفرق بينهم؟ هل يمكن أن يكون الرئيس الجزائري مثلا؟ لقد جدد الأحد الماضي في خطاب وجهه إلى البرلمان بغرفتيه التأكيد على أن «المرحلة المقبلة ستشهد إطلاق الحوار السياسي»، الذي وعد الطبقة السياسية بفتحه «لتقوية الجبهة الداخلية» على حد تعبيره. حدث ذلك أسابيع قليلة بعد إطلاق ناشطي الشهر الماضي حملة «مانيش راضي» على مواقع التواصل الاجتماعي، التي رد عليها الرئيس الجزائري الأربعاء الماضي من خلال قراره المفاجئ بإقرار عفو رئاسي عن عدد من السجناء و»تدابير تهدئة»، وفق ما جاء في بيان رسمي بعد أن أكد قبلها بيوم وفي اجتماع مع المحافظين أنه «لا يمكن افتراس الجزائر من خلال هاشتاغ» وأن بلاده تختلف عن بلدان أخرى كون «حكومتها ومسؤوليتها في خدمة الشعب وليس العكس»، وأن إصلاح بعض القوانين يهدف إلى «بناء ديمقراطية حقيقية وليس ديماغوجية»، على حد وصفه. وكل ذلك قد يبدو وبلا شك شأنا داخليا محضا يخص الجزائريين وحدهم، لكن ما الذي يمنع الرئيس تبون من أن يوسع الدائرة قليلا خارج حدود الجزائر، ويطلق وبالمثل حوارا سياسيا شاملا ومفتوحا مع جيرانه معلنا وبالموازاة معه، عن جملة من تدابير التهدئة من قبيل إعادة العلاقات الدبلوماسية مثلا مع الجارة المغربية؟ ربما سيقول البعض وما الذي يفرض عليه، أو على الجزائر أن تكون هي التي تبادر، دون باقي الدول المغاربية بالقيام بذلك؟ ولماذا لا يقدم غيرها على الدعوة إلى ذلك الحوار ويعلن بدوره عن تدابير تهدئة معها؟ إن المشكل الأساسي وبغض النظر عن تكرر الدعوات والمبادرات وحتى التطمينات من جانب المغرب، وآخرها ربما تأكيد العاهل المغربي الصيف قبل الماضي للجزائريين على أن «المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء» بالنسبة لهم هو أن كل طرف يتحسب ويتوجس من الآخر ولا يثق فيه. أم هل سيكون ممكنا أمام ذلك الوضع إقناعهما بالجلوس معا إلى طاولة الحوار والمفاوضات؟ ربما لن يتحقق ذلك الا في حالة واحدة وهي أن يقوم قائد أو زعيم مغاربي بعدم التوقف في منتصف الطريق وإكمال المسار الذي بدأه الرئيس التونسي الراحل بورقيبة في السبعينيات، حين حاول إيجاد حل لمشكل الصحراء. لكن هل ستساعده القوى والأطراف الدولية في ذلك؟ هنا بيت القصيد.

كاتب وصحافي من تونس