
تبنت القمة العربية التي انعقدت في القاهرة، أول أمس الثلاثاء، الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة.
جاءت القمة للرد على «خطة» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اقترحت تهجير سكان القطاع واستملاكه أمريكيا لإقامة «ريفييرا الشرق الأوسط» وهي خطة «تطوير عقاريّ» للمجهود الحربي الإسرائيلي الذي جمع بين الإبادة الجماعية للفلسطينيين وتدمير بناهم التحتية بشكل يفرض عليهم التهجير.
بدا الأمر وكأن الرئيس الأمريكي يحمل سيفا مسلطا على الزعماء العرب المجتمعين، وخصوصا ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، اللذين اقترح ترامب بلديهما كمكان لاستقبال سكان غزة، داعما اقتراحه بتهديد صريح عبر الإشارة إلى أن البلدين يتلقيان مليارات الدولارات من أمريكا.
رفضت القمة العربية التهجير وأعادت الأمر، كما هو مفترض في القوانين الدولية والإنسانية، إلى الفلسطينيين أنفسهم عبر قيام لجنة فلسطينية من «التكنوقراط» للإشراف على إعادة الإعمار، بتوفير مساكن مؤقتة للنازحين، وإزالة الركام، وإعادة تأهيل البنية التحتية، ضمن مشاريع تنموية على مدار خمس سنوات بتكلفة تصل إلى 53 مليار دولار، يتم تمويلها من الجهات الراغبة في الاستثمار في إعادة بناء القطاع وتعزيز اقتصاده المحلي، وبناء 460 ألف وحدة سكنية تستوعب ثلاثة ملايين شخص.
تجنّبت القمة العربية التطرّق المباشر لقضية سيطرة «حماس» على القطاع، لكنها أشارت إلى ما سمته «تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح» مشيرة إلى إمكانية «إنهائه بشكل نهائي إذا توفّرت رؤية واضحة» كما اقترحت خطة لتدريب الشرطة الفلسطينية «بهدف تمكين السلطة الفلسطينية من العودة إلى قطاع غزة للقيام بمهامها في الحكم» وكذلك قيام مجلس الأمن بدراسة فكرة وجود دولي في الأراضي الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية) عبر نشر قوات حماية أو حفظ سلام دولية.
الرفض السريع الذي تعرضت له الخطة العربية من قبل إدارة ترامب يركّز على مسألتين، الأولى أنها «لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليا وأن السكان لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة» والثانية هي أن «الرئيس ترامب يتمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس».
اتفق الرد الإسرائيلي مع نظيره الأمريكي في القول إنه «لا يمكن أن تظل (حماس) في السلطة» ولكنه أضاف إلى ذلك رفض السلطة الفلسطينية (والأونروا: وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) بدعوى أنهما «أظهرا مرارا دعم الإرهاب والفشل في حل القضية» وإضافة إلى هدف إبعاد الفلسطينيين عن حكم غزة أو إعادة إعمارها استعاد الرد الإسرائيلي مقترح ترامب بـ«إبعاد سكان غزة».
يتيح التناقض الأمريكي بين طلب «خلو غزة من حماس» وبيان أن «غزة غير صالحة للسكن» الباب للتفاوض على مسألة التهجير، وهي فكرة تعلم الإدارة الأمريكية بالتأكيد أنها جريمة حربية، وعليه فإن الأخذ والرد بين العرب والإدارة الأمريكية سيدور، على الأغلب، حول هذه القضية (مع الانتباه إلى تأكيد ترامب، في خطاب الاتحاد، على مسألة «عودة الرهائن» وحسب).
تقوم إسرائيل، في المقابل، بالتهديد بعودة الحرب إلى غزة بهدف فرض تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك لاستكمال استعادة ما بقي من الأسرى الإسرائيليين، وهو ما سيمكنها، بعد ذلك، من العودة إلى إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم تحت دعوى «القضاء على حماس» و«الانتصار المطلق» متخففة من الضغوط الداخلية التي كان يشكّلها هذا الملف.
يجب القول إن هناك بعض الخلافات العربية في موضوع «حماس» (على الأقل) وأن هذه الخلافات تصبّ في مصلحة التغوّل الإسرائيلي، لكنّ هذا التوافق العربي، الذي سيتبعه توافق إسلامي في اجتماع جدة غدا الجمعة، يمكن أن ينتظم ضمن جهود دبلوماسية عالمية وأوروبية بشكل يعطي الفلسطينيين، والعرب، مجالا أوسع للحركة والتفاوض في ظل ظروف دولية شائكة