إذا كنت ما أزال متمسكًا، بلا تردد، بالتزاماتي المعلنة مع قوى المعارضة، وعاقدًا العزم على السير معها في كلّ المراحل المتفق عليها من أجل إطلاق حوار وطني حقيقي، فإنّ القناعة تزداد لديّ بأنّ هذا الحوار، في ظلّ ما نشهده اليوم، يفتقد إلى شروط المصداقية، ويتهدد مساره غيابُ أبسط مقوّمات الجدية، بسبب مناخ التوتّر المتصاعد الذي تعمل بعض دوائر السلطة على تغذيته بشكل منهجي ومدروس.
فمنذ ستة أشهر كاملة، يتعرّض سياسيون وفاعلون مدنيون لحملة تضييق منظمة: تهديدٌ، وترهيبٌ، واستدعاءاتٌ تعسفية، ووضعٌ في الحراسة النظرية، بل واعتقالات دون أي مبررات قانونية وجيهة. أما التظاهرات السلمية، التي يكفلها الدستور نصًا وروحًا، فقد أصبحت تُواجَه بالقمع. وفي الوادي والشرق تعود النزاعات العقارية إلى الواجهة بفعل تدخلات الإدارة المحلية. وفي المدن، باتت الممارسات التمييزية في الشوارع، والاقتحامات غير القانونية لمنازل مواطنين موريتانيين كاملي الحقوق، مشاهد شبه يومية.
إنّ أي حديث عن حوار وطني في ظلّ هذه الأوضاع ليس إلا مجازفة سياسية، بل وهماً يُراد له أن يغطي على واقع لا يمكن تجاهله. وبوصفنا فاعلين سياسيين مسؤولين، يصبح لزامًا علينا مراجعة جدية انخراطنا في مسارٍ لا تُوفر له السلطة شروط النجاح ولا تلتزم بتهيئة مناخ الثقة الضروري له.
فلا يمكن لرئيس الجمهورية أن يرفع شعار الحوار الجاد ليل نهار، بينما يسمح ـ أو يتغاضى ـ عن نفوذ مجموعات داخل السلطة تعمل على تخريب أجوائه وتقويض أهدافه. لا يمكن لأي طرف أن يجمع بين الدعوة إلى الحوار وصناعة أسباب فشله في الوقت نفسه. هذه مفارقة تُصيب العمل السياسي في صميمه، وتمسّ بمصداقية الدولة ذاتها.
إنّ وضع حدّ لهذا الاختلال وفرض الانسجام داخل مؤسسات الدولة ليس خيارًا، بل شرط لا غنى عنه قبل الحديث عن أي خطوة مستقبلية. فترتيب البيت الداخلي ضرورة سياسية عاجلة، إن كانت هناك إرادة حقيقية لإقناع الجميع بأن مشروع الحوار ليس مجرد شعار، بل التزام وطني صادق



