حين أصرت المعارضة على المشاركة في انتخابات لم تشرك في تشكيل لجنة الإشراف عليها و لا في الإشراف على لائحتها الانتخابية و لا في تنظيمها على أي مستوى (تماما كما لو كانت ضيف شرف أجنبي يشهده ولد عبد العزيز على ديمقراطية عصابته)، كان من الواضح أنها ستكون عاجزة عن مواجهة تزوير العصابة وكان من الواضح أكثر أن هناك أشخاص (هم من ترونهم على رؤوس اللوائح في المعارضة و غيرهم ممن لم يحالفهم الحظ في اختيارات الأحزاب) هم من جروا المعارضة للمشاركة في هذه المهزلة العبثية من أجل مصالحهم الخاصة.
الآن قام المجرم ولد عبد العزيز بتنفيذ مخططه التزويري بأعلى درجات الوقاحة و الازدراء بالمعارضة و العالم تماما كما وعد في مهرجان عصابته الختامي الذي بدا فيه في حالة هلوسة غير طبيعية (إعياء كبير و نشوة عالية) . و قد تم تسجيل كل تجاوزات العصابة بالصوت و الصورة ، من قبل أشخاص مغاضبين من داخل “الموالاة”، لا من قبل صقور المعارضة.
هناك الآن أمور (من بين أخرى)، أصبحت في منتهى الوضوح:
ـ لا توجد أي صدفة و لا أي حقيقة في النتائج التي يتم الآن العمل على ترتيبها على المقاس.
ـ الحرب الكلامية بين عزيز و تواصل، مجرد مسرحية. (سيتهمني مناضلو تواصل بالتسلط و يقولون إن الحزب لم يحصل إلا على أصواته المستحقة) و هم طبعا محقون في كل ذلك : أعرف أن لا علم لهم بما يحدث على مستوى القيادة و أعرف أن الحزب لم يحصل إلا على أصوات من صوتوا له ، لكن غيرهم لم يحصل على أصوات من صوتوا لهم. و كل هذه الحقائق ستظهر بوضوح في الأيام القادمة.
ـ تأخير البدء في إعلان النتائج و إطلاق الشائعات المنظمة و الشائعات المضادة متعمد لأمرين : العمل على عدم تجاوز عدد المسجلين في اللائحة الانتخابية بعد حشو الصناديق و عملية تكرار التصويت التي ظهر ولد أجاي ـ في فيديو تناقله الجميع و هو يدعو الناس لها ـ من جهة و امتصاص الصدمة من أخرى لتهجين أي ردة فعل محتملة.
ـ بارونات الفساد هم من كانوا يقودون عملية التصويت من ألفها إلى يائها ، لا لجنة تزوير الانتخابات و لا وزارة الداخلية.
أهم النتائج المنتظرة من كل ما حدث :
ـ بعد إصرار المعارضة على فشل سياسة المقعد الخالي و استماتتها في تبرير أكبر حماقة ترتكبها في تاريخها ، و عجزها عن إسقاط العصابة بعد ظهور نتائج المهزلة، ستدار معارك “المعارضة” القادمة من داخل المعارضة القادمة و على أيادي شباب مستعد للتضحية و قادر على صنع التاريخ ، ظلت هذه المعارضة الهجينة تكبل أياديه بميكانيسمات محكمة هي كانت مجال عبقريتها الأوحد: معارضة يتحداها المهرج ولد إياهي و ينصب لها لافتات المأمورية الثالثة في شوارع العاصمة من دون أن تحرقها .. معارضة يقول لها المتزلف ولد الشيخ “أنتم أغبياء إذا كنتم تعتقدون أن ولد عبد العزيز سيغادر الحكم” و لا تفرض أن تتم إقالته و سجنه في اليوم الموالي، ليست معارضة بأي معنى معروف عند البشر.. معارضة تحاول عصابات المخدرات تصفية رئيس العصابة التي تختطفها و يمضي حوالي شهرين يتعالج في الخارج و لا تستطيع إسقاطه ، غبي من يعتقد أنها ستكون قادرة على إسقاط محترف تزوير لا يخجله شيء و لا يحرجه سوى أن لا يكون بطل عملية شاذة ينبذها العالم أجمع.. معارضة يتزعم كل أطيافها عملاء النظام (تواصل، التحالف ، الوئام) من الطبيعي و من المفهوم جدا أن تظل من خذلان إلى خذلان..
ما يحدث الآن ليس صدفة : إنهم يحاولون أن يقنعونا من خلال نتائج “تواصل” التي تتبادل الشتائم منذ أسيبوع مع ولد عبد العزيز(في مسرحية مكشوفة)، أنهم لو كانوا زوروا أو تدخلوا في النتائج لما قبلوا أن تتقدم تواصل بهذا الشكل.. و أن يقنعوا الغربيين أن صعود هذه القوة المتطرفة في موريتانيا يتطلب اتخاذ تدابير صارمة لمنعهم من الوصول إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة. هذه الحجة هي التي يحضر ولد عبد العزيز لتبرير بقائه في السلطة. و ما يفوت على تواصل و الأيام أمامنا، هو أن ولد عبد العزيز لا يمكن أن يقنع الغربيين بمشروع مواجهة تواصل بل سينفذ وعوده لهم قبل الدخول في الانتخابات الرئاسية (حل تواصل و سجن قادته و مصادرة ممتلكاتهم…)
ـ و من الأمور المهمة التي نتجت عن هذه المهزلة الانتخابية، هو توثيق المعارضة في الخارج لما يدين رجال أعمال و “مسؤولين” كبار في تجاوزهم للدستور و القانون و التوجهات العالمية بسعيهم لبقاء ولد عبد العزيز في السلطة (للتحكم في اقتصاد البلد من خلال علاقتهم به) و تقديم لائحة بأسمائهم للبرلمان الأوروبي و الكونغريس الأمريكي لتجريمهم و التعميم عليهم و حجز ممتلكاتهم في الخارج كما حصل مع زبانية جوزيف كابيلا و تشافيز. لقد تأخر هذا الإجراء كثيرا لكنه يأتي اليوم في ظرف دقيق و مع ما يكفي من أدلة مرئية و مسموعة، تم توثيقها بدقة. فلم يبق اليوم أمام الشعب الموريتاني المستباح إلا أن يختار بين واحدة من ثلاث حالات :
ـ أن تأخذ كل أسرة ما خف من متاعها و تهاجر إلى بلد تعيش فيه.
ـ أن يأخذ السلاح في وجه عصابة تهيمن على كل شيء في البلد و تذل أهله و تضطهد نخبه .
ـ أن يلجأ إلى الأمم المتحدة و المنظمات الدولية لفك الحصار عنه : كل هذه الخيارات صعبة و غير مريحة لكنها جميعا أفضل من العيش تحت جبروت عصابة بلا أخلاق و لا رأفة تتلذذ باحتقار الناس و اضطهادها ، تمرغت في الإجرام حتى أصبح ارتهان الشعب وسيلتها الوحيدة للبقاء.
ـ ما زالت أمام المعارضة اليوم فرصة إسقاط العصابة بعد هذه المهزلة السخيفة و سيكون معها أكثر من 80% ممن كانوا يركضون خلف العصابة بعد ما فهموا أن عزيز بلا صاحب و بلا وفاء لأي شيء في الوجود غير غرائزه الساقطة..
ـ ما زال أمام ولد بلال أن يتكلم بكل وضوح عن ما حدث بالضبط
ـ ما زال أمام المعارضة في الخارج أن تربط علاقاتها مع الحركات الشبابية المستعدة للتضحيات بدل هذه الأحزاب المنهكة ، المتعودة على امتصاص الفشل و تبرير الهزائم .
ولد عبد العزيز ساقط اليوم و كل سفارات العالم في نواكشوط تدرك حقيقة ما حدث أكثر من أي منا ، لكن عملية سقوطه تحتاج إلى رجال يعرفون كيف يستثمرون هذا الاستياء العام و مستعدين لقيادة الناس بشجاعة و مواجهة همجية العصابة بشجاعة ، لا يقبلون أن يردهم أي شيء عن الدخول في باحة القصر.
سيدي علي بلعمش