هام"العلاقات الجزائرية المغربية… في انتظار المعجزة

ثلاثاء, 13/11/2018 - 14:37

 

احتاج الأمر إلى قرابة أسبوع لكي ترد الجزائر على دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى حوار بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما.

وعندما ردت، كان ذلك على لسان «مصدر مأذون» لم يكشف عن هويته تحدث يوم الأحد باقتضاب شديد إلى موقع «كل شيء عن الجزائر» (خاص).

«المصدر المأذون» قال عن دعوة الملك إنها «لا حدث». وهذه عبارة الهدف منها نسف كلام الرجل وجعله لا يستحق حتى التوقف عنده. ثم وصفها بالمشبوهة «في مضمونها» و«لا تستحق رداً رسميا». وهنا أيضا رسالة للملك لكي يجتهد (يتنازل) أكثر، وإذا لم يفعل فلا ينتظر «منّا» التجاوب.

رد «المصدر المأذون» ينسجم مع محاولة الجزائر، طيلة ربع قرن، تكريس أن المغرب هو طالب الود لأنه هو البادئ بالظلم وعليه البدء بطلب الصلح، وأن الجزائر تعرضت لمظلمة وتحتفظ بحقها في قبول التودد لها من عدمه.

في شكل التعقيب الجزائري والمدة الزمنية التي تطلَّبها، الكثير من الدلالات، يجوز اختصارها في أن القطيعة بين البلدين ستستمر طويلا.

لم يطرأ في البلدين ما يدعو إلى التفاؤل أو تحسب معجزة تغيّر الوضع البائس المستمر منذ ربع قرن بين نظامي الحكم في البلدين. الجزائر مشلولة بشلل رئيسها، والمغرب متسربل في ذهنية سياسية معطلة ترفض التطور. البَلَدان في مأزق، كلٌ في حفرة تخصه يغمره الانطباع بأنه أفضل من الآخر.

كان من الخطأ أصلا إيلاء دعوة الملك محمد السادس الكثير من الأمل واعتبارها خرقا دبلوماسيا تاريخيا. وكان منتظراً الموقف الجزائري، القاسي، النابع من مدرسة دبلوماسية تفضل الرد بالتجاهل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمغرب.

دعوة الملك كانت تفتقر إلى الحنكة السياسية. زمانها وسياقها يعطيان الانطباع وكأنها تأتي من رجل لا يعرف حقيقة خصمه. وإلا كيف يدعو محمد السادس إلى التطبيع مع الجزائر في مناسبة ذكرى «المسيرة الخضراء» التي هي أحد أسباب البلاء والخلافات بين البلدين. هل تعمَّد ذلك؟ تعمد أم لا، المناسبة وحدها تكفي للحكم على الدعوة بالفشل، ثم ليقل العالم ما يشاء عن نوايا الملك «الطيبة» ورغبته الدائمة في التطبيع، وعن قساوة الجزائر وإصرارها على ديمومة التوتر. المغرب تعوَّد على تسجيل النقاط في حملة العلاقات العامة، والجزائر تعوَّدت على عدم الاكتراث. ليس هناك ما يوحي بأن مثل هذا الأمر في الدوائر الدبلوماسية الدولية والإقليمية يزعج المسؤولين الجزائريين. النظام الجزائري مستعد للعيش ألف سنة أخرى على هذه الحال.

مشكلة العلاقات الجزائرية المغربية أنها في أيدي رجلين اثنين: الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هنا، والملك محمد السادس هناك. في أحسن الأحوال يُسمح لحفنة من المحيطين ببوتفليقة في الجزائر، وحفنة من المحيطين بمحمد السادس في الرباط، بالإدلاء برأي فيها لا يخرج عن القالب الجاهز.

والمشكلة الأخرى أن بوتفليقة ليس في وضع صحي جسدي وذهني يسمح له باتخاذ قرارات مصيرية من شأنها تحريك المياه الراكدة مع المغرب. وصَنعَ من حوله فراغا يخاف المحيطون به ملأه. في المقابل يعطي العاهل المغربي الانطباع أنه زاهد في الحكم (إلا مزاياه)، ولا يبدو أن القطيعة مع الجزائر تؤرقه كثيرا. كما أنه أوجد حكومة موازية في القصر تتولى الحسم في القضايا الحساسة، ومنها العلاقات مع الجزائر، نيابة عن الحكومة التي تفرزها الانتخابات وحسابات الأغلبية والتحالفات الحزبية.

لا يوجد في محيط الرجلين أي رائحة لثقافة المبادرة والاقتراح. ولا يوجد من يجرؤ على المغامرة باتجاه البلد الآخر: لا وزراء خارجية، ولا مستشارون دبلوماسيون ولا سفراء.

لو كانت العلاقات بين البلدين في أيدي مؤسسات ورجال دولة ومستشارين حقيقيين، لاستحال أن يستمر الخلاف المزمن بينهما كل هذا الزمن، ولاستحال أن يستمر هذا العناد الأحمق ربع قرن وكأنه خلاف بين جارين على ممر ترابي. ولشعَرَ الطرفان بالعار من هذه الفرص المهدرة والزمن الضائع الذي لا يُعوَّض في تاريخ الشعبين.

أمام الجزائريين والمغاربة انتظار طويل. سيصبح الحلم بعلاقات ثنائية سليمة ومتكافئة بين الجزائر والمغرب مسموحا، عندما تنقرض الطبقة السياسية التي «تصنع» الرأي العام في البلدين. وعندما تنقرض الذهنية السياسية والثقافية والإعلامية التي تفرض على الناس في المغرب الإيمان أن الجزائر هي العدو، وفي الجزائر أن المغرب هو العدو. هذه الذهنية هي التي يخيفها تحرر عقول الناس فتبذل جهداً كبيرا لمنعهم من التفكير بحرية، ولإبقائهم داخل «زريبة القطيع» وتفكيره الجماعي غير السوي. التحرر من هذا التفكير المريض بالجار هو بداية العلاج الذي لا أمل من دونه.

مستقبل العلاقات الجزائرية المغربية يمكن رسمه أيضا بالقراءة الصحيحة لتجارب الآخرين والتعلم منها.. من ألمانيا وفرنسا. ومن إيطاليا وجيرانها. من أبطال الحرب العالمية الأولى (ووحوشها) الذين التقى أبناؤهم وأحفادهم أمس الأول بباريس في صف واحد عادل ومعتدل تعلم من الماضي وينظر إلى المستقبل.

يبدو أننا بحاجة إلى معجزة إلهية لكي نصل إلى ذلك الموقف