قِمّة العِشرين التي تَبْدأ أعمالها الجُمعة في بوينس أيريس، عاصِمَة الأرجنتين، قد تَدخُل تاريخ القِمَم على أنّها الأسْوَأ وأكثَرها إشكاليّةً وتَناقُضًا، والسَّبب الرئيسيّ هُوَ التَّقَلُّبات المِزاجيّة للرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، وعَقيدَته التي يتمَسَّك بِها عُنوانها أمريكا أوّلًا.. إسرائيل أوّلًا، وهِي العَقيدة التي تُهَدِّد استقرار العالَم وأمْنِه، وتُهِدِّد بانهِيارٍ اقتصاديٍّ عالميٍّ.
قبل ساعاتٍ مَعدودةٍ أعلَنَ الرئيس ترامب أنّه سيَلتَقِي الرئيس الروسيّ على هامِش هَذهِ القمّة، وأكّد تَفاؤله بنَجاحِها، ليَعود بعدها ليَنقُض هذا المَوقِف، بإصدارِ تَغريدةٍ على حِسابِه على “التويتر” يقول فيها “استِنادًا إلى واقِع أن السُّفُن والبَحّارة لم يَعودوا إلى أوكرانيا، فقد قرّرت أنّه مِن الأفْضَل لكُل الأطراف المَعنيّة أنْ أُلغِي اجتماعِي الذي كانَ مُقَرَّرًا سابِقًا في الأرجنتين مع الرئيس فلاديمير بوتين”، وأضاف “أنا أتطلّع لقِمّةٍ مُفيدَةٍ مُجَدَّدًا حينَ يتَمْ حَلُّ هذا الوَضْع”.
الشَّيء نفْسِه تَكَرَّر في لِقاء الرئيس ترامب مع الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعوديّ المُشارِك في القِمّة، فقَد أكَّد في البِداية أنّه سيَلتَقيه، ليَعود، وبَعد قرار الكونغرس مُعارَضة بيع أيّ صفقات أسلحة للسعوديّة بسببِ حرب اليَمن ويُلغِي هذا الاجتِماع.
هَذهِ تَصَرُّفات رَجُل مَهزوز الشَّخصيّة، ضَحِل التَّفكير، مُتَرَدِّد في مَواقِفه، فالسُّفُن الأوكرانيّة وبَحّارتها كانَت مُحتَجزةً عِندما قال أنّه يُريد اللِّقاء بنَظيره الروسيّ، وإنّ هَذهِ الأزَمَة ستَكون على قِمّة جدول أعمال اللِّقاء، فلِماذا غيّر مَوقِفُه وألغَى القِمّة؟ وهَل سيَتجنَّب مُصافَحة الرئيس بوتين حَرَدًا مِثْل الأطفال الصِّغار؟ لا نَمْلُك إجابةً، ولكن ما نَعرِفه أنّ الرئيس بوتين وجّه صفعةً قَويّةً لنَظيره الأمريكيّ الذي حرّض أوكرانيا على استفزازِ موسكو ودَفَع السُّفُن لخَرقِ المِياه الإقليميّة الروسيّة بطَريقةٍ غير شَرعيّةٍ فقُوبِلِت برَدٍّ حاسِمٍ جعَلَ سِحْر ترامب يَنقَلِبْ عليه.
اللِّقاء المُؤكَّد حتّى كِتابَة هَذهِ السُّطور هُوَ بين ترامب والرئيس الصينيّ شي جينبينغ، واحتمال تأجيله أو إلغائِه غير مُستَبعد، في ظِل تهديدات ترامب بفَرضِ رسوم جُمركيّة جَديدة على الصَّادِرات الصِّينيّة لأمريكا، وخاصَّةً السيّارات، وشَكوى مُنظَّمَة التِّجارة العالميّة التي تُنَظِّم قوانينها التَّبادُل التِّجاريّ بين الدُّوَل مِن احتمال حُدوث فَوضىً عالميّة مِن جرّاء سِياسات “الحِمائيّة” التي يُطَبِّقها الرئيس ترامب ستُخيِّم على اجتماعاتِ القمّة مُنذ الدَّقيقة الأُولى مِن افتتاحِها.
تَصَرُّفات الرئيس ترامب ذات الطَّابَع “التَّهريجيّ” ستَكون الجانِب المُشَوِّق، أو المُسَلِّي، في هَذهِ القِمّة التي لا نَتَوقَّع إلا نَجاحًا مَحدودًا لها، والمَزيد مِن المَشاكِل والأزَمَات، فهذا الرَّجُل لا يُحِب هَذهِ القِمَم فَقَطْ، ولدَيه شُعور زائِفة بالعَظَمَة، ويَعمَل على تَقويضَها دائِمًا، ودَفَعَ العالم بأسْرِه نَحْوَ الهاوِيَة، هاوِيَة الحُروب، وهاوِيَة الانْهِيار الاقتِصاديّ.
رأي اليوم