ما إن بدأ الانسان يمارس حياته على هذه البسيطة، ورغم أنه كان يجد ما يسد به ظمأه وجوعه، وأنسته، إلا أنه أحس باكرا بالحاجة إلى مبرر لمواصلة العيش أي الحاجة للمعنى لذلك دأب على خلق الأساطير والخرافات، ثم صناعة الأصنام وخلق الديانات، أو الدخول في دعوات الديانات السماوية، وفي كل تلك الحالات صنع معنى وفكرة أكمل بها أيامه لكنه في هذا العصر وفي ظل التحول القيمي والفكري الذي غزى المجتمعات الحديثة بفعل الصناعة والتمدن عاد إلى ضلاله. إن هذا العالم الذي وصل للكواكب الأخرى ويحاول اليوم استيطانها لم يستطع رغم الطفرة العلمية خلق فكرة يسكن إليها الانسان الحديث في ظل زحمة المظاهر والتبجح بها هناك شبه اجماع على أن سلَّم القيم في المجتمع الموريتاني شهد اختلافاً كبيراً في الاولويات على مدى السنوات الماضية. وتقدمت قيمة المال واكتنازه وكيفية الحصول عليه والصرف منه على عدد من القيم المجتمعية الأخرى لقد غزت ثقافة المادة روح المجتمع وأعلنها صنمه ومعياره الأخلاقي، ولأن الثروة لا تتجاوز نسبة قليلة من الناس صار الجزء الكبير من الشباب اليوم ما بين محبط لا يبرح مكانه يعيد سماع أغانيه الحزينة ويواري وجهه عن الناس،اذا كان يعمل بمهنة حمال أو ماسح أحذية (على شرف المهنتين) من اجل سد حاجته او يعيل علي عياله ويعلق عليه الآخرون آمالهم، يشرب كل يوم كأس تخدير.. يقال إن الانظمة الفاسدة لا تسمح لشعوبها بالتعليم، لأنهم إن تعلموا ثاروا، وهذا ما يحدث بالفعل إضافة إلى أنها لا تسمح لهم بالعيش الكريم فإن شبعوا طلبوا الحرية. يحدثونك عن الغاز وثورة الإقتصاد، وقد تعود الشباب مخدرا كذلك فارفعوا الدرجة، لو كنا فعلا سنستفيد من الغاز لكنا بدأنا بالتحضير لاستخراجه وكوّنا كوادر لذلك، كما فعلت شريكتنا الجارة السنيغال، لكنها صفقة سيأخذ المحظوظون منها نسبهم وتأخذ الشركات الأجنبية الباقي. إننا اليوم لا نشكي الإقتصاد -على سوءه -بقدرما نشكوا قيم المجتمع الجديد، لقد باتت مفاهيم كالفتوة، العلم، الشهامة، خاوية لا تحرك شعرة لأحد، وتم استبدالها بفاهيم ك: الغنى، العمل ؟ السكن ؟ ... إن قيما تقدس المال لا تصلح لبلد تجاوزت فيه مستويات الفقر والبطالة ، وإن استمرار معايير المال هذه سيزيد من العزوف عن الزواج، وسيهدد أمن المجتمع،وقد يزيد ظاهرة الإنتحار