عادة نتابع جميعا الأخبار المحلية والإقليمية والعالمية من مصادر شتى ؛ لكن قلة منا تهتم بمتابعة الأخبار الكامنة خلف تلك الأخبار التي تبث على الشاشات والإذاعات والمواقع ؛ فهي الأهم.
ويبدو أن هناك مستجدات بإقليمنا علينا اكتشاف محركاتها ؛ والرسائل الموجهة من خلفها ولمن توجه تلك الرسائل.
إن لموريتانيا حدودا تمتد على طول 2350 كيلومتر مع جمهورية مالي ؛ حيث ميدان تشابك لمصالح إقليمية ودولية كثيرة ؛ وحيث تنشط جماعات مسلحة من كل نوع تحت عناوين شتى ؛ منها الوطني الحقوقي كقضية أزواد وماتفرع منها ؛ ومنها الصراع العرقي بين قوميات مالي وماجاوره ؛ ومنها التنظيمات ” الجهادية” المسلحة التي ترتبط بصورة أو أخرى بأكثر من جهة دولية .
ولموريتانيا خصوصيتها الحساسة في الارتباط بتلك الملفات ؛ فأكثر مايؤثر على العمق الموريتاني هو تصاعد الصراع في مالي ؛ لاسيما إن كان مقصده إرسال رسالة معينة لموريتانيا في ظل التجاذبات الإقليمية ؛ والوضع الراهن في موريتانيا الذي يتجه نحو تأسيس نهضة وطنية موريتانية شاملة تلقى دعما كبيرا وتاريخيا من بعض أشقاء وأصدقاء موريتانيا ؛ خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة .
فهل هناك من يعمل على التأثير سلبا على الوضع في الإقليم ؛ وفي موريتانيا خصوصا.
الأخبار تتحدث عن عمليات هجومية ضد الجيش المالي من طرف تنظيم متطرف ؛ في موقع قريب جدا من الحدود الموريتانية ؛ وأنباء أخرى تتحدث عن جهود ما لإعادة اللحمة بين أجنحة التنظيمات المتطرفة في مالي ؛ داعش والقاعدة والتنظيمات التي تتخذ اسماء شتى ويقود بعضها منحدرون من الجنسبة الموريتانية ودول الجوار ؛ وغير بعيد من ذلك الميدان تصاعد لعمليات تلك التنظيمات في النيجر؛ التي تربط شمال مالي بممر مفتوح للعمق الليبي حيث تدور حروب دول عديدة يتولى فيها الليبيون إشعال خطوط المواجهة ؛ التي تتصل بميدان ملتهب آخر في سوريا ؛ تتولى تركيا ربطه بميدان ليبيا ودول جنوب الصحراء عبر ضخ المرتزقة السورية وغيرها مع السلاح إلى طرابلس.
سوق كبرى للسلاح وللمقاتلين على تماس مع موريتانيا عبر حدود طويلة .
خلف تلك الأخبار حقا ما يدعو للقلق ؛ فهناك دول رغم بعدها جغرافيا عنا تتواجد بثقلها اللوجستي في مالي ؛ ويعمل جهاز مخابرتها على اختراق أغلب التنظيمات المتطرفة في شمال مالي والإقليم ؛ وهي غير راضية عن الإمارات وعن موريتانيا ؛ وسبق ان ضخت معدات عسكرية للحكومة المالية ؛ وتعمل على ابتكار وسيلة إسناد لحلفائها في طرابلس ؛ ستكون مسرورة لا شك بالتشويش على التقارب الإماراتي الموريتاني وعلى الرئيس غزواني الذي يبدو حازما وجادا في نقل موريتانيا نقلة نوعية نحو أفق أفضل.
كما ان المراقب لا يستطيع إغفال صلة بعض النافذين المحليين بشبكات ذات نفوذ اجتماعي وأمني في غرب وشمال مالي ؛ يسهل توظيفهم في خطة التشويش على الاستقرار السياسي والأمني بموريتانيا .
فهل قرأت انواكشوط ماخلف الاخبار جيدا..؟.
تنامي نشاط التنظيمات المسلحة ضد المواطنين الموريتانين في غرب ووسط مالي ؛ واعتراض قوافل التجار كما ذكر في الأخبار أمس وتواجد قوة نارية للمتطرفين على بعد مرمى حجر من حدودنا لا يمكن ان يكون قد حدث صدفة !
إلى جانب ذلك يلاحظ تأخر دولي في الوفاء بالوعود بدعم لوجستي مناسب لقوة G5و محاولات فرنسية لتوسيع ميدان عمليات القوات الفرنسية في مالي والنيجر دون كبير أثر ؛ في ظل معارضة متنامية للتواجد الفرنسي العسكري.
إن خلف الأكمة ماخلفها ؛ واجب على موريتانيا إفشال كل خطط توريطها في دورة حرب نيابة عن الإخرين.. حرب إذا اشتعلت ، تصرف كل مقدرات البلد إليها بدل صرفها في نهضة اقتصادية هي قاب قوسين أو ادنى.
وعلى حدود موريتانيا الشمالية الغربية يستمر ملف النزاع على الصحراء وسط سياسة استقطاب “أنت معى او ضدى” بين الجزائر والمغرب .
وفي الجارة الصديق اللدود السنغال ارتفاع ملحوظ في ميزانية التسليح النوعي للجيش السنغالي بحريا وجويا وبريا ؛ واستراتيجية منافسة في بنية تحتية بحرية كبرى بموانئ داكار برعاية دبي العالمية للموانئ .
وعلى الطاولة في موريتانيا أوراق لعب عرقية وفرانكفونية مجيرة أصلا لصالح داكار عند الحاجة لها؛ولا تتورع النخب السياسية الموريتانية عن النفخ فيها تماهيا مع الآخر !
إن النظام العربي في أغلبه يمر بمرحلة صراع مكشوفة بين محاوره ؛ يستخدم فيها كل بطاقات اللعب المدمره ضد بعضه ؛ وقد انكشفت تلك البطاقات ؛ وأولها بطاقة الإرهاب ؛وقد استخدمت في مصر لتوريط جيشها في حرب أشباح دموية في سيناء ؛ واستخدمت في سوريا بصورة بشعة ؛ وهاهي تلك المحاور بتنظيماتها المقاتلة تغرق ليبيا في أتون الفشل ؛ وهي الآن تستثمر في حواضن الجهل والفقر والتطرف في جمهورية مالي لخلق بؤرة تعطيل للإقليم كله.
إن كرة النار المتحدرجة من المشرق عبر ليبيا اصبحت على تماس مع كرة اللهب الكامنة في دول جنوب الصحراء ؛ وهناك من يلعب بالنار ؛ وعينه على موريتانيا ، وهناك من يخفي جذوته الخاصة نكاية بخصومه السياسيين ويحاول مد حبل سري بينه وبين شمال مالي ليشعل حريقه الخاص في عمق هوريتانيا متى وجد فرصة لذلك !
*عبد الله ولد بونا