خرج الدكتور مصطفى الحفناوى من بيت الرئيس عبد الناصر يوم 23 يوليو 1956 متوجها إلى مقابر الإمام الشافعى وجلس لساعات أمام قبر ابنه، بعد أن أبلغه الرئيس وناقشه فى عزمه تأميم قناة السويس.. يتذكر أنه خرج من حى المقابر فى ساعة متأخرة من الليل، متجها إلى ضريح سيدنا أبى عبد الله بن الحسين، وبقى فيه حتى صلاة الفجر، وخرج من المسجد إلى داره، ولم يشعر أحد بأنه موجود فى القاهرة، ومكث يعمل طوال اليوم إلى الليلة التالية، حسبما يؤكد فى الجزء الثالث من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة».. «راجع، ذات يوم،23 يوليو،2020».
مضى الحفناوى طوال يوم 24 يوليو، مثل هذا اليوم، 1956 فى تنفيذ الشق الخاص به فى إعداد مشروع قانون التأميم، ويشرح أحمد حمروش رحلة إعداد هذا القانون فى كتابه «ثورة 23 يوليو» قائلا: «كلف جمال عبد الناصر وزير الاقتصاد الدكتور عبد المنعم القيسونى بإعداد مشروع قانون التأميم، واشترك فى وضعه محمد على الغتيت عضو مكتب هيئة قناة السويس، حيث كان رئيسه الدكتور حلمى بهجت بدوى متغيبا فى الخارج، والمستشار بدوى حمودة ممثلا لمجلس الدولة، والمستشار حسن نور الدين مستشار وزير الداخلية، واقترح بعض المستشارين وضع الشركة تحت الحراسة مستندين إلى مخالفات الشركة وتلاعبها، ولكن عبد الناصر أصر على التأميم».. يؤكد سامى شرف مدير مكتب عبد الناصر فى الجزء الأول من مذكراته «سنوات وأيام مع عبد الناصر»، أن «الغتيت» ومصطفى الحفناوى كان هما المتحمسين لاتخاذ قرار بفرض السيطرة المصرية الكاملة على شركة قناة السويس»، وأن الرئيس وافق على ضم المستشار محمد فهمى السيد مستشار الرئيس للشؤون القانونية ومساعده المستشار عمر الشريف لفريق العمل، ويضيف، أنه بعد الانتهاء من إسهامات الجميع وتوصلهم إلى صيغة محدد للقرار، قام هو بنفسه بكتابته على الآلة الكاتبة، وطلب منه الرئيس أن يحتفظ به فى خزانته حتى يعطيه أوامر جديدة، مع تنبيهه بحسم «مافيش حد يفتح هذا الموضوع مع أى مخلوق».
فى نفس اليوم «24 يوليو» وطبقا لعبد الحميد أبو بكر (القائد الثانى للفريق الذى نفذ عملية التأميم) فى مذكراته «قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا»: «فى تمام الساعة التاسعة صباحا وصل «عبد الناصر» إلى معمل تكرير البترول بمسطرد لافتتاح خط أنابيب البترول الجديد (السويس/ القاهرة) ومعمل التكرير وفقا للموعد الذى حدده، وكان برفقته بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء، وقبل أن يبدأ عبدالناصر جولته لمشاهدة المعمل ونهاية الخط، التفت إلى محمود يونس رئيس الهيئة العامة للبترول قائلا:”اتكلم واشرح ولا تتوقف عن الشرح سواء كنت أسمع لك أولا»..يعلق أبوبكر: «كان الواضح أن ذهن الرئيس مشغول تماما وأن آخر شئ يمكنب أن يفكر فيه هو ما يشرحه يونس له».. يضيف : «أدرك محمود يونس شرود الرئيس وانصراف ذهنه عن كل ما يسمع، وحرصا منه على سلامة الرئيس قال له: أرجو ألا تلمس أى ماسورة فى المعمل لأنها ساخنة جدا لأن الوقت لم يسمح بتغليفها».
بعد افتتاح الخط، ارتجل عبد الناصر كلمة ليس لها علاقة بمناسبة الافتتاح.. يذكر أبوبكر: «انصبت على قرار أمريكا سحب تمويل السد العالى يوم 19 يوليو 1956 وحملة التشكيك فى سلامة اقتصادنا، وقال الرئيس: نؤمن بأنفسنا، ونؤمن بقوتنا، ونؤمن بعزتنا، ونؤمن بمصر وبأبناء مصر، ونؤمن بشعب مصر، وأضاف: قامت فى واشنطن ضجة تعلن وقد تجردت من الحياء، بل تجردت من أى مبدأ من المبادئ التى تقوم عليها أسس علاقات الدول، تعلن كذبا وخداعا وتضليلا، أن الاقتصاد المصرى يدعو إلى الشك، أننى أنظر وأقول: موتوا بغيظكم، والرد الذى سأقوله لهم على هذا الكلام اليوم، هو غير الرد الذى سأقوله يوم الخميس القادم إن شاء الله».
يؤكد «أبوبكر»: «شعر الموجودون أن افتتاح المشروع لم يكن إلا ذريعة اتخذها عبد الناصر لإلقاء خطاب سياسى للرد على قرار سحب تمويل السد، وباتت عواصم الشرق والغرب تتساءل عن الخطوة التالية أو الرد الذى يعده عبد الناصر على إهانات دالاس.. لكن الحقيقة ظلت سرا، وبات العالم يترقب يوم الخميس 26 يوليو 1956 لكى يعرف رد جمال على إهانة الغر».
بعد انتهاء الافتتاح طلب عبدالناصر من محمود يونس أن يقابله فى مبنى مجلس الوزراء الساعة الثانية عشرة ظهرا