يمكن أن تكون مصادر تسليح الجهاديين المسلحين الذي ينشرون الرعب وأكفان الموت في منطقة غرب إفريقيا والساحل، هي سوق التسلح السوداء ذات المنافذ الكثيرة والتي يعمل فيها آلاف السماسرة المختصين، كما يمكن أن يكون مصدر تسلحهم هو شبكات تهريب الأسلحة النشطة عبر الحدود. لكن السؤال يظل مطروحاً: من أين يستمد إرهابيو غرب إفريقيا ومنطقة الساحل ترسانتهم المحيرة في كمها وفي نوعيتها؟
هنا، حاولت منظمة “بحوث في تسليح النزاعات” (Conflict armement research)، الجواب على هذا السؤال المحير في تحقيق مدقق اعتمد على استطلاعات وفحوص لحالة التسلح في المنطقة الجنوبية الشرقية من جمهورية النيجر، ذات الحدود المشتركة بين بلدين يشهدان منذ سنوات عدة، نشاطاً واسعاً للمجموعات الجهادية المسلحة، هما مالي وبوركينافاسو.
وتركز التحقيق الذي اطلعت “القدس العربي” على ملخص له، على 160 قطعة سلاح و6000 ذخيرة مسلوبة من حركات جهادية في ولايات ديفا ومرادي وزندر المصنفة كخزان لاحتياطات أسلحة دول المنطقة وللأسلحة المسلوبة من المجموعات الإرهابية المسلحة الناشطة في المناطق المحاذية لبحيرة التشاد، مثل جماعة أهل السنة والدعوة والجهاد المعروفة ب “بوكوحرام”، وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا. وتأسست حركة “بوكوحرام” عام 2002 على يد محمد يوسف في ولاية ميدوغوري عاصمة ولاية بورنو شمال شرق نيجريا، قبل أن يسميها زعيمها الثاني أبوبكر شيخو “جماعة أهل السنة والدعوة والجهاد”. وتتبع هذه الجماعة منذ عام 2015، لتنظيم الدولة الإسلامية، وتحولت عام 2016 إلى “ولاية تنظيم الدولة في غرب إفريقيا”.
وفي آب / أغسطس عام 2016، عزل تنظيم الدولة المركزي شيخو أبوبكر وعين مكانه أبو مصعب البرناوي لتندلع إثر ذلك حرب بين الجماعتين مخلفة عشرات القتلى داخل الطرفين.
وفي خضم هذا التقاتل مات شيخو أبوبكر في مايو/أيار 2021 داخل غابة سامبيا التي اتخذها مركزاً لنشاطاته.
ولاحظ المحققون أن الـ 185 ذخيرة المسلوبة من هاتين المجموعتين خلال الفترة ما بين 2016 و2019 والتي اطلعت عليها منظمة “بحوث في تسليح النزاعات”، هي بنادق من عيار 7,62×39ملم.
كما لاحظوا خلال فحوصهم لعينات الأسلحة الخاضعة للتحقيق أن ما لا يقل عن 32 ذخيرة من الأسلحة الموثقة (17% من العينة) مهربة من الترسانات الوطنية لدول النيجر ونيجريا والتشاد، بينما يعود أصل خمس هذه الذخائر (23%) لمخازن الأسلحة في نيجريا.
وأظهرت نتائج فحص الأسلحة أن مصدر الأسلحة المأخوذة من “بوكوحرام”، وتنظيم الدولة الإسلامية بغرب إفريقيا، هو الذخائر التي يستولون عليها خلال المعارك التي خاضها مسلحوهما مع القوات العسكرية والأمنية في منطقة بحيرة التشاد خلال الفترة ما بين 2013 و2019. وأوضحت المنظمة في تحقيقها أن مصدر كمية أخرى من الأسلحة المفحوصة ضمن التحقيق، هو مخزن الأسلحة في رواندا الواقعة على بعد آلاف الكيلومترات من النيجر.
وأظهر فحص لقطع من السلاح الخاضع للتحقيق، وجود ذخائر مصنوعة في بلغاريا عام 2015 ومصدرة في نفس السنة، إلى وزارة الدفاع النيجيرية.
وتوصل محققو المنظمة إلى أن ثلاثة أرباع الأسلحة التي خضعت للتحقيق مصنوعة ما بين عام 1990 و2010، كما أظهرت وجود 1958 بندقية من عيار 7,62×51 ملم مصنوعة في الصين ومصدرها مصانع السلاح الصينية.
ولم يستبعد التحقيق أن تكون السوق السوداء أو شبكات تهريب الأسلحة مصدرين لجزء هام من الأسلحة التي شملها التحقيق.
ولاحظ خبراء المنظمة أن من بين الأسلحة التي شملها التحقيق، بندقية رشاشة مصنوعة في تركيا، وهي من نفس ماركة كمية من البنادق احتجزت عام 2017 في نيجريا ضمن ذخائر مهربة من تركيا.
وسجل المحققون الشيء ذاته على أسلحة مسلوبة في النيجر من مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة في المغرب الإسلامي، ومن فروعها في غرب إفريقيا. ويدل هذا على أن المجموعات المسلحة مشتركة في آليات التموين بالذخائر، وأنها قد تشهد اختلاطاً في المنشقين وفي التجهيزات.
ولاحظ المحققون من ناحية أخرى، اشتمال كمية من الأسلحة الموثقة على ذخائر ذات مصدر إفريقي. وحسب التحقيق، فإن 79 قطعة سلاح أي 43% من العينة المشمولة بالدراسة، مصنوعة في مصر وجنوب إفريقيا والجزائر، أو مصدرة نحو دول غرب وشمال إفريقيا (ليبيا، النيجر، نيجريا، التشاد).
ويؤكد كل هذا، حسب خلاصة التحقيق، أن مصدر جزء مهم جداً من العتاد العسكري المتداول بطريقة غير مشروعة في الساحل الإفريقي، مصنوع داخل إفريقيا، أو مهرب خلال الأنشطة العسكرية الإفريقية.
هذا وأكد آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة “أن غالبية الأسلحة المتداولة في السوق السوداء الإفريقية، مصدرها مصانع الأسلحة الصينية. وأكدت تقارير لدول الساحل الإفريقي أن معظم الأسلحة المحجوزة خلال عام 2021، في دول بوركينافاسو وبنين وغينيا بيساو وغينيا وسيراليون هي من نوع “أم 16” الأمريكية وPMK البولندية، وGalil و Uziالإسرائيلية.
ويؤكد تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة سيطرة مصانع السلاح الأمريكية الواقع في بولندا وتركيا على سوق بيع الرشاشات لموردي الأسلحة في إفريقيا، حيث تعبر الأسلحة من منفذ جمهورية سيراليون التي لم تعد تلزم الموردين برخص توريد الأسلحة منذ الحرب الأهلية التي شهدتها في ثمانينيات القرن الماضي.
القدس العربي