بعد فرز نحو 92 % من الأصوات، تعكس نتائج انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين فوزا واضحا للمعسكر اليميني المتشدد برئاسة بنيامين نتنياهو الذي بدأ اتصالات تمهيدية لتشكيل حكومة تقوم على أغلبية 65 نائبا، بعد جولة انتخابات شخصية شهدت الكثير من الطعن والتحريض والتضليل وغابت عنها القضية الفلسطينية والقضايا الجوهرية الداخلية.
وبموجب هذه النتائج شبه المكتملة فاز حزب الليكود بـ 32 مقعدا، وحزب “شاس” للأرثوذوكس الشرقيين المتشددين على 11 مقعدا وحزب “يهدوت هتوراة” للأرثوذوكس الغربيين على 8 مقاعد فيما فازت الصهيونية الدينية الحزب العنصري الفاشي على 14 مقعدا رغم أن قادته لم يخدموا يوما في الجيش.
في المقابل حصل حزب “يش عتيد” برئاسة رئيس الحكومة يائير لبيد على 24 مقعدا وقائمة “المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس على 12 مقعدا فقط. وحصل حزب “يسرائيل بيتينا” على 5 مقاعد، والعمل على 4 مقاعد، فيما لم يتجاوز ميرتس نسبة الحسم.
وكانت القائمة العربية الموحدة (التيار الإسلامي برئاسة منصور عباس) الكتلة العربية الأكبر بحصولها على نحو 180 ألف صوت ممثلة بخمسة مقاعد، تلتها قائمة تحالف الجبهة/التغيير برئاسة أيمن عودة وأحمد الطيبي بحصولها على 155 ألف صوت ممثلة بخمسة مقاعد. وهكذا يكون التيار الإسلامي للمرة الأولى في تاريخ العرب في إسرائيل قد تجاوز الكتلة الشيوعية (الجبهة) من ناحية الحجم منذ عشرات السنين. أما التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة ففاز بنحو126 ألف صوت ولم ينجح في عبور نسبة الحسم (145) ألف صوت.
وتواصل لجنة الانتخابات المركزية فرز ما تعرف بالأصوات المزدوجة التي يبلغ تعدادها نحو 500 ألف صوت وهي تعود لأصوات السجناء والمرضى والدبلوماسيين وغيرهم، وعادة لا تحظى القوائم العربية منها إلا بالنزر القليل.
وتعكس نتائج الانتخابات تحوّلات عميقة وجذرية لدى الإسرائيليين أهمها تصاعد التيار الديني المتزمت والتيار الصهيوني العنصري الفاشي، بل انتصار “الكاهانية” كما قالت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها. وقال وزير الشؤون الإقليمية في الحكومة المنتهية ولايته عيساوي فريج في تصريح للإذاعة العبرية إن إسرائيل باتت أكثر عنصرية وإن الكثير من الإسرائيليين صوتوا بدوافع الكراهية للعرب.
وتابع معربا عن قلقه “نحن لسنا في منزلق خطير بل نحن على حافة الهاوية”. يتمثل هذا المّد الفاشي الصهيوني بارتفاع قوة “الصهيونية الدينية” من خمسة إلى 15 مقعدا وحزب “شاس” من 8 إلى 12 مقعدا ويهدوت هتوراة من 7 إلى 9 مقاعد فيما حافظ الليكود على قوته بـ 32 مقعدا.
وتستمد هذه الأحزاب المتشّددة قوتها من كراهية متفاقمة للعرب وحملات التحريض والترهيب وحملات شعبوية لنزع الشرعية من الأحزاب العربية حتى عندما شاركت القائمة العربية في الائتلاف الحاكم المنتهية ولايته.
وكان قادة أحزاب اليمين قد سارعوا بعد كل عملية فلسطينية لاتهام “حكومة التغيير” بأنها عاجزة لأنها ضعيفة ولأنها تعتمد على قائمة “الإخوان المسلمين”، في إشارة للقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، رغم أن الأخير اعترف بإسرائيل دولة يهودية وقدم تنازلات سياسية كثيرة.
وكانت هذه الجهات اليمينية قد استغلت هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021 والصدامات التي تخللتها بين العرب واليهود داخل أراضي 48 لترهيب الإسرائيليين من “العدو الداخلي”، علاوة على التلويح بفزاعة “فقدان الأمن الشخصي” في منطقة النقب بسبب عدم احترام العرب البدو هناك للقانون والتصرف كما يحلو لهم وتهديد جيرانهم اليهود.
واستقطب حزب “الصهيونية الدينية ” بقيادة باتسلئيل سموطريتش وايتمار بن غفير الكثير من دعم الفئات العمرية الشبابية اليهودية ومن بينهم الكثير من شباب اليهود المتزمتين الأرثوذوكس (الحريديم) ممن تمرّدوا على النخب السياسية اليهودية التقليدية وباتوا يبحثون عن “قيادة قوية” تنسجم مع توجهاتهم المتطرفة ومع كراهيتهم للعرب، فجاءت حملات أحزاب اليمين الشعبوية مع خطاب الكراهية والترهيب بعدة فزاعات كما حصل في دول غربية أخرى تشهد ارتفاعا في تيار الفاشية المستفيدة من حملات العداء للأغراب والمهاجرين والإسلاموفوبيا.
ويتجه نتنياهو لتشكيل حكومة سادسة ستكون حكومة يمين ويمين متطرف بعدما كان قد شكل حكومته الأولى عقب تغلبه على شيمون بيريز مرشح حزب العمل في انتخابات مباشرة عام 1996، ولذا تندر بعض الأوساط المعارضة له بنعته بنتنياهو السادس، في إشارة لكونه ملكا لكل الحياة لكثرة الحكومات التي ترأسها بشكل غير مسبوقة (منذ انتخابات الكنيست الأولى عام 1949 حيث لم تشهد السياسة الإسرائيلية من بقي في الحكم أربع مرات). ومن المرجح ألا يكترث نتنياهو بانتقادات دولية ومحلية لاعتماده على حزب فاشي وبتحفظات صادرة عن جهات أمريكية رسمية خاصة أن مثل هذه الحكومة المتطرفة من شأنها أن تساعده في ابتكار إجراءات وتعديلات قضائية تلغي محاكمته بتهم الفساد.
يشار الى أن إدارة بايدن أعربت عن قلقها من احتمال ضم “الصهيونية الدينية ” بقيادة بن غفير وسموطريتش وغيرهما من العنصريين المتطرفين الذين أدين بعضهم بالتورط في أعمال إرهاب. وقال بيان صادر عن البيت الأبيض” من المبكر أن نعرف ماذا ستكون تركيبة الحكومة الاسرائيلية المقبلة ونحن نرجو أن نواصل العمل والتعاون معها”، علما أن موقع “والا” العبري قد نقل عن مصادر أمريكية عليا محجوبة الهوية قولها إن الإدارة الأمريكية لن تتعاون مع وزراء “الصهيونية الدينية