أصعب ما كان يتوقعه نظام الاحتلال في فلسطين ككل سنة وككل عام هو “انتفاضة رمضان” في القدس وما ينجرُّ عنها من تبعات أمنية صارت تمتد إلى غزة وحدود لبنان الجنوبية، غير أن خشيتهم هذه المرة زادت طينتها بلة انتفاضة الشارع الداخلي من جراء الانقسام البنيوي في منظومة الاحتلال العنصرية.
ليلة الأحد إلى الاثنين، كانت أحلك ليلة منذ حرب 67 حسب قيادات الاحتلال والمراقبين، ليس لكونها جديدة فحسب، بل لكون من خرجوا بمئات الآلاف للتظاهر ومنذ نحو 12 أسبوعا، آخرها وأعنفها وأضخمها تظاهرة ليلة الأحد الأخير، هم في الأغلبية يمثلون الفئة غير المسيّسة التي تميل أكثر إلى الرفاه الاجتماعي والمال وحياة “السعادة” المنشودة في دولة الاحتلال على حساب “شقاوة الشعب المحتلّ”، تضاف إليها قواعد “المعارضة” الخجولة في اليسار التي تتفق على دم الفلسطيني وعلى هتك عرضه وأرضه.
لقد أبانت أحداث الرابع من رمضان، هشاشة نظام الاحتلال واختلالاته الهيكلية والبنيوية، والتي باتت تمثِّل بناية آيلة إلى السقوط، ويكفي زلزال بقوة منخفضة على سلم ريشتر السياسي، لينهار حتى قبل نهاية الجيل الثاني بعد نحو 4 سنوات من الآن.
الانقسامات الاجتماعات الطبقية والفئوية والعرقية والثقافية في المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال بين “الأشكناز” المتحكّمين في دواليب الاقتصاد والمال والأعمال والسياسة والنخب الحاكمة، وبين “الصفرديم” من يهود فرنسا والمغرب والعرب، ويهود “الفلاشا” الأفارقة الأثيوبيين، يضع الكتلة المحتلة الصهيونية في هرم غير منسجم البنيان تنخره النزاعاتُ العرقية والعنصرية حتى في لغتهم المستعلمة يوميا ضد الخصوم من سباب وشتائم لبعضهم البعض بلغة غير معهودة في المجتمع الصهيوني من فئة “الرّوسي القذر، العربيّ الوسخ، الإثيوبيّ العفن..”، كل ذلك جعل المجتمع الصهيوني يجابه كتلة أقل حظا وأقل شأنا في هرم الحكم العنصري: عرب 48، الذين هم عرب الداخل، داخل الخط الأخضر، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ثم عرب الضفة وباقي الفلسطينيين الذي لا يعتبرونهم حتى بشرا يستحقون العيش، بل لا يعترفون حتى بشعب اسمه “الشعب الفلسطيني”. هذا التشظّي الداخلي القائم على التمييز العنصري والطبقي والعرقي، هو ما سينسف مجتمع الاحتلال إن لم يكن اليوم ففي المستقبل القريب.
القوانين الاجتماعية، والتي تمثل الناموس الكوني للتغير والتحول، تثبت اليوم أن التغير من الداخل هو جزء من ماكينة التغير العامّ: فالتغير الداخلي يضم التآكل الاجتماعي والتطاحن بين الكتل الداخلية للمجتمع المحتل، تضاف إليه عناصر المقاومة من خارج التكتل الاستيطاني. هذا العنصر في واقع الأمر هو العنصر المحدِّد، لأنه هو ما يدفع بالتشظّي نحو مزيدٍ من الانقسام والتفتّت المستقبلي بين العناصر المكوِّنة للجسد المحتل، وهذا ما سوف نلاحظه في كثير من “الديمقراطيات العالمية” حتى تلك التي تمثل القوى العظمى في الغرب الآن ومنها الولايات المتحدة، التي باتت هي الأخرى على شفا حفرة تنذر بصراع وصدام مستقبلي داخلي قد يقوِّض موقعها كقوة عظمى تقاتل اليوم من أجل بقائها في الريادة والتحكُّم الدولي.
المجتمع الصهيوني يمرُّ بأحلك أيامه، سواء على مستوى تطور التحدي الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في الضفة، في جنين ونابلس، وفي غزة، أو على مستوى تدهور العلاقات داخل الكتلة الصهيونية المحتلة ونخبها الغارقة في الفساد السياسي والمالي، وعلى رأسها رئيس وزراء الاحتلال العائد إلى الحكومة يجر خلفه 4 ملفات فساد أقلها شأنا قد يجره إلى السجن في حال لم يحصِّن نفسه بما يسميه “إصلاحات قضائية”، لهذا نراه يستميت خوفا من الموت
بندرعمر