أيها المواطنون:
يحتفل العالم الإسلامى اليوم بذكرى ميلاد الرسول العظيم، ومن حق هذه الذكرى علينا أن نقف معجبين عند ناحية جليلة من نواحى خلقه العظيم - وكل نواحيه الخلقية جليل مشرق - تؤخذ منه القدوة، ويجمل فيه الاتباع الكريم.
كان محمد عليه السلام نقى السر والعلن، طهور الظاهر والباطن، لا يوجد بين حياته الخاصة وحياته العامة حجاب؛ فسيرته فى نفسه وفى بيته كسيرته بين الناس، ودعوته التى يعرض على الناس أصولها كان أول الناس احتكاماً إليها وأخذاً بها، وقد ظل بارزاً للأصدقاء والخصوم سنين طويلة، فما عرفت عنه ريبة، ولا وقع تناقض بين سلوكه الخاص وسلوكه العام. إن الرسالة التى نادى بها هى الرسالة التى عاش فيها، وهى التى ضبطت أحواله كلها؛ سواء الذى اطلع عليه الناس، والذى خفى عن أعين الناس. ومثل ذلك لا يطيقه الأدعياء من أصحاب الشهوات، ومن ذوى الرجولة المريضة والأخلاق الملتوية. وقد حاول خصوم رسالته أن يستدرجوه إلى المداهنة والمسلك المزدوج فأبى. وهو القائل: "ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً"، وفى ذلك يقول القرآن: (فلا تطع المكذبين. ودوا لو تدهن فيدهنون). (١)
والحق أن صاحب الرسالة العظمى قد زوده الله بثروة من الشرف والصراحة والثبات؛ هى كفاء ما حمل من أمانة وبلغ من رسالة، ولن يصل صاحب رسالة نبيلة إلى غايته إلا إذا مشى فى هذه السبيل المشرقة. ولقد حدث أن كسفت الشمس على عهد رسول الله، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم فتحدث الناس أن الشمس كسفت لوفاة ابن النبى، ولكنه عليه السلام أبى أن يسايرهم فى هذا الوهم، وكره أن ينسب إلى ابنه ما ليس له؛ فخطب الناس يقول لهم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد أو حياته"، وتلك طبيعة الرجل العظيم؛ يعتمد دائماً على الصراحة والصدق، ولا ينتهز الفرص لبناء مجد كاذب، أو اكتساب عظمة زائفة. إن محمداً يجب أن يدرس ويعرف؛ ليدرك الناس من خلاله الذكية، ونفسه النقية ما يعمر القلوب بالإخلاص والبر.
والله عز وجل جعل عمل نبيه فى الناس أن يقرن إلى العلم التربية والتزكية فقال: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة).(٢). وليس يروى جدب النفوس إلا ينبوع دافق بالرحمة والإحسان، وكذلك كان رسول الله، وكذلك يجب أن يسير المقتدون به، الآخذون برسالته. والله يهدينا جميعاً سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله.