المتحدث بلسان وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، كان أول من أعلن عن استكمال المفاوضات حول عقد صفقة لإطلاق سراح المخطوفين لدى حماس. في الظهيرة، أعلن بأن وساطة بلاده وصلت إلى نقطة النهاية، وأن “نقاط الخلاف الأساسية تم حلها ولم يبق إلا تفاصيل صغيرة”.
قبل بضع ساعات من ذلك، كان موقع الأخبار اللبناني المقرب من “حزب الله” هو أول من نشر تفاصيل كثيرة عن الاتفاق الآخذ في التبلور، استناداً إلى مصادر في حماس. بعد ذلك، أكدتها مصادر إسرائيلية أثناء الإعداد لجلسة الحكومة التي ناقشت أمس المصادقة على الصفقة: ستعيد حماس إلى إسرائيل 50 مخطوفاً من النساء والأطفال، وقائمة الأسماء التي تم الاتفاق عليها لا تشمل الجنود. سينفذ الإفراج على مدى بضعة أيام، وسيتم إطلاق سراح ثلاثة سجناء فلسطينيين في إسرائيل مقابل كل مخطوف إسرائيلي. ستحاول حماس العثور على مزيد من المخطوفين المدنيين، وإذا نجحت فستقوم بتسليمهم.
التفاصيل التي لم يتوقفوا عندها في إسرائيل هي إدخال 200 – 300 شاحنة توزع بشكل متساو في شمال القطاع وجنوبه، وتحتوي إضافة إلى المواد الغذائية على الأدوية والوقود. حسب ما نشرت إسرائيل، وافقت على إرسال الوقود أيضاً إلى المستشفيات والمخابز ولتشغيل مضخات آبار المياه. وسيتم تبادل المخطوفين والسجناء تحت رعاية قطرية ومصرية وأمريكية، وقد تشارك فيه أيضاً منظمات دولية وممثلون من الأمم المتحدة. وستتم مناقشة إمكانية إدخال مستشفيات ميدانية إلى القطاع.
البند الأكثر أهمية، الذي لم يذكر في إحاطات المستوى السياسي في إسرائيل، هو القائل بأن إسرائيل وافقت على إبعاد قواتها من شارع صلاح الدين، وهو الشارع الرئيسي الذي يربط بين شمال القطاع والجنوب. هذا هو ممر الانتقال الوحيد لآلاف النازحين من شمال القطاع. وحسب تقارير من لبنان، وافقت على عدم الاقتراب من السكان الذين سيمرون فيه حتى أثناء تحركهم نحو الشمال. إذا كان هذا البند مشمولاً في الاتفاق، فإن رجال حماس يمكنهم التحرك خمسة أيام بدون إزعاج بين شطري القطاع.
بنود الاتفاق توضح المعضلات الصعبة التي تواجه إسرائيل، لا سيما بخصوص طبيعة ومدة وقف إطلاق النار، إزاء الخوف من أن ذلك سيعطي حماس وقتاً ضرورياً لتنظيم قواتها. وهو في الوقت نفسه، لا يلغي ضرورة إجراء المفاوضات مع حماس حول إطلاق سراح المخطوفين الباقين، ومن بينهم الجنود لدى حماس والمدنيون لدى تنظيمات أخرى مثل “الجهاد الإسلامي” الذي لم يكن مشاركاً في المفاوضات، وعصابات وعائلات محلية تحتجز عدداً غير معروف من المخطوفين. مع ذلك، لم تطرح للنقاش حتى الآن مسألة إعادة جثامين المخطوفين الذين قتلوا في عملية الاختطاف أو أثناء وجودهم لدى الخاطفين.
رغم أن قطر ومصر والولايات المتحدة (وشركاء آخرين من المانحين) كانوا هم الوسطاء بين إسرائيل وحماس، فإن الاتفاق غير المباشر بين إسرائيل وحماس احتاج إلى التعاون مع قادة حماس في الخارج، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل، ويحيى السنوار في غزة. من المفضل عدم البدء في التكهن ماذا سيكون مصير المخطوفين أو درجة تحقق اتفاق كهذا أو غيره لو صفّت إسرائيل السنوار أو حققت طموحها في “تحييد” رؤساء حماس في الخارج. هذا سؤال يجب أن يشغل متخذي القرارات قبيل استئناف القتال بعد انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار: إذا كانت إسرائيل لا تنوي التنازل عن إعادة جميع المخطوفين، فإنها هي ودول الوساطة ستحتاج إلى شريك لإكمال الصفقة. يمكن التقدير أن قضية تصفية قيادة حماس، في غزة والخارج، تم طرحها في نقاشات بين إسرائيل وقطر والولايات المتحدة، ومن غير المستبعد أن زعماء حماس قد طلبوا ضمانات لبقائهم كمقابل على موافقتهم على الإفراج عن المخطوفين والاستعداد لعقد صفقات مشابهة في المستقبل.
في هذه القضايا، من المهم مكانة قطر بشكل خاص كدولة أخذت على عاتقها قيادة الوساطة، وهي التي تمسك بيدها أدوات الضغط على حماس، وهي التي تقرر استمرار وجودها السياسي بعد أن تتحول غزة إلى منطقة محتلة على يد إسرائيل. مقابل مصر، التي كانت دائماً العنوان التكتيكي الفعال للوساطة مع إسرائيل، بسبب سيطرتها على معبر رفح الذي كان بمثابة أنبوب التغذية للقطاع ولسلطة حماس، فإن لقطر مكانة استراتيجية الآن؛ فقد عملت مثل الصراف الآلي الذي مول سلطة حماس وقيادتها من خارج غزة، ليس فقط بواسطة “حقائب الأموال” التي سمحت إسرائيل بإدخالها إلى القطاع، فالمساعدات الضخمة التي منحتها لحماس خلال عشرات السنين والملجأ السياسي الذي قدمته لقيادة حماس – الخارج، مكنتها من حرية عمل سياسية، وبالأساس حرية عمل اقتصادية.
في الوقت نفسه، تعدّ قطر حليفة للولايات المتحدة، وهي من أكبر المستثمرين في الشركات والمؤسسات الأمريكية. والآن أدركت أن العلاقات المزدوجة – منظمة إرهابية من جهة والمؤسسة الأمريكية من جهة أخرى – تضعها في مصيدة وتلزمها بالخروج من منطقة الراحة والتجند لتنفيذ صفقة المخطوفين. ووفق معرفتنا، فإن الإدارة الأمريكية لم تهدد حاكم قطر، لكن الشيخ تميم بن حمد استمع جيداً للطلبات التي سمعت في الكونغرس على لسان الرئيس بايدن لفرض عقوبات على الدولة الصغيرة والثرية. وكانت النتيجة أن قيادة قطر لم تدن هجوم حماس القاتل، ووجهت لإسرائيل اتهامات شديدة على ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وعقدت في الدوحة لقاءات عمل مع رؤساء الموساد وممثلين إسرائيليين آخرين للدفع قدماً، وبعد ذلك استكمال صفقة المخطوفين.
تمكنت قيادة حماس (كما يبدو) من اختيار من ستجري معه المفاوضات حول صفقة المخطوفين. وهكذا، في البداية، عندما أطلقت سراح المخطوفتين الأوليين يهوديت رعنان وابنتها نتالي، فقد “منحت الفضل لمصر”، لكن الإفراج عن يوخفات لايفشيتس ونوريت كوبر كان بفضل قطر التي حصلت على النقاط، التي كانت مهمة لها أمام واشنطن. كلما طالت الحرب تدرك قيادة حماس بأن وجودها كمنظمة وحركة خارج القطاع يتعلق أكثر بالدعم الذي ستحصل عليه من قطر وليس من مصر.
لن تتنازل حماس عن استمرار نشاطاتها العسكرية والسياسية، إنما ستحتفظ بقواعدها في لبنان وستطمح إلى تطوير مواقع لها في سوريا وتوسيع نشاطاتها في الضفة، وتكون أيضاً شريكة في خطط “اليوم التالي”. ولا يمكن لمصر مساعدتها في كل ذلك. ليس واضحاً كيف ستتصرف قطر مع حماس بعد الحرب، هل ستبعد قيادتها من أراضيها؟ لكن إزاء خيبة أمل حماس من شراكتها مع إيران و”حزب الله” وإدراكها بأنها بقيت وحدها، فإن قطر يمكنها المواصلة لتكون دعامتها الأساسية. وثمن ذلك تحدده قطر.
هآرتس 22/11/2023