هل من الانصاف أن يُعَيِّن المسؤول عن الوظائف العامة ـ وهو المؤتمن ـ ابنه أو ابنته او قريبه دون النظر إلى إستحقاقات وأولويات الغير ؟ وهل من الجائز ان تتضافر الجهود لمساعدة هذا المسؤول في هذا السبيل ، لأن هنالك فرصة للمصانعة سيأتي دورها للطرف الآخر ؟ وماذا سيحصل للمجتمع في نهاية المطاف حينما تتراكم هذه الأخطاء حتى تستحيل إلى عبء لا يمكن إزاحته وهل يمكن إعادة توزيع المناصب المسؤولة عن التعيينات ليحل فيها النزهاء الأمناء المصلحين الذين لا يسمحون لهذا النمط من التعيينات الظالمة والضالة ، طالما كانوا يعلمون أن ذلك ينخر صميم المجتمع ، وطالما كان ذلك يقضي على أي تطور أو تحضر أو إبداع ؟ وهل هنالك من عاقل يعتقد أن المؤسسة الحكومية التي يديرها صارت ملكاً من ممتلكاته أوميراثاً ينبغي أن يؤثر به أقاربه وأفراد أسرته ؟ وهل هنالك من أريب منصف يرضى عن هذه التعيينات الأسرية والمصلحية وغير الأخلاقية ، التي تشيع الأحقاد بين أفراد المجتمع ؟ ولماذا يتنادى أقارب وأبناء عشيرة المسؤول أول ما يستوزر في وزارة ، أو أول ما يتربع على منصب من المناصب المرموقة ، يتنادون لجني المكاسب السريعة التي يعتقدونها حقهم وفرصتهم التي لا تأتي إلاّ مرة واحدة ؟ وما هو المبرر الذي يسوِّغ للمسؤول أن يعين المحسوبين والمنسوبين إليه بضمير مطمئن راض ؟ ولماذا لا يستشعر المسؤول خطورة التعيين الجزافي دون النظر إلى الكفاءة ؟ ولماذا لا يدرك كيف يؤدي هذا إلى تخلف المجتمع ؟ أم أنه يدرك لكنه يتغاضى . ولماذا لا تجدي الكتابات والتحقيقات الصحفية لمعالجة كل ذلك .
تعيين الموظفين أمر يدعو إليه المجتمع , وضرورة يتطلبها الظرف والمصلحة ، وليس ما تمليه رغبة المواطنين على الحكومة حينما يكونون بحاجة إلى مرتبات الوظيفة ، فالدولة مضطرة لانتداب من يشغل وظيفة من الوظائف لأنها بحاجة إلى كفاءات وإلى تصريف الأعمال ، وليس لأن الأفراد يرغبون في الحصول على المال من خلال وظائف لا حاجة للمجتمع لها ، وإلا لأتخمت دوائر الدولة بأعداد من العاملين يشكلون عبئاً على خزينة الدولة وسبباً للإضطراب وللتخبط بعيداً عن الموضوعية والإنتظام ، وستتشكل بطالة مقنعة تعطل الكفاءات وتحرف الأيادي العاملة إلى مهام لا ضرورة لها ولا فائدة ، وستتجه الأموال المنسابة من خزينة الدولة إلى غير مستحقيها ، ممن لا يؤدون عملاً حقيقياً نافعاً ، عوض أن توجه للتنمية وللتعمير في تشييد المصانع المنتجة والمشاريع الزراعية النافعة وغيرها ، وسيضطر المدراء للتستر على هذه التخمة في الموظفين إلى اصطناع المهام والواجبات الوهمية لإشغال الموظفين الفائضين ، ترهق الميزانية وتربك الأداء وتعلم التحايل ، لتضفي انطباعاً للمراقب يوهمه بأن هذه المؤسسة تؤدي مهامها كما ينبغي ، وبأنها ضرورة للصالح العام لا غنى عنها ، فتهدر المال والوقت وتبدد الجهود ، وتسوق الموظف إلى أعمال لا طائل منها ولا فائدة ، تحرفه عن مهامه الأصلية التي من مصلحته أن يتدرب عليها ليؤدي دوره المنشود ضمن اختصاصه في أمانة وجدوى .
تعيين الأقارب وذوي العلاقات الشخصية والنفعية مع من بيدهم زمام التعيين دون النظر إلى الكفاءة والمرتبة العلمية ودون النظر إلى أمانة المتقدم ونزاهته ، وإلى وضعه في المكان المناسب الذي يلائم تخصصه ويلبي ولعه واهتمامه . هذا النوع من التوظيف سوف يقتل الإبداع ويصرف عن الإبتكار والتطور ، ويضعف الهمة ويشعر الآخرين بالإحباط ، وسيكون المنصب الوظيفي مدعاة ووسيلة لقبض الراتب والمخصصات الأخرى مثل الايفادات والمكافآت والمكرمات ، بل وسيلة للمهاترات والمؤامرات ، والتنافس على المكاسب والمغانم الغير مشروعة ، وسيهدر الموظف جل وقته في هذه الترهات ، وسيفقد التطلع إلى مستقبل زاهر يؤدي فيه دوره ليرقى بمجتمعه وبشعبه ، وسيقتصر على إحصاء الأيام ليقبض راتبه دون رغبة في الإبداع ، وسيعيش في الظل لا يتغير ولا يتطور ، وستزدحم أفكاره بكيفية الحصول على الرقي المادي ، والحصول على الإمتيازات والإيفادات ، يجنيها بالتآمر وبالتحايل وبالـمحاباة ، والتي لن تكون أكثر من نزهة بمال سحت إلى بلدان العالم ، للتسوق وللإطلاع على آفاق جديدة من التطور الإجتماعي والمعاشي والرفاهي للموظف ، دون النظر إلى تطوير الإختصاص والرقي العلمي والمعرفي ، ليتسنى من خلال ذلك خدمة المؤسسة الحكومية وبالتالي خدمة المجتمع ، وهذه مسؤولية جسيمة يتحملها كبار المدراء والمسؤولين ، لقيامهم بالتبديد وهدر الأموال .
شهدنا حالات من مهام الإيفاد الى مختلف دول العالم وهي تفتقر إلى أبسط النظرات الموضوعية والمهنية التي تستند الى حس نزيه وشعور بالأمانة ، فكيف يوفد الإداري الى مؤتمر علمي في الكيمياء أو الفيزياء ، وكيف يوفد مهندس مدني إلى دورة تدريبية ضرورية خارج الوطن مخصصة لمهندس كهربائي اوالكتروني ، يضطر فيها المهندس المدني للكذب والتحايل على القائمين على هذه الدورة ليمرر أيام الدورة ويقبض مخصصات إيفاده ، فما هي الضرورة التي دعت لإيفاد هذا المهندس المدني ولأي سبب وما جدوى ذلك ؟ هل هو للترفيه وللترويح ، وهل يجوز أن يكون ذلك بأموال حكومية كانت قد خصصت للتنمية وللتطوير ؟ ولماذا يتم ترويج الكتب الرسمية بالإيفاد (السياحي) إلى الدول الأخرى رغم توسلات واعتراضات المخلصين ، التي تطلب من المسؤول أن يعدِلَ عن قراره وينتدب أصحاب الكفاءات وأصحاب الإختصاص ، فيمضي في قراره دون تردد أو استجابة أو استحياء ، ودون أدنى مراعاة للمصلحة العامة ، أو صحوة لضمير حي ، لأن الإيفاد مقتصر على خواص الأسرة وخواص المصانعين من المدللين الذين لا يخدمون ، إنما يحصدون الأموال والمكاسب والرفاهية فقط ، فهل كان المسؤول يفعل ذلك لو كانت هذه الدائرة الحكومية ملكاً له ، أو شركة خاصة من ممتلكاته ، ألم يكن يحرص على موظفين أكفاء يجني من وراء كفاءتهم ريعاً مادياً يضيفه إلى رصيده وممتلكاته فيحتفظ بالصالحين ويسرح الآخرين ؟ ولكن المصلحة العامة هي آخر شئ يفكر فيه ، والأولوية لمصلحته الشخصية التي تهون مقابلها كل المصالح العامة ، وهذا يعني أن هنالك ضرورة لإصلاح الأخلاقيات ، ولزرع المثل من جديد ، مع إجراء حركة تصحيحية كبرى تنقض كل هذه المفاسد من الجذور ، وتعيد البناء من جديد بتؤدة وروية وأناة ، مع تضافر جهود كل الأمناء الراشدين ، وتسخير كل الطاقات البشرية والأموال في سبيل ذلك ، والحق أقول أني في حيرة من أمري في كيفية الوصول إلى ذلك الإصلاح ، فخراب وفساد متراكم من عشرات السنين يتطلب مجهودات خارقة أو معجزات ، لعلي أعجز حتى عن تصورها ، وإن مجرد التفكير في بعث هذه الطاقات الإصلاحية وتسخيرها وتوفيرها يصيب المرء بصدمة ووجوم يجعلانه يسهم كالمجنون لا يحري عملاً.هذه الممارسات أكثر ما السيئة والمقية يمارسها بعض الوزراء و كثيرهم ممارسة لها الوزير ولد اشروقة الذي لا يعطي اهمية لاصحاب الكفاءات العلمية .نتيجة ضعف مستواه العلمي التخصصي.