”قالت وكالة الأنباء الجزائرية، إن القمة الأخيرة التي جمعت رؤساء الجزائر وتونس وليبيا وتوجت بإعلان قرطاج، تمثل خطوة أولى لتأسيس حلف دول شمال إفريقيا الذي ستنضم إليه موريتانيا يوما ما. وأعلنت أن ذلك يقابله “موت الاتحاد المغاربي” الذي حمّلت المملكة المغربية المسؤولية عن “وفاته”.
في برقية تحمل تحليلا ممزوجا بموقف وتوقعات، ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية التي تعبّر عادة عن الموقف الرسمي، أن عقد تأسيس المبادرة الثلاثية الجزائرية-التونسية-الليبية دبلوماسية كرّس البراغماتية، فقد شكل ظهور هذا التكتل الإقليمي الجديد، حسبها، دليلا على أن “الحركة في السياسة مثلما هو الشأن في الحياة دائما ما تكون أفضل من الجمود”.
وأبرزت أن “الرؤساء عبد المجيد تبون وقيس سعيد ومحمد يونس المنفي كانت لهم الجرأة في رفض الوضع المتردي لاتحاد المغرب العربي وشرعوا في مبادرة حازمة تتعدى مجرد التواجد في مجموعة الثلاثة إلى إنشاء اتحاد استراتيجي للتكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية”. وبذلك، يمثل إنشاء مجموعة الدول الثلاث، “خطوة أولى لتأسيس حلف دول شمال إفريقيا الذي ستنضم إليه موريتانيا يوما ما”.
وهذا التحالف الجديد، تنبأت الوكالة بأنه سيكون له وزن إقليمي، إذ “لا يمكن سواء للاتحاد الأوروبي غض الطرف عن تطلعات البلدان الثلاثة المشتركة نظرا للموقع الجغرافي وللموارد التي يزخرون، ولا للاتحاد الإفريقي نظرا لقوة هذا التكتل المترابط، ناهيك عن الدول التي تتدخل في شؤون الآخرين والتي لن تستسيغ هذا العمل الجماعي الذي يجسد السيادة”. وعلى هذا الأساس، تضيف، أن “التحالف الذي نشأ في قرطاج جديرا بكونه بديلا إقليميا استباقيا سيفرض نفسه بمرور الوقت كشريك موثوق ومسؤول تجاه الكيانات الشريكة الأخرى”.
لتصل في خاتمة المقال إلى القول إن “المغرب العربي بذلك، قد انتقل من الشعارات إلى الأفعال، حب من أحب وكره من كره”.
ولتفسير هذه الخلاصة، بدأت الوكالة بشرح مستفيض عن حالة الاتحاد المغاربي اليوم، من وجهة النظر الجزائرية. وعقدت مقارنة بين اجتماع تونس والاتحاد المغاربي تقول: “في يوم 22 أبريل انعقد لقاء تأسيسي لنهج جديد. وفي السنة القادمة 2025 سيكون قد مر 30 عاما بالضبط على الإعلان عن شهادة الموت السريري لاتحاد المغرب العربي والذي لم يعد موجودا في الواقع”.
وعادت في شرح ذلك إلى ما صدر عن وزير الشؤون الخارجية المغربي عبد اللطيف فيلالي الذي “أعلن حينها عن تجميد اتحاد المغرب العربي ومنذ ذلك الحين تم تعطيل كافة مؤسسات الاتحاد باستثناء الأمانة العامة لهذا “الاتحاد” التي وضعت تحت رقابة المخزن الذي كان يؤجرها ويستخدمها عند الضرورة لإضفاء الشرعية على أعماله من خلال موافقة مزعومة لهذا الاتحاد المغاربي”.
ويشير كلام الوكالة إلى الطيب البكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الذي ترفض الجزائر الاعتراف به. وتابعت الوكالة بخصوص البكوش: “إذا كان قد تم الإبقاء على أمين عام لاتحاد المغرب العربي فان هذا الأخير قد تم التكفل به جيدا من طرف القصر الملكي حيث تحول إلى “دبلوماسي مغربي تابع” عوض أمين عام للاتحاد المغاربي الذي يتواجد في حالة موت سريري”.
وقالت الوكالة إنه “لتذكير أصحاب الذاكرة الضعيفة، فإنه في سنة 1995 كتب وزير الشؤون الخارجية المغربي فيلالي لنظرائه باتحاد المغرب العربي ليبلغهم عن تجميد هذا الاتحاد. ومنذ ذلك الوقت، وبحجة مشكلة الصحراء الغربية، لم يعد هناك وجود لاتحاد المغرب العربي”.
واسترسل المقال انطلاقا من هذه الخلفية إلى القول: “لقاء قرطاج كان فرصة للتطرق للوضعية الهامدة لهذا الاتحاد. فأي كان الطبيب الممارس، لن يصعب عليه الاستنتاج بوضوح أنه بعد غيبوبة عميقة ولا مناص منها، لا يمكن إنعاش كيان كان خلال هذه المدة الطويلة في حالة موت دماغي، وهي الحالة التي تنطبق على اتحاد المغرب العربي”.
لقاء قرطاج كان فرصة للتطرق للوضعية الهامدة للاتحاد ولا يمكن إنعاش كيان كان في حالة موت دماغي
و”الطريف في الأمر”، وفق الوكالة، هو أن “الجزائر، التي اتهمت أنها المسؤولة عن هذا الوضع، هي من دعت أشقائها المغاربة، بمناسبة انعقاد منتدى رؤساء الدول المصدرة للغاز المنظم في الجزائر العاصمة في مارس المنصرم، إلى التفكير في سبيل آخر. فتونس بدورها قد حذت حذو الجزائر بتنظيم قمة قرطاج”.
وتابعت أن “الرئيس تبون لم يخف يوما نواياه عندما يتعلق الأمر بالتعاون والتبادلات السياسية والاقتصادية في إطار إعداد خارطة الطريق الثلاثية”. وقد سبق انعقاد القمة عدة إعلانات، على غرار إنشاء خمسة مناطق للتبادل الحر مع مالي وموريتانيا والنيجر وتونس وليبيا تحديدا، وإن كانت لحكومات بعض دول هذه المجموعة “سلوك عدائي”. وترمي هذه المبادرة، وفق المصدر ذاته، لتمهيد الطريق، ريثما تعود دول الجوار إلى رشدها.
وفي السياق، اتهمت وكالة الأنباء الجزائرية المغرب بتعطيل تكتل دول شمال إفريقيا. وقالت إن “كل الدول الإفريقية منظمة اليوم في إطار مجموعات إقليمية، باستثناء شمال إفريقيا وذلك بسبب المغرب الذي فضل تحالفات مع الكيان الصهيوني ومحاولة الانتماء لهياكل تنظيمية أخرى بالمشرق”. وأردفت “فمنذ 30 سنة، تشكل مساهمات ومنح ورواتب موظفي اتحاد المغرب العربي عبء بالنسبة للدول الأعضاء التي هي في غنى عنه”.
والجزائر التي وصفتها الوكالة بأنها احتلت الصدارة في المجال الدبلوماسي، لم تكتف باقتراح الاجتماع التشاوري بل رافقته بديناميكية براغماتية شملت الملفات الأكثر استعجالا، على غرار أمن الحدود المشتركة ومكافحة الهجرة غير الشرعية وإطلاق مشاريع استثمارية كبرى تخص الطاقة وإنتاج الحبوب وتحلية مياه البحر والتحديات المناخية.
وقد تم لهذا الغرض، تعيين مجموعات عمل مشتركة لتسريع تحقيق هذه الرؤية مع التوقيع على اتفاق لمعالجة ملف المياه الجوفية المشتركة في منطقة شمال الصحراء بين الجزائر وتونس وليبيا الذي كان مصدرا لتوترات كامنة بين الدول الثلاث منذ استقلالها. ويدل هذا على أن الإمساك بزمام الأمور يجسد مسعى إعلان قرطاج، وفق المصدر ذاته.