تحت عنوان “خطر اندلاع حرب جديدة في جنوب لبنان”.. توقّفَ الجيوسياسي والكاتب بصحيفة “لوفيغارو” رينو جيرار عند تدهور الوضع بشكل كبير على طول الحدود المعترف بها دولياً بين إسرائيل ولبنان، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ففي ذلك اليوم، كان هجوم “حماس” على الجبهة الجنوبية لإسرائيل. لكن الجبهة الشمالية تعرضت لزعزعة الاستقرار بعد بضعة أسابيع، كرد فعل عنيف، عندما شعرت الحركة الإسلامية الشيعية اللبنانية “حزب الله” بأنها مضطرة إلى التحرك ضد إسرائيل، تضامناً مع حركة “حماس” الإسلامية الفلسطينية السنية.
الصحيفة: هدف نتنياهو ليس القضاء على “حزب الله”، لأنه يعلم أن ذلك مستحيل، كون الحركة مسلحة بشكل جيد، وراسخة للغاية، بل طرد “حزب الله” من الحدود
في الواقع، قام الجيش الإسرائيلي، اعتبارًا من 27 أكتوبر 2024، بغزو قطاع غزة بهدف نزع سلاحه والقضاء على “حماس”، ما أثار انفعالًا كبيرًا في العالم العربي الإسلامي، بسبب العدد المتزايد باستمرار من الضحايا المدنيين بسبب النيران الإسرائيلية، يوضح الكاتب.
فـ “حماس” و”حزب الله” جزء من نفس “محور المقاومة” ضد إسرائيل، الذي بنته إيران بصبر على مدى ربع القرن الماضي، ويشمل أيضاً سوريا والعراق والحوثيين في شمال اليمن.
ويعتقد رجال الدين الشيعة، الذين يحكمون إيران، أن قيادة “المقاومة” ضد إسرائيل، والكفاح من أجل استعادة القدس، ثالث أقدس موقع في الإسلام، ستمنحهم القيادة على كل المسلمين على هذا الكوكب. وقد يبدو هذا المسعى جنونياً، ولكنه يستمر في تشكيل فكر المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي، بحسب رينو جيرار.
في بداية حرب غزة، كان “حزب الله” راضياً عن “الحد الأدنى من التحرك” ضد الجبهة الشمالية لإسرائيل، وهو ما يكفي فقط لإظهار التضامن مع القضية الفلسطينية، ولكن ليس إلى حد استفزاز عمليات انتقامية واسعة النطاق ضد الأراضي اللبنانية من قبل الجيش الإسرائيلي. وكان هذا الحد الأدنى من التحرك نتيجة لعدم رضا القيادة الإيرانية عن عدم استشارتها من قبل “حماس” قبل هجومها المباغت وغير المسبوق يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشير الكاتب.
تغيرت الأمور، يواصل رينو جيرار، منذ أن قتلت غارة جوية إسرائيلية، داخل القنصلية الإيرانية في دمشق، في 1 أبريل/نيسان 2024، الجنرال محمد رضا زاهدي، رئيس منطقة الشام في “فيلق القدس”، حيث اعتبرت إيران و”حزب الله” اللبناني أن إسرائيل لا تفهم سوى القوة، وأن الوقت قد حان لإظهار قوتهما.. فكان الرد أن تسبّبت طائرات “حزب الله” الحارقة بدون طيار في حرائق ضخمة في المحاصيل الإسرائيلية في الجليل الشمالي. كما سقطت صواريخ أطلقتْها الميليشيا الإسلامية بشكل غير متوقع على منازل إسرائيلية. وتم إفراغ المدن الحدودية من سكانها كإجراء احترازي، حيث غادر 120 ألف إسرائيلي منازلهم رسميًا في الجليل، ويتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة العبرية، وحاليًا العديد من هذه العائلات لاجئ في فنادق في تل أبيب، يوضح الكاتب بـ “لوفيغارو ”.
وهذا الوضع لا يمكن أن يدوم في نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما كرره خلال المقابلة الحصرية التي أجرتها معه صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حيث قال من مكتبه في كيريا، مجمع الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في تل أبيب: “لا توجد ديمقراطية في العالم تقبل أن يتم قصفها من أراضي دولة مجاورة”.
هدف بنيامين نتنياهو، على ما يقول رينو جيرار، ليس القضاء على “حزب الله”، لأنه يعلم أن ذلك مستحيل، كون الحركة مسلحة بشكل جيد، وراسخة للغاية، ولها تأثير كبير على السياسة اللبنانية. فالحكومة الإسرائيلية تريد ببساطة طرد “حزب الله” من المناطق الحدودية، وإعادته إلى شمال نهر الليطاني. ويطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على وجه التحديد على أنه لا ينبغي أن تتمركز أي قوة شبه عسكرية جنوب الليطاني.
والقرار 1701 هو الذي أنهى الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل، والتي بدأت في 12 يوليو/تموز 2006 بتوغل مميت لـ “حزب الله” داخل إسرائيل (مقتل ثمانية جنود إسرائيليين)، واستمرت بقصف جوي مكثف من قبل الجيش الإسرائيلي ضد الأراضي اللبنانية، ثم بغزو بري إسرائيلي لجنوب لبنان (الذي تركه الإسرائيليون طواعية قبل ست سنوات).
واستمرت 33 يومًا، وتسبّبت في مقتل أكثر من 120 جنديًا إسرائيليًا وتدمير جزء كبير من البنية التحتية والقرى في جنوب لبنان. وكان الهدف الرئيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، في ذلك الوقت، القضاء النهائي على “حزب الله”. والحقيقة هي أن الحرب الانتقامية الإسرائيلية أدت إلى تعزيز كبير للحركة الشيعية في لبنان، التي تتمتع الآن بحق النقض على جميع قرارات مجلس الوزراء اللبناني، يقول رينو جيرار.
الصحيفة: يعتقد رجال الدين الشيعة، الذين يحكمون إيران، أن قيادة “المقاومة” ضد إسرائيل، والكفاح من أجل القدس، ستمنحهم القيادة على كل المسلمين على هذا الكوكب
الكاتب رأى أن سبب عدم إطلاق نتنياهو الجيش الإسرائيلي لحد الآن لمهاجمة جنوب لبنان يعود إلى أن إسرائيل تعاني حالياً من نقص خطير في الذخيرة، التي تراجعت وتيرة قدومها من الولايات المتحدة الأمريكية. حتى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري في واشنطن اتهم إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن علنًا بإبطاء عمليات التسليم الأمريكية تحت ذرائع بيروقراطية.
ومن المرجح أن تصل الذخائر الأمريكية إلى إسرائيل قريباً جداً، في ظل التأييد الكبير لذلك من قبل الكونغرس، الذي سيلقي فيه بنيامين نتنياهو، في نهاية شهر يوليو/تموز المقبل، خطابًا مرتقبًا بقوة.
لإدارة مشكلتها الأمنية في الشمال، يواصل رينو جيرار، ترغب إسرائيل في إظهار قوتها، دون الحاجة إلى نشرها بالكامل. الفكرة هي بالأحرى إقناع أعدائها، “حزب الله” وإيران، باللجوء إلى الدبلوماسية، لمنع الصراع من تدمير لبنان مرة أخرى.
وعلى هذا الأساس فإن فرنسا يتعين عليها أن تلعب دوراً حاسماً كوسيط مخلص بين “حزب الله” والحكومة الإسرائيلية، لأنه لا توجد قوة غربية تعرف بلاد الشام أفضل منها.
ومن المؤسف بالنسبة للبنانيين والإسرائيليين على حد سواء أن السلطات الفرنسية تعاني حالياً من الشلل بسبب منافسة انتخابية داخلية لم يكن بوسع أي جهة فاعلة في الشرق الأوسط أن تتوقعها